في الوقت الذي أثارت فيه الأنباء عن سقوط العميل اللبناني المتهم بالتجسس لصالح إسرائيل لمدة 14 عاما والذي كان يشغل منصبا مرموقا في شركة »ألفا« للهاتف المحمول، ارتياحاً في الشارع اللبناني، لم يصدر أي موقف أو رد فعل من الحكومة اللبنانية أو من مجلس النواب إزاء قضية بهذا الحجم. وغداة اعتقال العميل »شربل ق«، تحولت وزارة الدفاع اللبنانية وتحديداً مديرية المخابرات إلى خلية نحل، حيث أشاد قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي بالإنجاز الذي حققته مديرية المخابرات، داعياً العسكريين إلى اليقظة والحذر من أجل منع العدو من تحقيق اختراقات في الجسم اللبناني وبالتالي تهديد الأمن الوطني. في هذه الأثناء، دعا النائب وليد جنبلاط، إلى التصدي لظاهرة العملاء المزروعين في لبنان. وقال لصحيفة »السفير« اللبنانية إن شبكات العملاء مزروعة أينما كان، والبلد مكشوف أمنياً، والخوف من أن تحصل عمليات اغتيالات جديدة تؤدي بالبلد إلى الكارثة«. وقال جنبلاط: »أضمّ صوتي إلى صوت الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، بالدعوة إلى تعليق المشانق للعملاء الموقوفين، الذين بلغ عددهم نحو 120 عميل، بينهم 56 عميلاً قيد المحاكمة والبعض قيد التحقيق، فيما صدرت أحكام قضائية بحق آخرين أبرزهم العميل محمود رافع الذي صدر حكم بإعدامه لمشاركته في جريمة اغتيال الأخوين مجذوب في صيدا«. وأكد النائب الدرزي أن تلك الشبكات تستدعي استنفاراً داخلياً شاملاً وعلى كل المستويات »وقد آن الأوان للضرب بيد من حديد وصولاً إلى إعدام العملاء، فخلال الحرب العالمية الثانية عانت بعض الدول الأوروبية ومنها فرنسا من العملاء، وبعد الحرب تم إعدام أكثر من عشرة آلاف عميل أو متعامل، بينما بعد تحرير الجنوب اللبناني في العام 2000 لم تحصل أي ضربة كف بحق العملاء، بل العكس تم إخضاعهم لمحاكمات وأحكام مهذبة«. وأضاف: »الآن وبعد التجربة التي عشناها، والعملاء الذين ينبتون، أعتقد أن الإعدام هو أفضل رادع«. وتابع: »إن الخروقات الإسرائيلية المتمادية للسيادة اللبنانية لم تتوقف كما الشبكات التجسسية والدخول الإسرائيلي إلى عمق النسيج اللبناني، وكل ذلك يتطلب اتخاذ إجراءات سريعة. وفي موازاة تلك المخاطر، تبقى المقاومة هي الاحتياط الاستراتيجي للدفاع عن لبنان، ولذلك يجب أن تتوقف نظريات الاستعجال والإلحاح في موضوع السلاح، فهذا أمر خطير يخدم شعار التحييد المرفوض«، مؤكدا أن »المقاومة هي سلاح احتياطي، ويجب أن يستفيد منها العرب والمسلمون لأننا ما زلنا في بداية الطريق«. اعترافات مثيرة في هذه الأثناء، اعترف عميل الموساد بقيامه بزرع برمجيات وشرائح الكترونية خاصة، زوّده بها الإسرائيليين، في محطات الإرسال العائدة للشركة المشغّلة »الفا«، بحيث تصبح إمكانية التلاعب في بيانات الاتصال لأي من الخطوط، أكثر سهولة بالنسبة إلى خبراء الاتصالات التابعين للمخابرات الإسرائيلية، إذ يمكن والحال هذه، لخبراء العدو القيام بتعديل أي من هذه البيانات لحظة قراءتها أو ورودها من المحطات، وفقاً للشروط التي يضعها المبرمج. وحسب الخبراء، يمكن بفضل حصول خبراء العدو على »مفاتيح الدخول« الخاصة بالبيانات السرية للخطوط الهاتفية المستخدمة، تنفيذ عمليات اتصالات وهمية، من أي خط موجود على الشبكة، وإظهار وجود اتصالات قام بها الرقم الأصلي، دون أن يكون حامل هذا الرقم قام بذلك فعلاً. وبيّنت معطيات التحقيقات الأولية أنّ »شربل« سبق له أن شغل مناصب مهمة منذ تأسيس شركة »الفا« عام 1994، وكان يتولى لحظة توقيفه مسؤولية في أحد الأقسام الفنية الأساسية التابعة للشركة ويدير فريقاً من المهندسين المتخصصين. وحسب خبراء في عالم الاتصالات، يُعدّ مجال عمل »شربل« من المجالات الهامة جداً للمخابرات الإسرائيلية على صعيد اختراق منظومة الهاتف الخلوي وإتاحة المجال أمامها للتلاعب، بالمعطيات الفنية في الشركة وخصوصاً القسم الذي يعمل فيه. وأشار الخبراء في حديثهم ل »السفير« إلى أن الجاسوس اللبناني استطاع من خلال موقعه كشف الشبكة الخلوية العائدة للشركة بالكامل أمام إسرائيل، وذلك من خلال المعطيات التي قدّمها حول كل تفصيل فنّي ذي صلة بالشبكة، وقيامه بتثبيت أجهزة ومعدات فنية على الشبكة، تتيح لمخابرات العدو الحصول على بيانات حركة الاتصالات، وتوفير القدرة لها لتنفيذ عمليات تنصت واسعة ومركّزة على كل الخطوط الهاتفية التابعة للشركة. كما مكن العميل اللبناني، مخابرات الاحتلال من تتبع ورصد الأشخاص والأهداف التي يعمل عليها، بالاعتماد على حركة الهاتف الخلوي. وقال الخبراء إن الإسرائيليين استفادوا من البيانات والسجلات الفنية للهاتف الخلوي، التي كان يتزوّدون بها، عبر عميلهم في شركة الاتصالات، وقيام هذا العميل بتحديث وتوفير هذه البيانات لمشغليه الإسرائيليين بشكل دوري، على مدى سنوات عمالته، وهو الأمر الذي مكن العدو من السيطرة على حركة الاتصالات في الشركة والتلاعب بها، بما يخدم أهدافه ومخططاته. وأضافوا إنّ أهم ما وفّره »عميل الاتصالات«، لمشغليه الإسرائيليين، هو »الكودات« والأرقام السرية الخاصة بتشغيل ومراقبة، وصيانة محطات وخلايا الاتصال المنتشرة في جميع المناطق اللبنانية، فضلاً عن نطاق إشراف وتغطية هذه المحطات، وكل ما يطرأ عليها من تحديث أو تعديل. ومن المتوقع أن تتركز التحقيقات اعتباراً من أمس الثلاثاء مع »شربل« حول ما إذا كان وحده يشكل شبكة أم أنه ينتمي إلى شبكة مترابطة تضم آخرين، أم ينتمي إلى شبكة عنقودية غير مترابطة.