بعد الإفراج عن القانون المنظّم لها هل دخلت الجزائر عهد الصيرفة الإسلامية؟ دخلت الجزائر عالم الصيرفة الإسلامية لأول مرة بعد إفراج البنك المركزي عن القانون المنظم لها بعد سنوات طويلة من تردد السلطات في السماح بهذا النوع من الخدمات البنكية الذي كان مقتصراً على بنكين يشتغلان خارج القانون الذي أطر عمل البنوك التجارية إلى حين تعديل القانون في موازنة 2020 التي دخلت حيز التنفيذ في جانفي الماضي. ويأتي ذلك في إطار محاولات الحكومة امتصاص الأموال المتداولة خارج القنوات البنكية لمواجهة أزمة السيولة التي تعصف بالبنوك والبلاد خاصة مع تداعيات وباء كورونا الخطيرة على الاقتصاد كما يأتي في اطار محاولات لجذب الأموال الجزائرية المستثمرة في بنوك إسلامية تعمل خارج البلاد خاصة في أوروبا. ووفق القانون الذي أصدره البنك المركزي الجزائري أخيرا فإن مفهوم العملية البنكية التي تدخل ضمن الصيرفة الإسلامية هي كل عملية لا يترتب عليها تحصيل أو تسديد فوائد. وحسب القانون نفسه فإن البنوك مرخص لها بتسويق 8 منتجات مصرفية إسلامية هي: المرابحة والمضاربة والمشاركة والإجارة والسلم والاستصناع وحسابات الودائع وودائع الاستثمار. ويرى الخبير المالي نبيل جمعة أن البنك المركزي ترك لنفسه حرية التحرك فهو الذي يقرر ويحدد ماهية الصيرفة الإسلامية واكتفى بربط إطلاق المنتجات البنكية على الطريقة الإسلامية بموافقة مسبقة منه . وأضاف جمعة في تصريح لموقع العربي الجديد أن الصورة لا تزال غير واضحة وكأن الحكومة لا تزال مترددة في إطلاق الصيرفة الإسلامية . وكانت الحكومة قد اتجهت لدعم الصيرفة الإسلامية والسماح للبنوك التقليدية بالعمل فيها بهدف مواجهة مشكلة السيولة التي خلفتها الأزمة المالية التي عصفت بالبلاد منذ العام 2014 وتوجد بالجزائر 29 مؤسسة بنكية منها 7 بنوك عمومية (حكومية) وأكثر من 20 بنكاً أجنبياً من دول الخليج على وجه الخصوص وأخرى فرنسية وواحد بريطاني. واقتصرت الصيرفة الإسلامية على بنوك أجنبية (خليجية) بالدرجة الأولى على غرار فرع الجزائر لمجموعة البركة البحرينية وفرع بنك الخليج الجزائر الكويتي وبنك السلام الإماراتي كلها خارج القانون. وتمثلت أنشطة خدمات الصيرفة الإسلامية السابقة في تمويلات لشراء عقارات (أراض وعقارات) وسيارات ومواد استهلاكية (أثاث وتجهيزات) فضلاً عن تمويل مشاريع استثمارية صغيرة بمبالغ محدودة. وسمحت الحكومة لثلاثة بنوك عمومية بفتح شبابيك (نوافذ) إسلامية بدءاً من نوفمبر عام 2017 وهي بنك القرض الشعبي الوطني وبنك الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط و بنك التنمية المحلية . ومنذ تأسيس أول بنك إسلامي بالجزائر (بنك البركة) سنة 1990 والصيرفة الإسلامية تواجه عقبات حالت دون انتشارها لا سيما في ظل افتقارها إلى نظام تشريعي وتنظيمي يرسم معالم الصيرفة الإسلامية في الدولة. ويبقى المشكل في عدم امتلاك البنك المركزي لهيئة مؤهلة لإعطاء رأي شرعي في المنتجات البنكية التي ستقدمها البنوك التقليدية عبر وحداتها الإسلامية وهو ما وقع في السابق مع البنوك الإسلامية المعتمدة التي لم يفصل المركزي في تطابق تعاملاتها مع الشريعة الإسلامية إلى يومنا هذا رغم نشاطها لأكثر من 20 عاماً كما هو الحال مع بنك البركة. وفي هذا السياق قال أستاذ العلوم الإسلامية جمال حضري إن الإشكال كان في الأسباب لأن الحكومة لجأت إلى الصيرفة الإسلامية لجلب الأموال النائمة خارج البنوك وليس عن عقيدة وإيمان وبالتالي نحن نجعل من الشريعة الإسلامية ترقيعاً لأخطاء وقعت جراء سوء إدارة البلاد وهذا يكفي ليجعل من الصيرفة الإسلامية حلاً مؤقتاً قد يزول بزوال أسبابه أي انتهاء الأزمة المالية وارتفاع أسعار النفط . وتابع حضري في تصريح للموقع نفسه أن الصيرفة الإسلامية في الجزائر تحتاج إلى شيئين مهمين حتى تكون لها انطلاقة صحيحة وهما: أولاً الإطار القانوني المنظم لها وقد تم طرحه ولا نعرف بعد تأثيره على الساحة البنكية وثانياً هيئة شرعية موحدة تكون المرجع في ظل وجود تنوع أو اختلاف في الفتوى من مذهب إلى آخر ومن دولة إلى أخرى فما هو مباح في الخليج والمشرق قد يكون محرماً في المغرب العربي والعكس صحيح . واستشهد أستاذ العلوم الإسلامية حضري بأن بعض البنوك الإسلامية تقدم عروضاً بنكية على أنها (إسلامية) غير ربوية وبهامش ربح معلوم وفي الحقيقة هي عروض ربوية في التفاصيل وبالتالي يجب أن يفصل المركزي الجزائري والمجلس الإسلامي الأعلى في هذه المفاهيم .