أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة الشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم المسلمين بتقوى الله والعض على دينه بالنواجذ، وحذرهم من محدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها بالمسجد الحرام: "لا يشك أحد ذو لب يعي أو له عين ترمق أننا نعالج زمنا اتسعت فيه الثقافات والمعارف بحلوها ومرها وزينها وشينها وكبيرها وصغيرها، وسهلت طريقة الوصول إليها حتى درجة الابتذال المفقد لقيمتها وأثرها في صورة لم تكن لمن قبلنا، بيد أن القراء ليسوا كأولئك القراء والمفكرين ليسوا كأولئك المفكرين، حيث إن هذا الاتساع برمته لم يكن خيرا كله كما أنه ليس شرا كله. وأضاف فضيلته، أن هناك خلطا وعصفا ذهنيا خارج طاولة الاختصاص، فأصبح الحديث عن المعارف والثقافات والمسائل وقضايا الناس العامة مباحا لأي أحد كيفما اتفق، فقلَّ الفقهاء وضعف المدققون ذوو الإفهام الذين يحسنون الربط بين المتماثلات والفرز بين المختلفات، فجمع بين المتعارضين وألف بين المتناقضين قصرًا بلا معيار. وأوضح أنه لو نظرنا نظرة مجملة إلى الضرورات التي أجمعت الشرائع السماوية على حفظها وحمايتها لوجدناها خمس ضرورات وهي الدين والنفس والعقل والمال والعرض، وأنه لا يمكن لأي شريعة أن تهمل واحداً منها، كما لا يمكن لأي مجتمع بشري أيا كان تدينه وملته ووعيه أن يكتب له البقاء إذا لم يكن حفظ هذه الضرورات غاية من غاياته. وأشار الدكتور الشريم إلى أن الشريعة الإسلامية هي خاتمة الشرائع وأنها جاءت جامعة مانعة لما يحقق حفظ هذه الضرورات بكل وجه من الوجوه الممكنة فقد يكون الحفظ تارة عن طريق النصوص الصريحة الصحيحة في كل ضرورة وقد يكون في الإجماع أو القياس تارة أخرى كما أنه قد يكون تارات أخرى في قاعدة مشهورة لا يمكن تجاهلها وهي القاعدة المعروفة بسد الذرائع أو فتحها. وقال: إن الذريعة هي ما كان وسيلة وطريقا إلى الشيء، وهذا هو أصلها في اللغة، ولكنها صارت في عرف الفقهاء عبارة لما أفضت إلى فعل محرم، وأما سدها فإنه يعني ترك مباشرتها أو الحيلولة بينها وبين المقصود المحرم بحال مادي أو معنوي، وأنه ما من شيء في الشريعة الإسلامية إلا وهو راجع إلى مسألة الذرائع سدا أو فتحا، فالمحرمات ذريعة إلى النار والواجبات والسنن ذريعة إلى الجنة، فما أدى إلى الجنة من الذرائع فتح وما أدى إلى النار سد. وأوضح أن قاعدة سد الذرائع وفتحها قد أوجز الحديث عنها العلامة ابن القيم رحمه الله في عبارات موجزة حيث قال: "لما كانت المقاصد لا يُتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها كانت طرُقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها، فإذا حرم الرب تعالى شيئا وله طرق ووسائل تفضي إليه فإنه يحرمها ويمنع منها، تحقيقا لتحريمه وتثبيتا له ومنعا أن يُقرب حماه، ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضا للتحريم وإغراء للنفوس به، وحكمة الله تعالى وعلمه يأبى ذلك كل الإباء". وأكد الشريم أن قاعدة سد الذرائع ليست بدعا من المسائل ولا ظنا أو خرصا يدلي به الخرصون، كلا؛ بل هي قاعدة ثابتة بالشرع والعقل، فمن الشرع قوله تعالى: ((ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم))، فنهى الله جل وعلا عن سب آلهة المشركين، وإن كان فيه مصلحة إلا أنه يترتب عليه مفسدة أعظم منها، وهي سب المشركين الله عز وجل، وهذا دليل على منع الجائز إذا كان يفضي إلى محرم، أما دليل سد الذرائع من جهة العقل فإننا نعجز جميعا عن حصر ذلك، لأن حياتنا اليومية مليئة بقاعدة سد الذرائع أو فتحها. وأفاد إمام وخطيب المسجد الحرام أنه لا أحد يستطيع أن يحيا على هذه البسيطة دون أن يتعامل مع قاعدة سد الذرائع وإحسان إيجادها في كل ضرورة من الضرورات الخمس حسب ما تطلبه حال كل ضرورة، لافتا الانتباه إلى أن القاسم المشترك بين تلك الضرورات الخمس هو عنصر الأمن، فلا تدين بلا أمن ولا نفس مستقرة بلا أمن ولا مال ثابت بلا أمن ولا عقل متزن بلا أمن ولا عرض سالم من الأذى بلا أمن. وشدد على أننا بحاجة ماسة إلى تهيئة أجواء تبرز الفقهاء والمفكرين والمثقفين الذين تتوفر فيهم القوة الفقهية والقوة الواعية لما عليه الناس وما عليه العصر، إذ هما متلازمان تلازما لا يجوز انفكاكه للفقيه والمفكر والمثقف الذي يريد أن يكون له أثر في الأمة ليُوجِد حلولا لمشكلاتهم وليربط بين أحكام الشريعة ومستجدات العصر ونوازله ليعلم ما يصح منها وما لا يصح، وهذا لا يكون إلا لمن جمع بين الدليل الشرعي وبين الواقع العملي. واختتم فضيلته بالقول: إن مسألة سد الذرائع وفتحها مسألة جد مهمة، لأنها تمس كثيرا من جوانب حياتنا، فمخطئ من يردها هكذا سبهللا، ومخطئ أيضا من يأخذها على مصراعيها دون ضبط أو فقه لمضامينها، والاعتدال هو أس الانضباط، مبينًا أن الأسباب التي جعلت السلف الكرام يقولون بسد الذرائع يرجع إلى أمور ثلاثة، أولها: كثرة الأهواء في الشهوات والشبهات، وثانيها: كثرة الحيل وتتبعها للفرار من المحرَّم، وثالثها: الموازنة الدقيقة التي تغيب عن كثير من المتكلمين عن الحلال والحرام، وهي الموازنة بين المصالح والمفاسد، حيث إن من المقرر أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. * أكد الشريم أن قاعدة سد الذرائع ليست بدعا من المسائل ولا ظنا أو خرصا يدلي به الخرصون، كلا؛ بل هي قاعدة ثابتة بالشرع والعقل، فمن الشرع قوله تعالى: ((ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم))، فنهى الله جل وعلا عن سب آلهة المشركين، وإن كان فيه مصلحة إلا أنه يترتب عليه مفسدة أعظم منها، وهي سب المشركين الله عز وجل، وهذا دليل على منع الجائز إذا كان يفضي إلى محرم، أما دليل سد الذرائع من جهة العقل فإننا نعجز جميعا عن حصر ذلك، لأن حياتنا اليومية مليئة بقاعدة سد الذرائع أو فتحها.