صورة من الارشيف زكاة الفطر من الأحكام والشعائر التي يستوي في وجوب أدائها الغني والفقير، والرجل والمرأة، والكبير والصغير طعمة للمحتاجين وإغناءا لهم عن السؤال في يوم فرح المسلمين"العيد"، لتتحقق المساواة في أعظم صورها ورحمة بالصائمين تكفيرا لما يُمكن أن يقع منهم في شهر الصيام من لغو ورفث وجهل »قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى« * ولأن الناس اختلفت عاداتهم وطبائع مأكلهم ومشربهم عما كان عليه في عهد الصحابة والتابعين فقد اختلفت آراء العلماء والأئمة في حكم إخراج زكاة الفطر نقدا بين مانع واقف عند ظاهر النص لا يُريد أن يتعداه، وبين مجيز مناصر لإخراج القيمة لما في ذلك من المصالح الراجحة التي تتناسب مع حاجة الفقير والمسكين محققين المقصد من تشريع زكاة الفطر من الإطعام والإغناء عن السؤال، ولإفادة القارئ أتقدم تفصيل هذه المسألة ببيان أحكام صدقة الفطر جاعلا نصب عيني نصوص الكتاب والسنة وأقوال علمائنا الأبرار الكرام المعتمدين: * * أحكام زكاة الفطر: أي الزكاة التي سببها الفطر من رمضان، أضيفت إليه لأنه سببها كما تدل عليه بعض روايات البخاري: "زكاة الفطر من رمضان" وتسمى عند العامة ب "الفطرة" التي هي الخلقة لأن زكاة المال متعلقة به أما هذه فمتعلقة بالأبدان والرؤوس فوجوبها عليها تزكية للنفس وتطهير لعملها. * * السنة التي فرضت فيها زكاة الفطر: فرضت في السنة الثانية من الهجرة وهي السنة التي فرض فيها صيام رمضان، فهذه الزكاة متميزة عن بقية الزكوات إذ لا يُشترط فيها ما هو مشروط في زكاة الأموال من بلوغ النصاب ودوران الحول ولهذا سماها بعض العلماء" صدقة الفطر" تمييزا. * وجوب زكاة الفطر: لقد استقر الأمر بين المسلمين عبر كافة العصور على وجوب زكاة الفطر بحيث أصبحت تملك قداسة عظيمة في قلوب الناس هذا لما ثبت من الأحاديث الصحيحة الصريحة في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر على كل مسلم فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:"فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين" البخاري (1503) مسلم (984). وفي رواية للإمام أحمد في مسنده: "صدقة الفطر واجبة على كل مسلم". قال جمهور علماء الأمة: معنى "فرض" هنا: "ألزم وأوجب" خلافا لمن شذّ وادّعى أن "فرض" بمعنى"قدر" فقالوا: زكاة الفطر سنة مستحبة، قال ابن دقيق العيد عليه رحمة الله : »أصل "فرض" في اللغة "قدر" ولكن نقل في عرف الشرع إلى الوجوب فالحمل عليه أولى« وحمل اللفظ على الحقيقة الشرعية مُقدّم على الحقيقة اللغوية في كلام الشارع ما لم يقم صارف عنه وهذه قاعدة فاحفظها.أمّا ما ادعاه البعض من أن الوجوب منسوخ بما رواه النسائي وغيره عن قيس بن سعد بن عبادة قال: "أمرنا رسول الله بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله" جوابه ما قاله الإمام العلامة محمد الزرقاني المالكي في "شرحه الموطأ" (2 214) "وتُعقب بأنه ضعيف، في إسناده راوي مجهول وعلى تقدير الصحة فلا دليل على النسخ لاحتمال الاكتفاء بالأمر الأول لأن نزول فرض لا يوجب سقوط فرض آخر". * الحكمة من فرضها: أخرج أبو داود وابن ماجة بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "فرض رسول الله زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطمعة للمساكين" وهذا واضح فالحكمة من تشريعها مركبة من حكمتين: * الحكمة الأولى: متعلقة بالصائمين في شهر رمضان ولأنه قلّما يسلم صائم من الوقوع في اللغو والغضب والرفث ولأن الصيام صيام اللسان والجوارح جعل الله "الفطرة" كفارة. * الحكمة الثانية: بالفقراء والمساكين ودور المجتمع المسلم في إشاعة المحبة والفرح في أوساطهم ولأن العيد هو فرح ولعب وأكل اقتضت حكمة الله أن يفرض للفقراء والمساكين ما يُغنيهم عن الحاجة ومذلة السؤال والطلب وهي التفاتة عظيمة توحي بوجوب التوحد والتكافل في الأفراح والأقراح. * الحكمة من فرضها على الغني والفقير: قال الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه القيم الفريد"فقه الزكاة": "والذي أراه أن للشارع هدفا أخلاقيا تربويا، وراء الهدف المالي، من فرض هذه الزكاة على كل مسلم غني أو فقير، وذلك هو تدريب المسلم على الإنفاق في الضراء كما ينفق في السراء والبذل في العسر كما يبذل في اليسر ومن صفات المتقين»ينفقون في السرّاء والضرّاء« وبهذا فيتعلم المسلم وإن كان فقير المال رقيق الحال أن تكون يده هي العليا وأن يذوق لذّة الإعطاء والإفضال على غيره ولو كان ذلك يوما في كل عام". * شروط إخراج زكاة الفطر: تجب على من توفرت فيه الشروط الآتية: * 1 الإسلام: لأن زكاة قربة من القرب لا تُقبل إلا من مسلم ولأنها طهرة للصائم ولهذا جاء في حديث ابن عمر المتقدم الذي رواه البخاري ومسلم: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر... من المسلمين"قال الإمام الصنعاني في "سبل السلام" (2/196) : "ويدل على اشتراط الإسلام في وجوب صدقة الفطر". * 2 القدرة على الإخراج: وحدّ هذه القدرة أن يكون عنده فضل قُوته وقوت من يعول ليلة العيد ويومه وهذا ما ذهب إليه جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة لأن من كان هذه حاله يكون غنيا نسبيا لقوله صلى الله عليه وسلم :"من سأل وعنده ما يُغنيه فإنما يستكثر من النار: فقالوا: يا رسول الله وما يُغنيه؟ قال:"أن يكون له شبع يوم وليلة". رواه أبو داود بسند صحيح. * على من تجب: بعد هذا البيان لشروط وجوب إخراج زكاة الفطر يتضح جليا أنها تجب على كل مسلم يملك قوته وقوت عياله يوما وليلة، عن نفسه وعمن تلزمه نفقته كزوجته المسلمة أما الكافرة فلا، وأبنائه وآبائه إن كان المعول لهم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون". رواه الدارقطني والبيهقي وحسّنه الألباني في "الإرواء"(835) وروى مالك في موطئه (624) عن نافع: "أن ابن عمر كان يُخرج زكاة الفطر عن غلمانه الذين بوادي القرى وبخيبر" قال الإمام مالك عليه رحمة الله "أن أحسن ما سمعت فيما يجب على الرجل من زكاة الفطر أن الرجل يُؤدّي ذلك عن كل من يخمن نفقته ولابد له من أن يُنفق عليه" إلى أن قال:"شاهدهم وغائبهم... ومن لم يكن مسلما فلا زكاة عليه فيه" إه. * استحباب إخراج الزكاة على الجنين: * * قال ابن حزم عليه رحمة الله في "المحلى" (6 132):"إذا أكمل الجنين في بطن أمه 120 يوما انصداع الفجر من ليلة الفطر وجب أن تُؤدى عنه صدقة الفطر" مستدلا بعموم قوله صلى الله عليه وسلم : "على الصغير والكبير" ولما رواه هو عن عثمان: "أنه يُعطي صدقة الفطر عن الصغير والكبير والحمل". ولا يُعرف لعثمان في هذا مخالف من الصحابة رضي الله عنهم بل جاء عنهم الموافقة فعن أبي قلابة قال:"كان يعجبهم أن يُعطوا زكاة الفطر عن الصغير والكبير حتى الحمل في بطن أمه" ولعل ما رواه ابن حزم لا يكفي للإستدلال به على الوجوب إذ أقصى ما يُمكن اعتباره الاستحباب وذكر الشوكاني في "النيل" (4 181) أن ابن المنذر نقل الإجماع على أنها لا تجب عن الجنين وكان أحمد يستحبه ولا يوجبه، والإجماع مخصص كما هو معلوم عند علماء الأصول. * هل يشترط لها نصاب؟: خالف الأحناف وأصحاب الرأي فقالوا: لا تجب إلا على من يملك نصابا من المال أو ما قيمته فاضلا عن مسكنه واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم "لا صدقة إلا عن ظهر غنى" رواه البخاري. وأجيب عن هذا أنّ قول جمهور العلماء أصح لأمور: * 1 أن فرض زكاة الفطر كما ورد في الأحاديث مطلق على الصغير والكبير والذكر والأنثى والحر والعبد ولم يُقيدها بغنى أو فقير عكس زكاة المال قال:"تُؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم" قال الإمام الشوكاني في "النيل": (4 186) "وهذا هو الحق لأن النصوص أطلقت ولم تخصص غنيا ولا فقيرا ولا مجال للاجتهاد في تعيين المقدار" * 2 القياس على زكاة المال غير صحيح لأنه قياس مع الفارق لأن الفطرة وجوبها متعلق بالأبدان والأخرى متعلقة بالمال، وزكاة الفطر لا تزيد بزيادة المال فلا يُعتبر وجوب النصاب فهي كالكفارة. * مقدارها: روى البخاري ومسلم عن أبي سعد الخذري t قال:" كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعام، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من زبيب، أو صاعًا من أقط، فلم نزل كذلك حتى قَدِم معاويةُ المدينةَ، فقال: إني لأرى مُدَّيْن من سمراء الشام يَعدِل صاعًا من تمر، فأخذ الناس بذلك، قال أبو سعيد: فلا أزال أُخرِجُه كما كنتُ أخرجه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم" وفي رواية قال: "وكان طعامنا الشعير والزبيب والتمر" إشارة منه إلى أن هذه الأصناف المذكورة اقتصر عليها لأنها كانت قوت أهل البلد آنذاك، فليس لزاما الاقتصار عليها وعدم الخروج عنها وإنما الواجب المعتبر هو مقدارها الصاع وهو مذهب الجمهور خلافا لأبي حنيفة الذي أقرّ الصاع إلا في القمح فنصف الصاع، وأجيب عنه أن بعض الصحابة كمعاوية أخذ بالنصف في القمح لأن قيمته كانت تعادل صاعا من بقية الأطعمة والصاع = 4 أمداد وهو ما يعادل 2 كيلو وما يُقارب 200غ. قال القرضاوي في "فقه الزكاة": "ينبغي أن يكون الأصل هو الصاع وإذا أريد إخراج القمح وكان غاليا جاز إخراج نصف صاع منه إذا كانت قيمته تساوي صاعا بناءا على اجتهاد الصحابة في إخراج القمح بالقيمة" * وقت إخراجها: يجب إخراج زكاة الفطر قبل الصلاة ولا يجوز تأخيرها إلى ما بعدها عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:"أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر أن تُؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة" متفق عليه، ولهما كذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما:"فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطمعة للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أدّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات"، قال ابن قدامة في "المغني" :"فإن آخرها عن يوم العيد أتم ولزمه القضاء"، وبداية وقت الوجوب غروب شمس آخر يوم من رمضان وهو مذهب الإمام الشافعي وأحمد والقول عند سادة المالكية. * هل تسقط بخروج وقتها: قال أبو مالك سيد حفظه الله في "صحيح فقه السنة" (2 84): "اتفق العلماء على أن زكاة الفطر لا تسقط إذا خرج وقتها لأنها وجبت في ذمته لمستحقيها، فهي دين لهم لا يسقط إلا بالأداء لأنها حق للعبد أما حق الله في التأخير عن وقتها فيجب فيه الاستغفار والندامة والله أعلم". * التعجيل بإخراجها قبل العيد: روى البخاري ومسلم عن نافع قال: "كان ابن عمر يُعطيها الذين يقبلونها وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين" والضمير في قوله "كانوا" يعود إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم القوم الذين أمرنا بإتباع هداهم والاقتداء بهم، وجواز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين هو القول المعتمد عند المالكية والحنابلة خلافا للظاهرية، ولا حرج أن تخرج قبل ذلك إذا مصلحة الفقراء والمساكين تقضي ذلك وخاصة إذا كان القائم على جمعها وتوزيعها هيئة رسمية أو خيرية معتمدة بحيث تشرق شمس العيد وقد وصل إليهم حقهم. * الدين المطالب به مقدم على الزكاة: من كان بحوزته ما يخرجه عن صدقة الفطر وعليه دين مطالب به في الحال سداد الدين الذي عليه إذ لا يُكلف الله نفسا إلا وسعها ولا تكليف بما لا يُطاق ولأن حقوق العباد مقدمة، أما إذا كان الدين مؤجلا فيجب عليه الإخراج قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (3/76):"وتسقط الفطرة عند المطالبة بالدين لوجوب أدائه عند المطالبة وتأكده بكونه حق آدمي معين لا يسقط بالإعسار وكونه أسبق سببا وأقدم وجوبا يأثم بتأخيره". * حكم الزيادة على المقدار الواجب: زكاة الفطر ليست من الشؤون التعبدية المحضة كالصلاة وما يتعلق بها من أحكام بحيث لا يجوز الزيادة فيها، فالزيادة في الفطرة على المقدار الواجب لا حرج فيه بل هو أمر محبوب مستحسن وزيادة خير كما قال الله تعالى في كتابه العزيز: »فمن تطوع خيرا فهو خير له« البقرة 184. * حكم إخراج زكاة الفطر نقدا: إخراج زكاة الفطر نقدا من المسائل التي كثر فيها الكلام وتضاربت فيها الأقوال بين متشدد إلى حدّ التّنطّع، وبين متساهل إلى حدّ التّميّع، وبين متوسط ناظر إلى المقاصد والمصالح والغايات، فقد ذهب أحمد ومالك والشافعي إلى وجوب إخراجها من طعام أهل البلد وأن إخراجها نقدا مخالف لهدى النبي صلى الله عليه وسلم، وتشدّد ابن حزم فقال:"لا تخرج من غير التمر والشعير ولا يُجزئ إخراجها نقدا أصلا"، وذهب الثّوريّ وأبو حنيفة وأصحابه إلى جواز إخراجها قيمة، صح ذلك عن عمر بن عبد العزيز والحسن البصري، روى ابن أبي شيبة أن الحسن قال:"لا بأس أن تُعطى الدّراهم في صدقة الفطر" مستدلين بما يلي: * 1 ما ذكره ابن المنذر من أن الصحابة رضي الله عنهم أجازوا إخراج نصف الصاع من القمح لأنهم رأوه معادلا في القيمة للصاع من التمر أو الشعير ولهذا قال معاوية في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: "إني لأرى مدَّين من سمراء الشام تعدلا صاعا من التمر" ووافقه الكثير من الصحابة على ذلك. * 2 أن الله تعالى فرض زكاة إغناءا للفقراء عن الطلب في هذا اليوم وطعمة لهم وذلك يتحقق بدفع القيمة بل يكون في كثير من الأحيان أكثر تحقيقا للغاية لإختلاف عادات الإطعام بين زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الأزمان. * 3 روى البخاري في صحيحه معلقا عن طاووس قال:"قال معاذ باليمن ائتوني بخَميس أو لَبيس آخذه منكم مكان الصدقة فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة" وذلك أن أهل اليمن كانوا مشهورين بصناعة الثياب فدفعها أيسر عليهم وأصلح لأهل المدينة وأوفق فالغاية من إخراج الزكاة تحقيق حاجة الفقير ومصلحته، وهذا يتحقق بالقيمة كما يتحقق بإخراج العين. * وتوسط ابن تيمية بين الفريقين فأجاز إخراج القيمة للمصلحة أو الحاجة قال عليه رحمة الله في "مجموع الفتاوى" (25 82 83): "والأظهر في هذا: أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه...وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل فلا بأس به... مثل أن يكون المستحقون للزكاة طلبوا منه إعطاء القيمة لكونها أنفع أو يرى الساعي القائم أنها أنفع للفقراء كما نقل عن معاذ بن جبل"، قال الشيخ يوسف القرضاوي في "فقه الزكاة" (955) "والذي يلوح لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما فرض زكاة الفطر من الأطعمة لسببين: الأول: لنذرة النقود عند العرب في ذلك الحين فكان إعطاء الطعام أيسر على الناس. والثاني: أنّ قيمة النقود تختلف وتتغير قوتها الشرائية من عصر إلى عصر بخلاف الصاع... كما أن الطعام كان في ذلك العهد أيسر على المعطي وأنفع للآخذ". إه * ومن هذا يتضح أن المراد في الأفضلية على مدى انتفاع الفقير وحاجته فإن كان انتفاعه بالطعام أكثر كان دفعه أفضل، وإن كان انتفاعه بالنقود أكثر كان ذلك أفضل إذ الحكمة من هذه الزكاة إطعام الفقير والمسكين وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرجها وصحابته من قوت أهل البلد آنذاك شعيرا أو تمرا أو زبيبا وكان يكفي وجوده لوحده ليطعم به فالعلة الإطعام وهي متحققة بما سننه صلى الله عليه وسلم آنذاك فهل يتحقق الإطعام والإغناء عن السؤال اليوم في بلدنا وكثير من البلدان الإسلامية بإخراج السميد أو الأرز فقط؟ لقد تغيرت أحوال الناس وطبائعهم وقوتهم ومتطلبات أكلهم وشربهم، ولهذا نقول حتى تتحقق غاية إطعام الفقير والمسكين والمحتاج من زكاة الفطر فلا مناص من أمرين: * 1 إخراج زكاة الفطر من قوت أهل البلد متبوعا بلوازمه مع جواز المحافظة على المقدار الواجب. * 2 إخراجها نقدا أو ترك الأمر لصاحبها إذ هو أعلم بشؤون حاجته ونقائص بيته. * ثم إنني أدعو إلى أن تتولى جمع هذه الأموال مؤسسة خيرية معتمدة وموثقة ثم تقوم بتوزيعها وذلك بعد عملية إحصاء للفقراء والمساكين والمحتاجين لتعم الفائدة من هذه الأموال الطائلة والتي لو أحسن استغلالها لأخرجنا الكثير من العائلات من حالات البؤس والعوز ولأنقذنا الآلاف من الشباب الذين يُلقون بأنفسهم إلى البحار والانتحار والدمار.