تعاظمت مخاطر الإرهاب بشكل ملفت خلال العقود الثلاثة الأخيرة، فبعدما كانت العمليات الإرهابية تتم وفق أساليب تقليدية وتخلّف ضحايا وخسائر محدودة في الفئات والمنشآت المستهدفة، أصبحت الآن تتم بطرق بالغة الدقة والتطور، مستفيدة من التكنولوجيا الحديثة، وأضحت تخلف خسائر جسيمة تكاد تعادل خسائر الحروب النظامية، سواء في الأرواح أو الممتلكات والمنشآت، فحتى وقت قريب كانت العمليات الإرهابية عادة ما تستهدف اختطاف الطائرات المدنية أو اختطاف الأفراد وأخذ الرهائن واحتجازهم ''شخصيات بارزة، ديبلوماسيين وحتى أفراد عاديين'' وكذا إلقاء القنابل وزرع المتفجرات التي لا تحتاج لمهارات . لكن مخاطرها الآن تصاعدت تبعا لتطور الوسائل المستخدمة والفئات والمنشآت المستهدفة، فقد أصبحت الجماعات الإرهابية تستغل كل ما من شأنه أن يمكنها من تنفيذ عملياتها ولو على حساب الأبرياء. تعدد مفاهيم وتعاريف ظاهرة الإرهاب منذ بداية القرن الماضي وموضوع الإرهاب كظاهرة عنيفة يحظى باهتمام المفكرين والفقهاء ورجال السياسة، ويشكل محورا أساسيا لعدة لقاءات ومؤتمرات دولية (مؤتمر بروكسيل لسنة 1926 وكوبنهاجن لسنة 1936). غير أن مجمل المحاولات التي تمت في هذا الصدد من أجل صياغة مفهوم محدد ودقيق للظاهرة، انتهت بالفشل نسبيا، فالإرهاب كلمة قديمة، وفي المعجم الوسيط يعرف على انه وصف يطلق على الذين يسلكون سبل العنف لتحقيق أهدافهم السياسية، ومنه ما يقوم به بعض الأفراد والجماعات والدول بالقتل وإلقاء المتفجرات والتخريب. كما يعرف الارهاب على أنه : ''استخدام أو التهديد باستخدام العنف ضد أفراد ويعرض للخطر أرواحا بشرية بريئة أو يودي بها أو تهديد الحريات الأساسية للأفراد لأغراض سياسية بهدف التأثير على موقف أو سلوك مجموعة مستهدفة بغض النظر عن الضحايا المباشرين'' ، أما على صعيد المؤتمرات العالمية وجهود المنظمات الإقليمية والدولية، نجد أن المؤتمر الدولي الذي عقدته عصبة الأمم في 1937 والذي تمخضت عنه اتفاقية دولية لقمع ومنع الإرهاب، اعتبر الإرهاب هو تلك الأعمال الإجرامية الموجهة ضد دولة ويكون هدفها أو من شأنها إثارة الفزع والرعب لدى شخصيات معينة أو لدى جماعات من الناس أو لدى الجمهور، أما الميثاق الأوربي لقمع الإرهاب لسنة 1977 فنص في مادته الأولى على نزع الصفة السياسية عن مجموعة من الجرائم التي اعتبرها بمثابة عمل إرهابي، وبخصوص منظمة الأممالمتحدة، فبعد أن قررت منذ 1979 إنشاء لجنة خاصة بالإرهاب توزعت عنها ثلاث لجان إحداها تكلفت بوضع تعريف للإرهاب الدولي، عجزت هذه الأخيرة في مهمتها بعد سنوات وذلك بفعل تباين المواقف بين الدول، وخاصة بين تلك التي تميز بين الإرهاب الفردي وإرهاب الدولة، وبين الإرهاب والنضال الشرعي ضد المحتل . ولكن قيام جماعات متطرفة بعمليات إرهابية ضد كثير من الأهداف والمجتمعات خلال سنوات التسعينيات جاء ليفرض ضغوطاً على المجتمع الدولي بهدف إعادة تعريف الإرهاب الدولي، فجاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام رقم 6049 لعام 1994 ليعيد محاولة الاقتراب من تعريف الإرهاب فذكر أنه الأعمال والطرق والممارسات التي تشكل مخالفة صارخة لأغراض ومبادئ الأممالمتحدة التي قد تشكل تهديداً للسلام العالمي والأمن وتهدد علاقات الصداقة بين الدول وتعيق التعاون الدولي وتهدف إلى تدمير حقوق الإنسان والحريات الأساسية والأسس الديمقراطية للمجتمع. ومن خلال ما سبق يمكن القول أن الإرهاب هو استعمال منظم للعنف بشتى مظاهره المادية والمعنوية بشكل يثير الرعب والخوف ويخلف خسائر جسيمة في الفئات والمنشآت والآليات المستهدفة بغية تحقيق أهداف سياسية أو شخصية بالشكل الذي يتنافى وقواعد القانون الداخلي والدولي، ولكن التساؤل الجوهري المطروح هو : لماذا تعددت التعاريف والمفاهيم الخاصة بالارهاب وليس هناك تعريف دولي واحد دقيق ومضبوط ؟ أمريكا تقف بالمرصاد لكل محاولات إيجاد تعريف دقيق ومضبوط تبدو معضلة الإرهاب الذي ابتلي به العالم مستعصية على الحل في ضوء عدم الاتفاق على مفهوم محدد له تقبله الأطراف المختلفة ، فاكتفت جميع محاولات تعريف الإرهاب حتى وقتنا هذا بملامسة جوانبه وتبعاته الإنسانية دون الاقتراب من تعريق دقيق ومضبوط ، وجاء انقسام العالم حول كيفية مواجهة الإرهاب ليلقي بظلال داكنة على كل المحاولات الجادة لإيجاد معالجة جماعية دولية له، فنما الإرهاب واشتد عوده . ولكن لم يكن غريباً أن ينقسم العالم حول مفهوم وتعريف الإرهاب، فقد شهد القرن العشرون مساندة القوى الدولية لمنظمات إرهابية في إطار صراعات مريرة طويلة كان أبرزها على الإطلاق الحرب الباردة، وتمحور الإنقسام الدولي حول ماهية ووسائل وأهداف الإرهاب، فقد بررت القوى الدولية بعضاً من أنواع الإرهاب، مثل ذلك الذي مارسته منظمة إرجون الصهيونية ضد الفلسطينيين قبل تأسيس دولة إسرائيل، في حين رفضت تلك القوى إرهاباً طال مصالحها وأهدافها مثل الإرهاب الذي عانت منه أسبانيا على أيدي منظمة ''إيتا'' الباسكية الإنفصالية والإرهاب الذي عانت منه بريطانيا على أيدي منظمة الجيش الجمهوري الأيرلندي، و حتى سنوات قليلة مضت لم يكن العالم يعترف بالإرهاب كقضية عالمية وإنما اعتبره قضية محلية تتعلق بالمجتمعات التي عانت منه، كما اعتبر المجتمع الدولي على سبيل المثال العمليات التي تقوم بها المنظمات الفلسطينية ومنها حركة حماس ضد إسرائيل إرهاباً يجب إدانته، في الوقت الذي اعتبر فيه العرب هذه العمليات نوعاً من أنواع المقاومة ضد قوات الإحتلال الإسرائيلي.، ولم يقف الأمر عند الاختلاف في تفسير المقاومة الوطنية، بل امتد ليشمل العنف الديني، حيث غض المجتمع الدولي أنظاره عن الإرهاب الذي شهدته الجزائر ومصر في حقبة التسعينات، فآوت دول مختلفة الكثير من الإرهابيين بدعوى حقوق الإنسان، ولم يتغير موقف المجتمع الدولي هذا إلا بعد اكتوائه بنار الإرهاب. ويجمع الخبراء أن أمريكا تقف كحجر عثرة في وجه كل المحاولات الرامية الى إيجاد تعريف دقيق للارهاب ، لانه يتناقض مع مصالحها لان الواقع يكشف ان أمريكا أعظم دولة في العالم تمارس الإرهاب الدولي لتحقيق مآرب سياسية وسيطرة دولية، وبث الرعب والفوضى في العالم. يشار أيضا إلى أن أمريكا أدخلت العالم في تحديات كبرى وحروب وأزمات لا يمكن التنبؤ بنتائجها . كما أن الادارة الامريكية خاصة في عهد الرئيس السابق جورج بوش عظمت استخدام القوة العسكرية وقدمتها على مختلف الأدوات الأخرى في تنفيذ السياسة الخارجية الأمريكية وهذا ما حصل في أفغانستان و العراق، ويرى بعض القانونيون ايضا ان مخاوف أمريكا من تحديد تعريف للارهاب يعود أيضا الى انها دولة قامت على الارهاب فالمراقب للتاريخ الأمريكي تصدمه وقائع الطريقة التي تعامل بها الأمريكيون مع شعوب العالم،. والسبب هو أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تشكلت بعد اكتشافها من عناصر انكلوسكسونية كان الغالب عليها العرق البريطاني الأبيض الذي يشمل الإنجليز واليهود الغربيين، ورافقت حملات الإرهاب والإبادة ضد الهنود الحمر حملات الإسترقاق من أفريقيا، والتي كان أهم تجارها من البروتستانت واليهود، وجميع الوثائق التاريخية تشير إلى ذلك دون مواربة. وفي الحرب العالمية الثانية قتلت 100 ألف شخصاً في عمليات جحيم مستعر شمل طوكيو و46 مدينة يابانية أخرى، وكانت نتائجها أفظع من نتائج استخدام الأسلحة النووية، وقبل أن تستخدم أسلحتها النووية فوق مدينتي هيروشيما وناجازاكي، التي حصدت بسببها عشرات الآلاف من الأرواح ، مع أن الكثير من الباحثين أثبت أن اليابان كانت قد وافقت على شروط الاستسلام، قبل استخدام أمريكا للأسلحة النووية ضد الشعب الياباني، وأكدت مجلة نيويورك تايمز في مقالة نشرت في 1997108 إن العدد الحقيقي للضحايا الفيتناميين بلغ 6,3 مليون قتيل، وفي بعض التقارير تم إثبات أنه بين عامي 1952-,1973 قتل الأمريكيون زهاء عشرة ملايين صينيي وكوري وفيتنامي وروسي وكمبوديا، وفي غواتيمالا قتل الجيش الأمريكي أكثر من 150 ألف مزارع في الفترة ما بين 1966 و,1986 وارتكب الأمريكان المجازر البشعة في أفغانستان و العراق، وقد سئل كولن باول حينذاك والذي كان رئيساً لأركان الجيش الأمريكي عن عدد القتلى العراقيين فقال: ''لست مهتماً به إطلاقاً'' ، رغم ان عدد القتلى أنذاك تجاوز 200 ألف لهذه الاسباب وغيرها ترفض أمريكا وضع تعريف محدد للارهاب لانها أول من يمارسه بامتياز. أحداث 11 سبتمبر.. وبداية الهجوم على الإسلام لقد شكلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 منعطفاً حاسماً في النظام الدولي سواء من حيث أسسه أو توجهاته أو مستقبله حين برزت مصطلحات ومبادئ جديدة أثرت على مسيرة العلاقات الدولية، وفي حين أصبح الإرهاب وطرق مكافحته في أعلى أجندة معظم اجتماعات ومحافل المنظمات الاقليمية والدولية، وقد برز بعد هذه الأحداث مبدأ بوش الذي يؤكد على أحقية الولاياتالمتحدة في الحرب الاستباقية،وبسبب جنسية وأصول منفذي احداث 11 سبتمبر حسب ما كشفت عنه التحقيقات الامريكية فقد أصبح العالم العربي والاسلامي محل اتهام . ورغم ما تروجه أمريكا ومنظروها (الأمريكان وغيرهم ) من ان التناقض الرئيسي بين الغرب المتحضر المتقدم وبين الشرق العربي الإسلامي الرجعي المتخلف - حسب زعمهم - هو ما اطلقوا عليه اسم صراع الحضارات، مما جعل الكثيرين يعتقدون ان هذا الصراع في احد اهم جوانبه هو صراع ديني، وان امريكا انما تشن على العرب والمسلمين حربا صليبية جديدة، وكان من نتائجها ان شنت امريكا على العرب والمسلمين حربين عدوانيين كبيرين واحتلت بلدين هما افغانستان والعراق . احداث 11 سبتمبر أحدثت مجموعة من المفاهيم الخاطئة حول الدين الاسلامي مثل أنه يدعو إلى التطرف ونبذ الاخر، وقتل اهل الكتاب وغيرها من تلك المفاهيم ، رغم ان رسالة الاسلام اعترفت بوجود شيئ اسمه التعايش مع اهل الكتاب سواء كانوا يهودا او مسيحيين بل اكثر من ذلك احل الاسلام الزواج من المحصنات من اهل الكتاب وهذا يعد دليلا اضافيا على ان الاسلام دين للتعايش وليس دينا للانغلاق ونبذ الآخر، وكرم الإنسان، وحث على المحافظة على سلامة الأمة وتماسكها وعلى النفس البشرية وعلى كيان المجتمع وحيويته، فالاسلام دين تناول كل مناحي الحياة وكفل حق الإنسان بها. وفي هذا السياق دعا الامين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي اكمال الدين إحسان أوغلو إلى وضع نهاية لما وصفه بجهود تحاول ربط الاسلام بالارهاب، وقال انه يجب محاربة تصوير المسلمين على انهم '' الاشرار'' في انحاء العالم، وقال اكمل الدين احسان اوغلو في اجتماع دعت اليه منظمة المؤتمر الاسلامي في الاممالمتحدة في جنيف ان هناك ''موجة متزايدة من التحريض على الكراهية الدينية والتمييز والتعصب ضد المسلمين.''.