عبقرية في التخطيط وليس ازدواجية سياسة هكذا تسمو الجزائر على منتقديها.. بقلم: الدكتورة سميرة بيطام* منذ اعلان الجزائر دخولها مرحلة جديدة من عمر بناء الدولة المتينة التي قرر شعبها في حراك سلمي أن تتغير معطيات البناء السياسي شهدت الساحة السياسية ملامح لمن قابل هذه الرغبة والطموح المشروع بالاستحسان فتابعه عن كثب والأغلبية تابعته بنوع من القلق والانزعاج لفكرة بناء دولة بمعطيات جديدة مجملها تنصهر في بوتقة الشفافية ومحاربة الفساد وتنظيف الإدارة الجزائرية بما يسمى بقايا العصابة..لا تهم المواقف من هذا التحول لأنه شأن داخلي. صراحة..تستحق هذه الجزائر ان تمضي قدما بعزيمة رجالها لأن تخوض معركة البناء وهذا حق شرعي يضفيه القانون الدولي شرعية مستحقة بما أن هذا التغيير لا يتضمن انتهاك لحقوق الإنسان ولا تطاولا على الدول الأخرى ولا استغلال لفرصة الحرب الحالية بين روسيا وأوكرانيا لشن حرب على من يعتقد البعض أن هناك دين تاريخي يجب سداده في ظل التوتر العالمي على العكس من ذلك اعتمدت الجزائر بفضل حكمة قادتها على تسيير أزمة كامنة في قلب كل مواطن جزائري حمل هم التغيير بكثير من الانتظار لما ستفرزه المرحلة القادمة لما بعد بوتفليقة رحمه الله.. فعلى خلفيات عديدة كانت الجزائر تتقدم خطوات في هدوء منها الرفض لتعيين صبري بوقادوم مبعوثا في ليبيا تعالت أصوات أخرى تحلل وتناقش على طابوهات بعض الاعلام وليس كله والذي يتصيد الثغرة والزلة في الجزائر ليدير حوارات عن قضايا دول الجوار وقد تمت تغطية اجتماع ماكرون في سنة 2021 مع رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد دبيبة بباريس من أجل اخراج القوات الأجنبية و المرتزقة من البلد الذي يعاني صراعات لسنوات وترجم ظاهريا أنه مساندة لليبيا للخروج من أزمتها يعني نشاط بعض الدول كان يُنظر اليه أنه داعم للسلام ونشاط الجزائر تُقرأ له قراءات أنه تدخل في الشأن الليبي خاصة مع توطيد علاقاتها مؤخرا مع إيطاليا المستعمر القديم لليبيا.. *مواقف الجزائر الثابتة اعلام آخر يبحث عن رد فعل الديبلوماسية الجزائر إزاء نزاعات دول الجوار مثل قناة فرانس 24 والجزائر تتابع ذلك في صمت لأنها تلتزم يالحياد وعدم الاندفاع لأي قضية تثار بشأن مواقفها دول ربما لم تحفظ بعد مواقف الجزائر الثابتة في السلم والنزاعات دول تبحث لها عن شماعة يكون ضوئها كاشفا عما يشفي غليلها من المسار الجديد والصحيح الذي انتهجته الجزائر هذه الجزائر التي صار يحسب لها ألف حساب رغم محدودية مردوديتها ظاهريا في التفوق العلمي والاقتصادي لكن ليس هذا ما يهم الدول الأخرى خاصة فرنسا التي تتوسط العصا من المنتصف فلا هي تريد أن تستمر في ظهورها بمظهر المستعمر القديم الجديد ولا هي تريد أن يتراجع دورها افريقيا لأنها دائما تنظر لنفسها أن افريقيا مستعمرة لها وعليها ان تحافظ على حصتها من الثروات الامدادات التي تبقيها على قيد الحياة.. صار ينظر للجزائر اليوم على أنها تتدخل في شؤون الغير لأن هذه الجزائر تتحرك وتبحث لها عن نهوض يضمن لها مستقبل لائقا للأجيال وهذا من حقها ولا يمكن التحدث عن تدخل الجزائر في قضايا الغير بلا أدلة. تذكر الصحفية التونسية آسيا العتروس في تدخل لها على قناة فرانس 24 في برنامج النقاش المغاربي أن هناك دعما في السلاح من دول أخرى لليبيا وأن هناك تحركات ربما كان يُنظر اليها أنها نعمة و لكنها تتحول الى نقمة لأن اللاعب الأساسي ليس الطرف الليبي فمن يجيد اللعبة يعرف جيدا أين تكمن المصالح أما الأستاذ الجزائر إسماعيل دبش أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية فهو يرى أن من مصلحة الدول أن تبقى ليبيا على هذا الوضع من الصراع فكل ما يكون هناك مبادرة لأي حل سياسي يتم توقيفه لأن الصراع القائم الآن هو من يستفيد من ليبيا أكثر و ليس من يجد لها الحل والجزائر ليس لها مطامع في ليبيا سوى أن تحفظ حدودها وتضمن أمنها القومي من هذه التوترات خاصة ان لها تجربة سابقة في حادثة تيقنتورين ومن حقها أن لا يتكرر ذلك في مرحلة قلما يقال عنها أنها ماضية في مسار التغيير وترى في سلامة حدودها من سلامة تماسك جبهتها الداخلية التي هي أساس هذا البناء الذي تطمح له منذ الحراك الشعبي. *عبقرية في التخطيط المتزن ما نسمعه اليوم أن الجزائر تنتهج ازدواجية في سياستها مع دول الجوار لا يقوم على دليل ولا يقوم على مشروعية كلام اذ يجب أن يعقل الكل أن كل شيء مرتبط بالشأن الليبي ذاته و سلوك الجزائر مع مصالحها الأمنية يترجم عبقرية في التخطيط المتزن والهادىء أن لا أحد يشوش عليها على الحدود من أي دولة كانت..هذا حق سعت له تركيا وغيره ممن جرب محاربة الإرهاب و عرف جيدا ما معنى التوترات على الحدود. صحيح أن ليبيا تكن احتراما للجزائر وهو متبادل تبقى مداخلات بعض الليبيين وتحليلاتهم لمجريات الأمور اليوم هو نفسه تحليلات بعض الجزائريين من خلف البحار والذين يخدمون أجندات أجنبية لزرع الشك لكن ما يمكن التعليق عنه أن الموقف الجزائري من الأزمة الليبية هو انتهاج الحل السياسي في الانتخاب وربما هذا يترجم انعدام الرؤية لتنظيمها لكن المشكل ليس في الميعاد بل المشكل في الإرادة الدولية في ضرورة الحل لهذه الأزمة. تبقى مواقف الجزائر ثابتة ولا تتغير وما تراه بعض الدول من مقاربات لبعض الشركاء من أجل البناء الاقتصادي فهذا لا يعني أن يؤول تأويلا آخر فالمقاربة الديبلوماسية تعقبها مقاربات أخرى خاصة الاقتصادية وليس ميل شرقي بالمعنى الذي يترجم أن الجزائر تنتهج ازدواجية في السياسة. فهذا ليس صحيح فالجزائر تنتهج مبدأ التنوع في تعاملاتها معتمدة في ذلك على فكرة التوافق وليس هدفها تحقيق مصالح كما يزعم البعض وكما يروجه بعض الاعلام. ونجد العلاقات الجزائرية الأوروبية أقوى العلاقات من الجانب الاقتصادي والسياسي ومن يرى غير ذلك فأكيد أنه يرفض المواقف الصريحة للجزائر بشأن النزاعات في دول الجوار. وأي تشنج حدث مع اسبانيا أو فرنسا فهذا يترجم ان الجزائر ماضية في ضمان السياسة الإقليمية بما يكفل لها استقرار اقتصادي في مؤسساتها. فمن منطلق التحولات المتسارعة في العالم فهذا يدفع بالجزائر أن تكون دولة بديلة للطاقة ولذلك هي تسعى حاليا لأن يكون لها مقعد في مجلس الأمن الدولي وما المانع في ذلك ان كان تاريخها حافل بالمواقف المساندة لقضايا الشعوب العادلة مثل القضية الفلسطينية وقضية الصحراء ثم الجزائر تملك إمكانيات لتكون قوة اقتصادية خاصة أنها استفادت من تجارب الماضي مثل محاربتها للإرهاب لعشرية سوداء يجعلها تتجاوز انتقاد منتقديها بنوع من السمو دون الخوض في جدال أو صراعات تفضل الجزائر اليوم أن تبقي أبوابها مغلقة لأن هذا الجدال لن يقدم لها من الفائدة شيء..وفي رصيدها تجارب تغنيها عن خوضها مرة أخرى لأن هذا من شأنه توقيف عجلة التغيير أو تعطيله. ففي كل الأحوال الجزائر ماضية في مسارها معتمدة على خبرة قادتها كونها حاربت الإرهاب لوحدها ما يخولها لأن تتقدم نحو الأمام بخطى من عزيمة دون الالتفات لمنتقديها فلا الوقت يسمح لهاب الرد و لا التحولات العالمية تتطلب التوقف للانصات لما يقوله النقاد..الزمن في تسارع وأهم شيء تحارب من أجله الدول الآن هو ضمان الأمن بأنواعه صحي وغذائي ومائي وكذا الاستقرار على حدودها وتماسك جبهتها الداخلية لأن عملية البناء تتطلب هذه الضمانات.