اكتشف أول حالة إصابة ب السيليكوز بتكوت بباتنة الدكتور رحماني... طبيب القرية المتواضع الذى أحبه الجميع * يمارس مهنة الطب بتفان وإخلاص يحظى الدكتور بشير رحماني بمكانة خاصة واحترام كبير في أوساط سكان بلدية تكوت وضواحيها بولاية باتنة ليس لأنه طبيب القرية الذي لم تغره أضواء المدن الكبرى وفضل العودة إلى مسقط رأسه لممارسة مهنته وإنما لأنه كان أيضا السباق في تشخيص أول حالة إصابة بداء السيليكوز. خ.نسيمة /ق.م كان ذلك في بداية سنة 2000 حسبما أكده الدكتور رحماني لوكالة الأنباء الجزائرية عشية الاحتفال باليوم العالمي للصحة المصادف ل7 أفريل من كل سنة بمنزله العائلي الكائن بوسط مدينة تكوت التي تبعد عن عاصمة الأوراس ب 95 كلم رغم حالته الصحية الصعبة للغاية التي يمر بها بسبب مرض عضال يصعب الشفاء منه -كما قال. وأضاف المتحدث بصعوبة كبيرة مسترجعا شريط الذكريات منذ بداية تسعينيات القرن الماضي إلى غاية 1999 كان يتوافد على المكتب الذي كنت قد خصصته لاستقبال المرضى في جميع الأوقات والذي اضطرني المرض إلى غلقه نهاية 2017. حرفة صقل الحجارة مكمن المرض شباب في عمر الزهور يعانون من النقص وأحيانا العجز التنفسي وبعد توجيههم إلى المختصين في الأشعة يأتي الجواب تليّف رئوي . في البداية بدت الحالات عادية لكن تكرارها في نطاق ضيق بعثني على التساؤل والحيرة لأتوصل بعد تحقيق ميداني أن العامل المشترك بين كل المرضى الذين فحصتهم باعتباري الطبيب الوحيد بدائرة تكوت وقتها هو امتهان صقل الحجارة يضيف المتحدث مردفا وساعدني في ذلك معرفتي الجيدة بسكان المدينةمسقط رأسي التي استقريت بها منذ 1985 لأمارس بعدها مهنة طبيب بصفة قارة فيها . بعد تشخيص أول حالة لداء السيليكوز والتأكد منها مع المختصين في الأشعة يضيف الدكتور رحماني كونت كحل استعجالي 6 لجان كل واحدة تضم 3 أشخاص مهمتهم تحسيس شباب تكوت خاصة ممتهني صقل الحجارة بكيفية تراكم ذرات الغبار المنبعثة من الحجارة في الرئتين لتسبب بعدها النقص في التنفس ثم العجز حيث دامت الحملة 3 أشهر لكن هيهات حسب ما أضافه ذات المتحدث. كان من الصعب في البداية إقناع أصحاب هذه الحرفة المربحة جدا بأنها قاتلة وأن الحل يكمن في التوقف نهائيا عن ممارسة هذا النشاط يردف الدكتور رحماني بتأثر عميق مؤكدا لم ندخر جهدا في شرح تداعيات السيليكوز وحتى في التكفل بالمصابين الذين كانوا كثر لدرجة أن ساعات العمل كانت تمتد أحيانا على مدار 24 ساعة. فقد كنت الطبيب الوحيد المستقر بتكوت وقتها حيث التحقت يردف المصدر بالمركز الصحي الفرعي المتواجد بها في 1986 لأشرف على 11 قاعة علاج تجرى بها فحوصات دورية عبر 3 بلديات بإجمالي 16 ألف ساكن بين طب عام والطب المدرسي وطب العمل إضافة للحالات الليلية الطارئة لقد كان ضغطا كبيرا يضطرني أحيانا لاستقبال بعض المرضى في البيت فلم يكن الأمر صعبا لكن الإشكال كان في الكثافة. انتشار السيليكوز يبلغ أوجه في 2005 والمؤسف أنه لم يكن بالإمكان فعل أي شيء للمصابين بمرض السيليكوز لأنه لا علاج له ولا يمهل المصاب الذي قد يفارق الحياة في ظرف ثلاثة أشهر أو في 15 سنة كحد أقصى لتتوالى الحالات المؤكدة للداء وتشهد سنة 2005 أوج الأزمة لحد دفن 5 ضحايا في أسبوع واحد يضيف ذات الطبيب رغم حملات التحسيس وتوسع دائرة الاهتمام بالظاهرة من طرف مختصين ومنهم الدكتور جمال حميزي المختص في أمراض الرئة بما فيها السل بباتنة . وتم -وفق المتحدث- إحصاء 300 شاب مصاب تتراوح أعمارهم بين 20 و36 سنة من بين 1200 ممتهن لحرفة صقل الحجارة بتكوت وما جاورها . أما إجمالي عدد المتوفين بالسيليكوز المسجلين رسميا فوصل إلى حد الآن إلى 200 شاب منذ تشخيص أول حالة بداية سنة 2000 يضيف رحماني الذي أشار أن عدد الوفيات بالسيليكوز قبل هذا التاريخ يبقى مجهولا. ولم يخف الدكتور رحماني أن تكوت أصبحت منذ سنوات تتوفر على عيادة وأطباء عامين يقومون بفحص المرضى لتتدعم بعدها بمستشفى بمنطقة القصر مجهز بأحدث التجهيزات لكن بالنسبة للتكفل بالمصابين بداء السيليكوز الذي يعد مرضا ثقيلا فهذا لا يكفي ويستوجب تعيين وبصفة دائمة مختص في أمراض الرئة بما فيها السل والثاني في الطب الداخلي للتكفل بالحالات الاستعجالية الطارئة . عوارض خطيرة يسببها المرض فصحيح أن داء السيليكوز الذي يسبب انسداد القصبات الهوائية بذرات السيليس المنبعثة من تقطيع الحجارة يصيب الرئة بنسبة 90 بالمائة إلا أنه يمس باقي أعضاء الجسم الأخرى بدرجات متفاوتة ويتسبب في نقص مناعة المصاب وتعرضه لعديد الأمراض وخاصة فقر الدم والسل وفق المتحدث الذي أكد بأن الخطورة تزداد في حالات النزيف والعجز التنفسي الحاد الذي يتطلب الاستشفاء ويلعب الوقت هنا عاملا أساسيا في التكفل بالمريض الذي قد يزيد نقله إلى مستشفى بسكرة أو باتنة من تأزم وضعه وقد يفارق الحياة في الطريق . لقمة العيش تفرض حرفة الموت واستنادا لذات المتحدث في واقع الأمر ما يزال كثير من الشباب يمارسون هذه المهنة رغم خطورتها غير آبهين بالمضاعفات والآلام الحادة التي تنجر عن تكلس الرئتين وإن كانت الغالبية تلجأ الآن إلى طاولات مزودة بالمياه للتخفيف من حدة الغبار. وبدا الدكتور بشير رحماني الذي ولد سنة 1957 بتكوت طيلة حديثه مع وكالة الأنباء الجزائرية جد متأثر لحالة مرضاه المصابين بالسيليكوز الذين رافقهم بكل الوسائل المتاحة في رحلة معاناتهم كطبيب وكصديق موضحا وهو يقاوم دموعه وآلام المرض الذي ألم به مهمتي اليوم قد انتهت وجاء دور العيادة والمستشفى فأنا لم أعد أقوى على التنقل إلى مرضاي بعدما أنهكني المرض وجعلني أغلق مكتب الاستقبال وأتوقف عن العمل . لوحة تذكارية من صاقلي الحجارة لم يشأ أقدم طبيب ممارس في تكوت أن تفارقه وكالة الأنباء الجزائرية قبل إطلاعها في ركن من فناء المنزل على لوحة من الحجارة في غاية الدقة والجمال أبدعت في تشكيلها أنامل صاقلي الحجارة الذين أرادوها أن تبقى تذكارا منهم لطبيب تكوت فقد خرجت هذه المدينة النائية من الظل فجأة بعد أن ارتبط اسمها بداء السيليكوز وشبابها الممتهن لحرفة صقل الحجارة وكذا باسم بشير رحماني المتحصل على دكتوراه في الطب والطبيب الذي شخص أول حالة للداء بالمدينة ورافق المصابين وأيضا ذيوع صيته داخل وخارج الوطن لنجاحه في معالجة العقم وككاتب ضمن مؤلفاته ومنها (أمرير) أو الحكيم وهو كتاب يتناول فيه تجربته كإنسان وكطبيب للقرية.