-الواقع والمتطلبات- المنظومة الصحية الجزائرية ومسار التحول الجديد بقلم: الدكتورة سميرة بيطام* شهدت المنظومة الصحية الجزائرية بعد التحول السياسي السلس والهادئ ضمن حراك فيفري 2019 وما تلاه من ظهور جائحة كورونا والتي دفعت بالحكومة لأن تعطي أولوية للسلامة الصحية للمواطن بما كفله الدستور من أحقية العلاج المجاني والحفاظ على الصحة العمومية كبند أساسي في برنامج رئيس الجمهورية والذي لم يتوانى في اسداء تعليماته للوزير الأسبق بن بوزيد في احتواء الجائحة بما يتوافق والبرامج الصحية العالمية وتطبيق بروتوكولات العلاج التي دخلت حيز التطبيق آليا حين اعتمدت منظمة الصحية كمرجعية للإشعار بالحالة الوبائية في العالم . ومنه يكون لزاما على القطاعات الصحية أخذ الحيطة والحذر والاستعداد البشري واللوجيستي للتصدي لهذا الخطر الصحي والذي وبفضل الله تعالى وجهود الساهرين في قطاع الصحة تم تخطيه رغم تسجيل حالات الوفاة وكذا نقص لبعض المواد الطبية التي استدعت تدخلا سريعا لتدارك الأمر. لكن اليوم غير الأمس وما تواجهه المنظومة الصحية الجزائرية من تحول في مسارها بعد اقحام المنصات الرقمية على مستوى المصالح الاستعجالية وما سيستدعيه واقع الحال من تطبيق فعلي لبرنامج رئيس الجمهورية في أن يكون التكفل جيدا بالمرضى خاصة ما يشهده العالم من إضافة للرصيد الجيوسياسي وهو الحرب التي باتت تهدد الوجود البشري ان لم يتم وضع حد لها وبطريقة قانونية تضمن الحقوق للشعب الفلسطيني الذي كانت الحرب فيه بداية الإعلان عن شرارة جديدة من التوتر وأكيد هذا التوتر له انعكاس على المدى القريب والبعيد ما يستدعي فهما جيدا للأوضاع والتغيرات الحاصلة. * التكفل الصحي في الجزائر وفي امتداد لسياسة الجزائر الصحية والتي كانت في خدمة المواطن بعلاج مجاني يمنح الفرصة للتداوي لهو تكفل والتزام من الدولة الجزائرية بواجبها تجاه مواطنيها ولكن في نفس الوقت يحتاج هذا التكفل الى مسايرة القطاع الصحي لموضوع الأوبئة وما يشكله من تهديد حقيقي للصحة ولمستقبل الأجيال وذلك بضمان جيد لنوعية اللقاحات المأخوذة من الصغر وكذا أسلوب التوعية الذي يجب أن يكون مفهوما وواضحا ومتضمنا لآليات العمل التي تحقق السلامة الاستهلاكية للمنتجات الصيدلانية الأمر الذي سيفرض نفسه على المسؤولين على مستوى وزارة الصناعة الصيدلانية أن تشرف بنفسها على خريطة استيراد الأدوية والسعي نحو الإنتاج المحلي لتحقيق الاكتفاء الذاتي الذي هو جزء من السيادة الوطنية في المنافسة الدولية على الصعيدين المحلي والعالمي. وهو ما سيجعل المنظومة الصحية تتدعم بآلية عمل جديدة وهو الانفتاح المشروط على المنتجات الخارجية بما يحقق التبادل التجاري وتبادل المعلومة والخبرة ويبقى تبادل المشروع الإنتاجي خارطة أولية للجزائر لتتقدم هي بنفسها بمشروع الطرح على الساحة الدولية خاصة اذا ما تم فتح مخابر في المجال الدوائي وكذا في مجال التحاليل المخبرية . فبعد اجتياز جائحة كورونا تكون الجزائر قد خطت خطوة تجريبية في التصدي لهذا الوباء ولكن هذا لن يكون كافيا لأن ثمة متحورات جديدة ستظهر في كل مرة وهو اشكال يبقى قائما ليس من ناحية أخذ نوع اللقاح وفقط بل في معرفة التأثيرات المستقبلية لهذه المتحورات على سلامة الجنس البشري من التأثيرات المرضية الجانبية . *واقع جديد وعليه يتطلب الواقع اليوم بل يفرض على المنظومة الصحية الجزائرية أن تغير نمط التعامل مع الأوبئة من أسلوب الوقاية المتعارف عليها الى أسلوب معرفة تركيبة المتحور وتقديم العلاج قبل انتشاره السريع لأن هذا يدفع الى استنزاف خزينة الدولة في اقتناء اللوازم الطبية والأدوية واللقاحات وهو ما سينظر اليه كإحدى أهم متطلبات دعم الصحة الجزائرية من ناحية التزود بالأدوية واللقاحات ثم التنافس الدولي لبعض المخابر الأجنبية التي ما انفكت تنتج لقاحات جديدة وبأسعار تراها مخابرها مناسبة لمعايير التعامل الدولي مع المنتوج الصيدلاني. لكن هذا سيطرح اشكال المضمون للمنتوج وكذا نجاعته في القضاء نهائيا على الفايروس وهو ما يراه بعض الخبراء والمختصون أنه لن يكون نهائيا بقدر ما سيقلل من الانتشار السريع للوباء لكن هذا لا يمنع أن تكون الجزائر على أهبة لتقديم البديل لمشكلة الأوبئة الحديثة من خلال تسريع وتيرة البحث العلمي ورصد العلماء في الخارج والتواصل معهم وخلق بيئة مهنية لهم داخل الوطن وتشجيعهم على العمل والابداع في المجال الصحي للاستفادة من خبراتهم التي ظلت ضمن فائدة الدول التي احتضنتهم بكفاءتهم وتفانيهم في البحث العلمين فلماذا لا يتم تدوين كتب ترقيمية لمراجعهم الصحية ويتم اعتمادها دوليا كأقل جهد يبذل في توثيق المرجع الصحي الجزائري كأول خطوة نحو العالمية. ان واقع المنظومة الصحية الجزائرية اليوم لا يختلف عن وافع المنظومات الصحية العربية لأن المرجعية هي نفسها والبروتوكولات هي نفسها ليبقى سياق الفايروسات اليوم كأنه حرب بيولوجية على الصحة العمومية وهو ما بات ملاحظا اليوم في نوعية الفايروسات المنتشرة والتي لم تكن موجودة سابقا وهو ما يحتم اليوم التفكير جديا في إيجاد بدائل للتصدي لهذه الفايروسات الجديدة وربما نقطة البداية تكون بالتعامل بشفافية مع منظمة الصحة العالمية في ان تعطي شروحات شفافة لهذه المتحورات ومدى ارتباطها الزمني بظرف الحروب وكذا أصل التسمية لهذه المتحورات وما علاقتها بسرعة الانتشار وتأثيره على الجهاز المناعي لتبقى هذه الأطروحات من اختصاص العلم البيولوجي والمناعي كذاك وهو مجال يستحق الاثراء والدعم. وحتى لا تبقى المنظومة الصحية في خندق استهلاك اللقاح وتوظيف البرتوكولات وان كان البعض قد لا يفي بالغرض خاصة اذا كانت المعلومات المذاعة عن التحورات غير كافية أو أن الاعلام والجهات الوصية لم تتناولها على النحو الذي يجعل منه وباء عارضيا لا يرتقي لمستوى أزمة صحية تستوجب في كل مرة دق ناقوس الخطر.. لنصل في الختام الى أن واقع المنظومة الصحية الجزائرية اليوم بالإمكان تغييره بما يتوافق والواقع الجيوسياسي الذي يشهده العالم فان كانت الحرب التقليدية أخذت حيزها من الانتشار بعد أوكرانيا الى غزة فحتما هذا الانتشار سيتسع والأخطر أن يتزامن هذ التوسع وظهور المتحورات الجديدة ما يتطلب دراسة موضوعية وجادة للواقع الصحي اليوم ووضع آليات عمل جديدة بما تحتمه متطلبات العصر وعدم الاكتفاء بالمسايرة الصحية الروتينية لأنها لن تكون كسابقاتها خاصة وأن برنامج الحرب سيتغير والنمط المعيشي سيتحول معه وعليه فان التحول الجديد لمسار الصحية الجزائرية سيوضع حتما على المحك ان لم يتم جس النبض من الواقع جسا اكيلينيكا علميا قانونيا جيوسياسيا بحتا ليكون هذا الرباعي المفاهيمي بمثابة برنامج تغطية صحي صالح لأي طارئ وبائي مهما كان عنيفا في ضرره فالعبرة بالتوظيف الاستباقي للمعلومة بعد الاستشراف الصحيح لها.