** أنا امرأة تجاوزت الثانية والأربعين من عمري مطلقة ولي أطفال.. تقدم لخطبتي رجلٌ عربي يقيم في بلدي فوافقت على الزواج منه.. غير أن عائلتي وقفت عقبة في طريق هذا الزواج متذرعين بأنه راغب في الحصول على بعض المكاسب من وراء هذا الزواج.. وأنه ليس من بلدنا إلى غير ذلك من الأعذار الواهية.. أعلمتهم أنني مصممة على إتمام الزواج.. ولو منعوني سأقع في الفاحشة مع هذا الرجل! أخبرني أخي أنهم لا يوافقون وإن كنت مصمِّمة فعلي أن أغادر البيت وأذهب إلى منطقة بعيدة عنهم بحيث لا يسمعون شيئاً عن أخباري.. خرجتُ من البيت وابتعدت عنهم.. ثم ذهبت إلى المحكمة فأخبرني القاضي أنه لابد من حضور الولي ولابد من موافقة بعض الجهات الحكومية على إتمام الزواج. - فأية "عنصرية" هذه؟ أنا مظلومة؛ إذ لم أرد إلا الحلال. * الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: بداية أسأل الله لي وللأخت السائلة ولجميع القراء أن يوفقنا ويهدينا للصواب وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه وأن لا يجعله مشتبهاً علينا فنهلك. أختي السائلة: ليس اتفاق جنسية الزوجين شرطاً في الزواج ولا من معاييره، وإنما المطلوب الاتفاق في الدين من جانب المرأة وهذا يتكلم عنه أهل العلم عندما يتكلمون عن الكفاءة في النكاح ومن الأصول الشرعية في هذا ما ذكره الله جل وعلا في كتابه في قوله "إن أكرمكم عند الله أتقاكم". وقوله النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه فإن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض". إذا تبين ذلك لك فإنه يجب عليك أن تنتبهي لبعض الأمور: تقولين في رسالتك: كيف يُحرم شخصان من الزواج وهما يجمعهما دين واحد؟ وتعتبرين هذا مخالفاً لشرع الله ودينه.. ولتعلمي أن مما يخالف شرع لله ودينه أن تتزوجي دون رضى وليِّك، لذلك يجب أن تنتبهي إلى أن موافقة الولي شرط من شروط صحة الزواج بل هو شرط لنجاح استمراره، خاصة في مثل ظروف المجتمع التقليدي الذي تعيشين فيه. حديث أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا نكاح إلا لولي...". رواه الخمسة إلا النسائي. وبهذا تعلم السائلة أن المرأة لو زوجت نفسها بدون وليها فنكاحها باطل، لأن ذلك ذريعة إلى الزنى، ولأن المرأة قاصرة النظر عن اختيار الأصلح لها. وننبه السائلة إلى أنه يجب التأني في مثل هذه الزيجات والاطمئنان إلى أن الاختلاف في الأعراف بين البلدين لن يؤثر على العلاقة الزوجية بينكما. والذي يظهر من رسالة السائلة أنها اختارت الارتباط بذلك الرجل بقلبها وعاطفتها ولم تختر ذلك بعقلها، لأن القرار لا يخصها وحدها بل هذا الزواج مرتبط بين عائلتين قبل أن يكون ارتباطاً بين رجل وامرأة، وهذا الارتباط لايكون لمجرد قضاء الوطر وتفريغ الشهوة لكنه ارتباط وثيق سماه الله عز وجل (ميثاقاً غليظاً) وينبني على هذا الارتباط تكوين أسرة، ولابد أن تكون هذه الأسرة قوية بعيدة عن الانهيار. كان من الواجب عليك الاعتماد بعد الله عز وجل على أهلك في السؤال عن هذا الرجل والتأكد من أخلاقه ودينه واستقامته بالحكمة والتبسط معهم والتقرب إليهم، ولا يكون ذلك بالمكابرة والعناد، فهذه المسألة من الأمور الحساسة التي تحتاج إلى حسن تصرف، وموافقة الأهل من الأمور المهمة. ولو فرضنا أنه حصل لك ما تريدين من الارتباط بهذا الرجل وتركت أهلك فالحياة مجبولة على الكدر والمنغصات ولا يوجد ضمانات للمستقبل، فإذا حدث بينكما خلافٌ ففي هذه الحالة تكونين قد فقدتِ سندك -بعد الله عز وجل- وهم الأهل.. ويكون قد فات الأوان. اعلمي أن تعلقك بهذا الرجل والاتفاق معه على الزواج دون موافقة الأهل لا ينبغي من مثلك. بل إن تصريحك لأخيك برغبتك في فعل الفاحشة معه في حال رفض الأهل دليل على أنك تحتاجين إلى من يضرب على يدك ويمنعك من التصرف دون الرجوع إلى وليِّك، فهذا ضعف في الدين وقلة في العقل ونقص في المروءة والأخلاق، وأنت بهذا تعتبرين ممانعة أهلك لزواجك بسبب اختلاف الجنسية مخالفاً للشرع وأنت ترتكبين ما هو أعظم وأشنع من ذلك وهو فعل الفاحشة مع هذا الرجل. وختاماً فإني أوصي نفسي وإياك وعموم القراء بدعاء الله عز وجل في كل وقت وحين فإنه هو الموفق والمدد والهادي إلى سواء الصراط وهو نعم المولى ونعم النصير.