من عرف اشتاق.. و من اشتاق بذل.. و من بذل هنا تعلم هناك فمع هذه الكلمات حثا و تشويقا و جذبا و ترغيبا إلى جنة الخلد.. فيا عجبا!! قال ابن قيم الجوزية في كتابه حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح : فيا عجبا.. من سفيه في صورة حليم و معتوه في مسلاخ عاقل اثر الحظ الفاني الخسيس على الحظ الباقي و باع جنة عرضها السماوات و الأرض بسجن ضيق بين أصحاب العاهات و البليات و مساكن طيبة في جنات عدن تجري من تحتها الأنهار بدور ضيقة آخرها الخراب والبوار و أبكارا عربا أترابا كأنهن الياقوت و المرجان بأخريات سيئات الأخلاق مسافحات أو متخذات أخدان و انهارا من خمرة لذة للشاربين بشراب نجس مذهب للعقل مفسد للدنيا و الدين و لذة النظر إلى وجه العزيز الكريم بالتمتع برؤية الوجه القبيح الدميم و سماع الخطاب من الرحمن بسماع المعازف و الألحان و الجلوس على منابر اللؤلؤ و الياقوت يوم المزيد بالجلوس في مجالس الفسق مع كل شيطان مريد. مقارنة قال الفضيل بن عياض: لو كانت الدنيا ذهبا يفنى و الآخرة خزفا يبقى لكان ينبغي أن تؤثر خزفا يبقى على ذهب يفنى فكيف و الدنيا خزف يفنى و الآخرة ذهب يبقى؟! قال ابن عباس رضي الله عنه: ليس في الجنة شيء مما في الدنيا إلا الأسماء . الأسماء واحدة لكن كل شيء غير الأسماء مختلف.. المعنى..الشكل..الطبيعة..كل شيء. و إليك بعض نماذج من النعيم و ساترك إليك أمر إجراء المقارنة بينه و بين نعيم الدنيا: 1- عنب الجنة: عن ابن عباس رضي الله عنه في صلاة الكسوف قال الصحابة للنبي عليه الصلاة والسلام: يا رسول الله رأيناك تناولت شيئا في مقامك ثم رأيناك تكعكعت ( تراجعت عنه) فقال عليه الصلاة والسلام: إني رأيت الجنة فتناولت عنقودا و لو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا . سبحان الله و تبارك الله و تقدس الله وهذا العنقود كان مثله عند الصحابي الجليل خبيب بن عدي رضي الله عنه لما اسر حيث حبسه الكفار في بيت و قيدوه بالحديد فدخلت عليه جارية اسمها ماوية قالت فرأيت في يده عنقود عنب الحبة منه كرأس الرجل و ما في مكة يومئذ ثمرة و انه لموثق بالحديد!! لا شك أن هذا العنقود كان عنقودا من عناقيد الجنة كرامة منحها الله عز وجل للشهيد المبارك خبيب رضي الله عنه ربطا على قلبه و تسلية لروحه و نفسه. تأمل عبد الله بن عمر في عناقيد الجنة و ما ورد في صفتها فزاد في التفاصيل و قرب الصورة أكثر فأكثر فقال في مجلس له بالشام: إن عنقودا من عناقيدها من ها هنا إلى صنعاء!! لطيفة قال يحي بن معاذ: الهي.. خلقت الجنة و آسيت الكفار منها و خلقت الملائكة غير محتاجين لها و أنت مستغن عنها فلمن تكون الجنة؟! 2- شجر الجنة ونخيلها: شجر الجنة ما أحلاه من شجر!!شجرها غير شجر الدنيا و اسمع إلى تأكيد النبي عليه الصلاة والسلام و جزمه بأنه: ما في الجنة شجرة إلا و ساقها من ذهب . هذا عن ساقها أما طولها فحدث و لا حرج و يكفيك أن تعرف: إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع في ظلها مائة عام ما يقطعها . فيا ترى هل يتحمل عقلك التفكير في هذه العظمة؟! أو هل يخطر على بالك هذا النوع من خلق الله؟! و خذ فوق ذلك ما أخبرك به حميد بن هلال عن نخيل الجنة و يا له من نخيل : نخيل الجنة جذوعها ياقوت و عشها ذهب و سعفها حلل و ثمرها اشد بياضا من الثلج و الين من الزبد و أحلى من العسل. اغرس نخلة قال رسول الله عليه الصلاة و السلام: من قال سبحان الله العظيم و بحمده غرست له نخلة في الجنة .