مساهمة: الشيخ قسول جلول* من العبادات التي أوجبها الله على المسلمين في هذا الشهر المبارك زكاة الفطر وقد شرعها الله للصائمين تطهيرًا للنفس من أدران الشح وتطهيرًا للصائم مما قد يؤثر فيه وينقص ثوابه من اللغو والرفث ومواساة للفقراء والمساكين وإظهارًا لشكر نعمة الله تعالى على العبد بإتمام صيام شهر رمضان وقيامه وفعل ما تيسر من الأعمال الصالحة فيه. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عمر - رضي الله عنه - قال: فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على العيد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة وإن أخرجها عن الحمل تطوعًا فلا بأس بذلك. وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه- قال: كنا نعطيها في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - صاعًا من طعام أو صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير أو صاعًا من زبيب وينبغي للمسلم أن يخرج أطيب هذه الأصناف وأنفعها للفقراء والمساكين فلا يخرج الردئ. قال تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْء فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: 92]. وذهب أهل العلم أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم - رحمهما الله - إلى أنه يجزئ عن المسلم أن يخرج زكاة الفطر من غير الأصناف المذكورة في حديث أبي سعيد الخدري ما دامت هذه الأصناف من جنس ما يقتات به أهل البلد مثل الأرز وغيره. والمراد بالصاع الوارد في زكاة الفطر أربعة أمداد والمد: أي ملء كفي الرجل المتوسط اليدين من البر الجيد ونحوه وهو ما يساوي 02 كيلو تقريبًا. وقت إخراجها: وقت يبدأ من غروب الشمس ليلة العيد وأفضله ما بين صلاة الفجر وصلاة العيد. وقت إجزاء وهو قبل العيد بيوم أو يومين وكان ابن عمر - رضي الله عنه - يعطيها قبل الفطر بيوم أو يومين. وقد روى أبوداود في سننه من حديث ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات . وإن أخرها بعد صلاة العيد فهي قضاء ولا تسقط بخروج الوقت وهو يأثم بذلك. وتعطى هذه الزكاة للفقراء والمساكين ففي حديث ابن عباس - رضي الله عنه -: طعمة للمساكين ويجوز أن تعطى الجماعة أو أهل بيت زكاتهم لمسكين واحد وأن تقسم صدقة الواحد على أكثر من مسكين للحاجة لذلك والأصل أن الشخص يدفع زكاة الفطر لفقراء البلد الذي يدركه عيد الفطر وهو فيه ويجوز نقلها إلى بلد آخر فيه فقراء أشد من البلد الذي فيه المزكي جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر إخراج القيمة ( نقوداً أو غيرها ) في زكاة الفطر قال به الإمام أبو حنيفة وأصحابه وقال به من التابعين سفيان الثوري والحسن البصري والخليفة عمر ابن عبد العزيز وروي عن بعض الصحابة كمعاوية بن أبي سفيان حيث قال : إني لأرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعاً من تمر وقال الحسن البصري : لا بأس أن تعطى الدراهم في صدقة الفطر وكتب الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى عامله في البصرة : أن يأخذ من أهل الديون من أعطياتهم من كل إنسان نصف درهم وذكر ابن المنذر في كتابه الأوسط) : إن الصحابة أجازوا إخراج نصف صاع من القمح لأنهم رأوه معادلاً في القيمة للصاع من التمر أو الشعير. والخلاف قديم وفي الأمر سعة فإخراج أحد الأصناف المذكورة في الحديث يكون في حال ما إذا كان الفقير يسد حاجته الطعام في ذلك اليوم يوم العيد وإخراج القيمة يجوز في حال ما إذا كانت النقود أنفع للفقير كما هو الحال في معظم بلدان العالم اليوم ولعل حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أغنوهم في هذا اليوم يؤيد هذا القول لأن حاجة الفقير الآن لا تقتصر على الطعام فقط بل تتعداه إلى اللباس ونحوه.. ولعل العلة في تعيين الأصناف المذكورة في الحديث هي: الحاجة إلى الطعام والشراب وندرة النقود في ذلك العصر حيث كانت أغلب مبايعاتهم بالمقايضة وإذا كان الأمر كذلك فإن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً فيجوز إخراج النقود في زكاة الفطر للحاجة القائمة والملموسة للفقير اليوم. قال أبو إسحاق السبيعي - وهو أحد أئمة التابعين - : أدركتهم وهم يؤدون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام رواه ابن أبي شيبة في المصنف. الحجة لذلك : 1- أنه لم يثبت عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ ولا عن أحد من الصحابة نص في تحريم دفع القيمة. 2- الأحاديث الواردة في النص على أصناف معينة من الطعام لا تفيد تحريم ما عداها بدليل أن الصحابة _رضي الله عنهم_ أجازوا إخراج القمح - وهو غير منصوص عليه - عن الشعير والتمر ونحو ذلك من الأصناف الواردة في الأحاديث الصحيحة. 3- ذهب كثير من الصحابة بل أكثرهم في عهد معاوية إلى جواز إخراج نصف صاع من سمراء الشام بدلاً من صاع من تمر فهذا دليل على أنهم يرون نصف الصاع معادلاً في القيمة للصاع من التمر أو الشعير ونحو ذلك. 3- أن المقصود من الزكاة: إغناء الفقراء والمال أنفع لبعضهم من الطعام فيعد في ذلك حال الفقير في كل بلد. 4- كثير من الفقراء يأخذ الطعام ويبيعه في يومه أو غده بأقل من ثمنه فلا هو الذي انتفع بالطعام ولا هو الذي أخذ قيمة هذا الصاع بثمن المثل والله أعلم. والفتوى بإخراج القيمة هي قول الأشهب وابن القاسم عند المالكية. قال النووي: وهو الظاهر من مذهب البخاري في صحيحه. وصحح الشيخ محمد بن عبدالوهاب القول بجواز إخراج القيمة ولم يشترط الحاجة ولا المصلحة ومال ابنه الشيخ عبدالله إلى جواز إخراج القيمة عند الحاجة.(الدرر السنية ج5 ص232-236) وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي (والصحيح جواز زكاة العروض من العروض لأن الزكاة مواساة فلا يكلفها من غير ماله كما أن الصحيح جواز إخراج القيمة في الزكاة إذا كان في ذلك مصلحة للجهة المخرج عليها.ا.ه(المختارات الجلية ج4 ص 132) يقول الشيخ عبدالمحسن العبيكان : فقد شرعت زكاة المال لسد فاقة الفقراء ولا يختلف ذلك باختلاف صور الأموال إذا حصلت القيمة وكما أن حاجة الفقير تكون في الطعام إلا أنها تكون أيضاً في اللباس والسكن والمركب وغير ذلك وما الحاجة في النقود إلا لشراء تلك الحاجيات فلا فرق بين إعطاء الفقير ما يحتاجه من الطعام أو ما يحتاجه من الكسوة أو نحو ذلك فكل منها للفقير إليه حاجة كما أن الأموال الزكوية أنواع ويخرج من كل نوع زكاته فتتعدد الأنواع لذا فالصحيح من أقوال أهل العلم جواز إخراج القيمة في الزكاة للمصلحة والحاجة وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية مذهبًا وسطًا قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ( 25/79) وأما إذا أعطاه القيمة ففيه نزاع هل يجوز مطلقاً؟ أو لا يجوز مطلقاً ؟ أو يجوز في بعض الصور للحاجة أو المصلحة الراجحة؟ على ثلاثة أقوال – في مذهب أحمد وغيره – وهذا القول أعدل الأقوال يعني الأخير. وقال في موضع آخر وأما إخراج القيمة في الزكاة والكفارة ونحو ذلك فالمعروف من مذهب مالك والشافعي أنه لا يجوز وعند أبي حنفية يجوز وأحمد – رحمه الله- قد منع القيمة في مواضع وجوزها في مواضع فمن أصحابه من قرأ النص ومنهم من جعلها على روايتين والأظهر في هذا: أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه... إلى أن قال رحمه الله: وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل فلا بأس به. اه وجوهر الخلاف إنما هو بين مدرستين: المدرسة التي تراعي في اجتهادها المقاصد الكلية للشريعة ولا تهمل النصوص الجزئية والمدرسة التي لا تنظر إلا إلى النصوص الجزئية وحدها. وقد عمل بهذا القول في خير القرون بعد قرن الصحابة وهو قرن التابعين لهم بإحسان وعمل به خليفة أجمعوا على أنه من الراشدين المهديين. والزكاة إنما جعلت لإغناء الفقير عن الطواف في يوم العيد والأغنياء يتمتعون بمالهم وعيالهم ولينظر امرؤ لنفسه: هل يرى أنه يغني الفقير عن الطواف إذا أعطاه صاع تمر أو صاع شعير.