أغلب شبابيكها مازالت في مرحلة الانطلاق الصيرفة الإسلامية بالجزائر.. إلى أين؟ دراسة: د/ رقية بوحيضر* ظهرت البنوك الإسلامية في الجزائر بعد إصدار قانون النقد والقرض 90-10 حيث تم إنشاء بنك البركة الجزائري مشاركة بين بنك الفلاحة والتنمية الريفية ومجموعة البركة المصرفية في 20 ماي1991 كأول بنك إسلامي يعمل وفق قواعد الشريعة الإسلامية في الجزائر. احتكر هذا البنك السوق إلى غاية سنة 2007 أين تم إنشاء ثاني بنك وهو بنك السلام الجزائر. والملاحظ أن هذين البنكين ورغم النجاح المحقق من طرفهما بقي تواجدهما وانتشارهما في الجزائر محدودا رغم تنامي الطلب على الصيرفة الإسلامية. في المقابل تملك الجزائر منظومة بنكية تقليدية هامة تغطي مختلف مناطق البلاد خاصة العمومية منها وهو ما أدى إلى ظهور أصوات تنادي بضرورة فتح الباب أمام البنوك التقليدية لتقديم الخدمات المصرفية الإسلامية على شاكلة ما هو موجود في الكثير من البلدان الأخرى كمصر والمملكة العربية السعودية ممن سبقونا إلى تطبيق هذه التجربة. الأزمة النفطية لسنة 2014 ورهان التسرب النقدي لم يؤخذ موضوع الصيرفة الإسلامية في الجزائر على محمل الجد إلا بعد حدوث الأزمة النفطية لسنة 2014 وتراجع الإيرادات النفطية ما جعل الحكومة تبحث عن موارد مالية مستدامة فتم إصدار النظام رقم 18-02 المؤرخ في 26 صفر عام 1440 الموافق 4 نوفمبر 2018 والذي يتضمن قواعد ممارسة العمليات المصرفية المتعلقة بالصيرفة التشاركية من طرف البنوك والمؤسسات المالية غير أن هذا النظام لم يطبق على أرض الواقع نتيجة عدة عوامل أهمها التناقضات والغموض الذي يكتنفه إضافة إلى الظروف السياسية التي عرفتها تلك الفترة. ويعتبر إصدار النظام رقم 20-02 المؤرخ في 20 رجب عام 1441 الموافق 15 مارس سنة 2020 الذي يحدد العمليات البنكية المتعلقة بالصيرفة الإسلامية وقواعد ممارستها من طرف البنوك والمؤسسات المالية أول محاولة جادة في الجزائر من أجل وضع دعائم العمل المصرفي الإسلامي في الجزائر. كان الهدف الرئيسي للحكومة من إصدار هذا النظام هو العمل على جذب جزء من الأموال المكتنزة خارج الجهاز المصرفي الجزائري وإدخالها للدائرة الرسمية اعتمادا على فكرة أن جزء منها قد يكون مرتبطا بعدم توفر خدمات مصرفية إسلامية بالعدد الكافي وبالانتشار المطلوب. وقد كشف رئيس الجمهورية يوم 28 سبتمبر2021 خلال كلمة ألقاها بمناسبة تنصيب أعضاء المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن ما يقارب 10 ألاف مليار دج تتداول في السوق الموازية أي ما يعادل 90 مليار دولار. كما تعول الحكومة على زيادة الشمول المالي في الجزائر أي الوصول بالخدمات البنكية إلى أكبر عدد مكن من السكان في مختلف مناطق الوطن ما يساهم في تفعيل التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ما هو شباك الصيرفة الإسلامية؟ عرف النظام رقم 20-02 شباك الصيرفة الإسلامية في المادة 17 بأنه هيكل ضمن البنك أو المؤسسة المالية مكلف حصريا بخدمات ومنتجات الصيرفة الإسلامية إلا أن هذا الهيكل يجب أن يكون له هيئة للرقابة الشرعية تتألف من ثلاثة أعضاء على الأقل يتم تعيينهم من طرف الجمعية العامة للبنك أو المؤسسة المالية مهمتها مطابقة المنتجات المصرفية المقدمة في الشباك للشريعة ورقابة نشاط البنك أو المؤسسة المالية المتعلق بالصيرفة الإسلامية وفق المادة 15 من النظام 20-02. كما يجب أن يكون مستقلا ماليا عن البنك الأم ومستقلا إداريا عن باقي مكونات الهيكل التنظيمي للبنك أو المؤسسة المالية التقليدية كما يفصل بين المحاسبة الخاصة بشباك الصيرفة الإسلامية والمحاسبة الخاصة بالهياكل الأخرى للبنك أو المؤسسة المالية وأن تكون حسابات زبائن شباك الصيرفة الإسلامية مستقلة عن باقي الحسابات الأخرى للزبائن كما يكون له كوادر بشرية خاصة به. ما هي المنتجات المصرفية المسموح تقديمها في شباك الصيرفة الإسلامية؟ عرف النظام20-02 العمليات البنكية الإسلامية حسب المادة الثانية منه بأنها كل عملية لا يترتب عليها تحصيل أو تسديد الفوائد بشرط أن تكون مطابقة لأحكام المواد 66-69 من القانون 03-11 الخاص بالنقد والقرض وهذه العمليات حسب هذه المواد محصورة في: - تلقي الأموال من الجمهور: وتأخذ شكلين هما حسابات الودائع التي تحتوي على أموال يتم إيداعها في البنك سواء من قبل الأفراد أو غيرهم من الكيانات مع التزام البنك بإعادتها إلى المودع عند الطلب أو حسب أي شروط أخرى متفق عليها حسب نص المادة 11 من النظام 20-02. أما النوع الثاني فهو الودائع في حسابات الاستثمار والتي تعتبر توظيفات لأجل تترك تحت تصرف البنك لغرض استثمارها في تمويلات إسلامية وتحقيق أرباح حسب نص المادة 12 من النظام 20-02 - عمليات التمويل: وهي المكافئة لما يسمى بعمليات القرض في نص المادة 68 من قانون النقد والقرض لسنة 2003 وهي كل عمل لقاء عوض يضع بموجبه شخص مبلغ مالي تحت تصرف طرف آخر. وقد حصر النظام20-02 هذه العمليات في ستة أنواع وهي: المرابحة المشاركة المضاربة الإجارة السلم والاستصناع في نص المادة الرابعة منه - وضع مختلف وسائل الدفع تحت تصرف الجمهور وفي هذه النقطة ورغم أن النظام لم يتكلم عنها صراحة إلا أنها لن تختلف عن وسائل الدفع الأخرى الموجودة في البنوك التقليدية. صيغ التمويل المسموح تقديمها وفق النظام رقم20-02 المرابحة: اتفاق بين البائع والمشتري على أن يبيع الأول إلى الثاني شيئا ما مقابل ثمن متفق عليه حيث يكون ثمن الشراء معلوما ويتم إضافة هامش ربح إليه. تمارس أغلب البنوك الإسلامية ما يسمى بالمرابحة المركبة أو للآمر بالشراء وهي صورة مستحدثة للمرابحة تقوم على أساس دخول طرف ثالث ما بين البائع والمشتري وهو في هذه الحالة المصرف الإسلامي حيث يشتري السلعة المطلوبة لصالحه ثم يعيد بيعها لطالبها مقابل ثمن أكبر من الثمن الأول قد يكون معجل أو مؤجل حسب ما تم الاتفاق عليه. المشاركة: اتفاق ما بين طرفين أو أكثر على المساهمة في رأسمال مؤسسة أو مشروع أو عمليات تجارية بنسبة معينة توزع الأرباح بنسبة متفق عليها أما الخسارة فتقتسم حسب نسب رأس المال. المضاربة: مشاركة بين طرفين يملك أحدهما المال ويملك الآخر العمل. يسلم الأول المال للثاني ليعمل به على أن يكون الربح مقسوما بينهما بنسبة متفق عليها أما الخسارة فتقع بالكامل على صاحب رأس المال ما لم يثبت تقصير أو تهاون من قبل العامل ويكفيه خسارة جهده ووقته. في البنك الإسلامي يعتبر المودع صاحب رأس المال بينما البنك الإسلامي هو المضارب الذي يتولى استخدام هذه الأموال في مختلف أوجه نشاطه على أن تكون للبنك نسبة من الربح أما الخسارة فيتحملها المودع. بيع السلم: وهو استثناء من البيع العادي حيث يتم الاتفاق ما بين طرفين على بيع سلعة محددة الأوصاف والكمية والسعر على أن يتم دفع الثمن حالا بينما تسليم السلعة يكون في فترة زمنية لاحقة محددة. يستعمل عادة السلم لتمويل القطاع الزراعي بوسائل الإنتاج مقابل كمية معينة من المحصول كما يستخدم لتمويل رأس المال العامل في النشاط الصناعي أو شراء المعدات والآلات اللازمة مقابل كمية معينة من المنتج. الإستصناع: هو عقد يشترى به في الحال شيء مما يصنع صنعا يلزم البائع بتقديمه مصنوعا بمواد من عنده وبأوصاف مخصوصة وبثمن محدد. ويمارس من قبل البنوك الإسلامية بعدة طرق أهمها: - قد يكون البنك الإسلامي مستصنعا من خلال توفيره التمويل اللازم للصناعيين - الاستصناع الموازي: أي يكون صانعا ومستصنعا في آن واحد حيث يقوم بإبرام عقد استصناع بصفته صانعا مع عميل يريد منتج صناعي ما ثم يتعاقد مع طرف آخر لصنعها بنفس المواصفات المطلوبة مع أخد البنك لهامش ربح نضير الأتعاب والتكاليف المتحملة. الإجارة: هي عقد على منفعة معلومة مباحة من عين معلومة أو موصوفة في الذمة أو على عمل معلوم بعوض معلوم لمدة زمنية معلومة تمارسها البنوك الإسلامية في الوقت الحاضر على شكلين هما: - الإجارة التشغيلية: يقوم البنك بامتلاك أصول معينة يأجرها للغير لمدة زمنية مقابل أقساط نقدية ويسترد البنك الأصل في نهاية المدة المتفق عليها ليعيد تأجيرها للغير أو بيعها - الإجارة المنتهية بالتمليك: يقوم البنك الإسلامي بتأجير أصل معين للغير لقاء أقساط على أن يقوم المستأجر بشراء الأصل في نهاية المدة الزمنية المتفق عليها. - صيغ تعبئة الموارد المالية وفق النظام رقم 20-02 عملية جمع الموارد في شبابيك الصيرفة الإسلامية تتم وفق الصيغ التالية: الودائع الجارية: تستقبل البنوك الإسلامية الودائع الجارية ولا تدفع عليها أي مقابل للعميل وتتعهد بإرجاعها عند الطلب وتستعملها في تمويل مختلف أنشطتها ولكن العميل لا يكون معني بنتائج هذا التوظيف سواء كان ربحا أو خسارة ورصيدها لا يمكن أن يكون مدينا الودائع الاستثمارية في البنوك الإسلامية: الودائع الاستثمارية هي الهدف الأساسي لأي بنك إسلامي بحيث أن طول أجلها يتيح له الوقت الكافي لتوظيفها والوصول إلى النتائج سواء كانت ايجابية أو سلبية. ويهدف ملاكها إلى تحقيق الربح وتنمية أموالهم بالدرجة الأولى. وفي مقابل ذلك يتحملون المخاطرة التي قد تنجم عن الاستثمار بالشكل الذي يجعل البنك الإسلامي غير ضامن لها في حالة الخسارة. وهي على عدة أنواع أهمها حسابات الاستثمار العام. وهي تلك الودائع التي يستقبلها البنك الإسلامي من أصحابها دون قيد أو شرط فيما يخص توظيفها ومجال النشاط الذي سيتم استثمارها فيه أو المدة الزمنية المستغرقة. وهذه الودائع تخضع لما يسمى بعقد المضاربة المطلق. وتشارك هذه الأموال في النتيجة الكلية للبنك سواء كانت ربح أو خسارة دون ربطها بمشروع معين أغلب شبابيك الصيرفة الإسلامية في الجزائر تتراوح فيها مدة هذه الودائع ما بين 6 و60 شهر قابلة للتجديد. واقع شبابيك الصيرفة الإسلامية في الجزائر بعد قرابة السنتين من إصدار النظام 20-02 وحتى بداية سنة 2022 تحصلت 09 بنوك تقليدية على تر خيص من المجلس الإسلامي الأعلى لتقديم عروض وخدمات مطابقة للشريعة الإسلامية. ستة بنوك عمومية بدأت فعليا في تسويق الخدمات المصرفية الإسلامية وهي البنك الوطني الجزائري (BNA) والذي كان سباقاً لإطلاق الصيرفة الإسلامية في الجزائر القرض الشعبي الجزائري(CPA) الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط CNEP بنك بنك الفلاحة والتنمية الريفية BADR بنك الجزائر الخارجي(BEA) وأخيرا بنك التنمية المحلية(BDL) من خلال نافذته البديل. وثلاثة بنوك خاصة وهي بنك الخليج AGB)) بنك الإسكان(Housing Bank) والمؤسسة المصرفية العربية(ABC) من خلال نافذة البراق. أما عن طبيعة المنتجات المقدمة من قبل شبابيك الصيرفة الإسلامية في الجزائر فهي متنوعة ما بين أدوات لتعبئة الموارد حيث تتمثل في الحسابات الجارية والحسابات الاستثمارية أما منتجات التوظيف فتتمثل خاصة في صيغة التمويل بالمرابحة والإجارة. فيما يتعلق بحجم نشاط هذه الشبابيك رغم غياب بيانات رسمية دقيقة فقد أشارت بعض المصادر إلى أنها حققت نجاحا ملموسا من خلال التمكن من تعميمها على مستوى نصف البنوك والمؤسسات المصرفية الناشطة في الجزائر وأيضا نجاح عملية تعبئة الادخار بمستويات مقبولة والتي حققت إلى غاية شهر ماي 2021 ادخار 8 مليار دج على مستوى 12 ألف حساب ووفقا لمصدر آخر فقد وصل حجم الادخار في سبتمبر 2021 إلى 10 مليار دج وأكثر من 15 ألف حساب. وفي الوقت الحالي تعكف هذه الشبابيك على توفير التمويل الإسلامي أي توظيف الأموال المجمعة مع التركيز على قطاعات معينة كالسيارات والتجهيزات وقطاع السكن. فرص وتحديات شبابيك الصيرفة الإسلامية في الجزائر رغم الفرص العديدة التي تتمتع بها شبابيك الصيرفة الإسلامية في الجزائر خاصة ما تعلق منها بتوفر قاعدة عريضة من العملاء المحتملين واستفادتها من الانتشار الواسع لفروع البنوك التقليدية خاصة منها العامة عبر ربوع الجزائر إلا أنها تواجه صعوبات وعوائق أهمها قلة اليد العاملة الخبيرة بالعمل المصرفي الإسلامي ضعف الوعي بخصائص العمل المصرفي الإسلامي لدى الزبون بالشكل الذي يخلق ضغوطا على عمل هذه الشبابيك كما أن منتجات المصرفية الإسلامية عادة ما تكون أسعارها مرتفعة مقارنة بالبنوك التقليدية وذلك لاختلاف آليات عملهما والمبادئ التي تتحكم في كل منهما وهو ما يضع هذه الشبابيك أمام ضغط الزبون ويعرضها للانتقاد وتسويتها بالبنوك التقليدية أما أكبر عائق سيواجه شبابيك الصيرفة الإسلامية في الجزائر مستقبلا هو كيفية الموائمة ما بين مواردها التي عادة ما تكون قصيرة الأجل واستخداماتها التي تكون من متوسطة إلى طويلة الأجل خاصة إذا ما توسعت في التمويل العقاري. كما تشكل المخاطر الائتمانية واحتمال ارتفاع نسبة التعثر في تسديد التمويلات الإسلامية إشكالا حقيقيا خاصة وأن أغلب الشبابيك يركز على صيغة المرابحة. وهذه الشبابيك مطالبة ببذل جهود كبيرة خاصة في مجال الترويج لمنتجاتها وكسب ثقة الزبون الجزائري وذلك بالتركيز على: - إثراء مواقعها الالكترونية بمعلومات عن نشاط الشباك وأهم منتجاته مع شرح وافي لآلية عمل كل منها وإنشاء روابط يمكن للزبائن من خلالها محاكاة أساليب التمويل حتى يكون لديهم فكرة مقربة عنها من الناحية التقنية والشرعية كما يمكن الاعتماد على مختلف وسائط التواصل الاجتماعي - رعاية الحصص التلفزيونية وقيادة حملات ترويجية لعمليات فتح فروع جديدة - عقد ندوات ولقاءات صحفية للتعريف بالشباك والصيرفة الإسلامية والمشاركة في مختلف الفعاليات داخل الجامعات وخارجها والمشاركة في الصالونات والمعارض للتعريف بمنتجاتها - عقد اتفاقيات مع بعض القطاعات في الجزائر والتي تسمح لعمالها بالاستفادة من منتجاتها - الإفصاح والشفافية لزيادة الثقة فيها - الاهتمام بتدريب موظفيها من الناحية الشرعية والفنية للتحكم في خصائص العمل المصرفي الإسلامي. آفاق شبابيك الصيرفة الإسلامية في الجزائر في النهاية لا يمكننا الحكم على مدى نجاح تجربة شبابيك الصيرفة الإسلامية في هذه المدة القصيرة حيث ما زالت أغلبها في مرحلة الانطلاق إلا أنه يمكننا القول أنها تجربة تستحق التشجيع والدعم خاصة من قبل الهيئة الشرعية الوطنية للإفتاء للصناعة المالية الإسلامية والمجلس الإسلامي الأعلى فهما مطالبان بضرورة الحرص على مراقبة مدى التزام هذه الشبابيك بتعاليم الشريعة الإسلامية ومرافقتها حتى الوصول إلى مرحلة النضج في أعمالها والحكومة مطالبة بعدم الاكتفاء بالترخيص للشبابيك فقط بل بفتح الباب أمام باقي فروع المالية الإسلامية كالتأمين التكافلي وإصدار الصكوك وتعديل قانون النقد والقرض ليتلاءم مع طبيعة عمل الصيرفة الإسلامية حتى يمكنها المساهمة بفعالية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.