قد يكون مفهوم الأم البديلة وتأجير الأرحام مفهومين قديمين نسبياً في الكثير من الدول الغربية وحتى بعض الدول العربية، ولم يعودا يثيران أية استغرابات أو استفهامات تذكر سواء بالنسبة لعامة الناس أو للمهتمين بمثل هذه الأخبار من وسائل الإعلام والمؤسسات الصحية وغيرها كونها تطبق ولكن بشروط قانونية واضحة، ولكنه في الجزائر يصبح حديثا ذا أبعاد كثيرة، حتى وإن لم يكن مجسدا في واقع الأمر بصورة حقيقية، وإن كان مختلفاً عما هو شائع لدى غيرنا في البلدان الأخرى خاصة البلدان الغربية، ولكنه موجود في صورة أخرى، وينطلق من أسس اجتماعية وإنسانية بالدرجة الأولى، وليس بحثا عن مصادر أخرى للدخل، كما هو الحال في بقية دول العالم وخاصة في الدول الفقيرة التي صارت فيها الأم البديلة أو تأجير الأرحام مهنة كغيرها من المهن الأخرى، وهو ما يحدث على سبيل المثال في الهند. وإن كان الأمر في الجزائر محصورا في الوسط العائلي أو بين الأقارب فقط لا غير، ولم يتحول بعد إلى الصورة العلنية والواسعة التي هو عليها في بقية الدول الأخرى، فإن بعض الحالات هنا وهناك تستدعي الوقوف عندها فعلا، خصوصا في ظل الاختلافات الكبيرة والجذرية بين ما يحدث لدينا وما يحدث في أوروبا أو أمريكا مثلا، فمسألة وجود أمهات بديلات في الجزائر يقمن فقط بدور الحاضنات لأطفال غيرهن، ما يزال أمرا مستبعدا نظرا للعديد من الضوابط الشرعية والقانونية والاجتماعية التي ترفض هذه المسائل بشدة، ولم نسمع لحد الساعة عن سيدة قامت باحتضان جنين ليس من صلبها ولا من صلب زوجها بل هو من صلب زوجين آخرين، وتقوم هي فقط باحتضانه في رحمها، نظرا لصعوبة حدوث الحمل عند الزوجين الآخرين، مهما كانت الأسباب، لكن بعض الحالات استطاعت الوصول إلى نفس النتيجة وهي إنجاب طفل لزوجين غير قادرين على تحقيق أمنيتهما بالحمل، ولكن بطرق أخرى شرعية وقانونية وإنسانية بالدرجة الأولى، بل وقد تكون منتهى الإنسانية، من خلال إنجاب أطفال ومنحهم لأسر أخرى، هي في غالب الأحوال من الأهل أو من أقرب المقربين، فيولد الطفل لأبيه وأمه، ويترعرع بينهما، ولكن تربيته ونشأته تكون في أسرة أخرى، حتى ولو كانت هذه الأسرة تشترك معه في نفس الاسم والدم وروابط القرابة. ومن بين هذه الحالات، حالة سيدة اقترحت على قريبتها التي لم يرزقها الله بأطفال رغم مرور سنوات كثيرة من زواجها، أن تحمل لها طفلا، وأن تمنحه لها لتربيه، وكأنه ابنها، وطبعا لشدة رغبة هذه الأخيرة بطفل فإنها لم تستطع الرفض، وقد بدأت الاثنتان بالفعل في لعب دور الأم، حيث تعد الأولى شهور حملها، ووضعها، وتحضر الثانية بقية المستلزمات الأخرى الخاصة بغرفة الطفل ملابسه والتدرب على طريقة تربيته، وتنتظر الاثنتان قدومه بشغف بالغ، ونفس الأمر حدث مع عائلة أخرى كانت فيها الأم غير قادرة على الإنجاب، ولكن شقيقها أنجب طفلا ومنحه لشقيقته كي تربيه وكأنه ابنها فعلا، وكثيرا ما تحدث مثل هذه الحالات، حيث تروي إحدى السيدات قصة فتاة تزوجت حديثا وكان حفل عرسها كبيراً، وكانت الفتاة قد تربت في بيت خالتها وزوجها بعد أن منحتها والدتها الحقيقية أو البيولوجية لخالتها، ولم يحدث أبداً أي اختلاف بين الطرفين، كما أن الفتاة بدت سعيدة، فهي من الأطفال القليلين الذين بإمكانهم الحصول على أمين وأبوين، والنهل من منابع الحنان تلك كلها. ويبقى الأمر الوحيد الذي يمكنه أن يثير التساؤل فعلا هو طبيعة إحساس الأم التي تحمل طفلها تسعة أشهر كاملة، وتعاني ما تعانيه في سبيل الحفاظ عليه وبعدها ولادته، لتمنحه في الأخير لامرأة أخرى وإن كانت من أقرب المقربات إليها، وتعلم جيدا أن ابنها سيبقى إلى جانبها دائما، وسيتربى أمام أعينها أيضا، وهو الأمر الذي قد لا تتمكن منه الكثيرات. ومع ذلك يقول بعض الخبراء النفسيين إن رد فعل المرأة وتفاعلها يتفاوت تبعاً لتكوينها النفسي، فهناك نساء لا يكترثن بالموضوع لأنهن يبررن هذا العمل بكونه عملاً إنسانياً وعلاجياً تقوم به لإشباع غريزة الأمومة لدى امرأة أخرى، في حين هناك _ وهو أمر طبيعي جدا بالنسبة لأي أم- من يكون بداخلها نوعٌ من التردد، وبالتالي بعد أشهر من الحمل والرعاية والمتاعب والعناية تشعر بصعوبة في الانفصال عن هذا الجنين، ولهذا تواجه الكثير من المشكلات النفسية وتواجه معاناة حقيقية بعدها، حتى وإن لم يكن طفلها سينفصل عنها بصورة نهائية. يبقى الموضوع في النهاية محصورا مثلما قلنا في الوسط العائلي بالدرجة الأولى، ولا يمكن الحديث عن دخول ظاهرة الأمهات البديلات أو تأجير الأرحام في الجزائر، كونه لا زال من الطابوهات الاجتماعية التي يصعب الحديث عنها دون شك.