مراصد إعداد: جمال بوزيان في ظل هيمنة المجتمع الذكوري في الجاهلية وحديثا الإسلام يرسي قواعد حماية حقوق الأنثى تسجل الذاكرة في مجتمعات عديدة بالعالم الإسلامي مواقف سلبية لكثير من الآباء والإخوة وأحيانا الأعمام والأخوال بشأن تعليم الفتيات حيث كان قرار المنع هو السائد أمس وبقيت الفتيات في البيوت أميات واليوم نرى الآباء والإخوة أنفسهم يشجعون بناتهم على التعليم ويفرحون بنجاحهن ويدعمونهن في أي تكوين وتوظيف ومشروع وغير ذلك ونجد أولئك المعارضين لتعليم الفتيات أمس يمنعون اليوم أخواتهم من الميراث طينة المنع أمس هي طينة المنع اليوم... سألنا أساتذة وأدباء عماذا يحدث!؟ وبأي منطق يفكر أولئك؟ وهل يعقل أن يدعو أخ أخته لحفل نجاح بنته اليوم وقد منعها أمس من التعليم؟ أليس ذلك مفارقة عجيبة؟ وما السر في ذلك المنع؟ وما التركيبة النفسية لمعارضي تعليم الفتيات؟ وهل تغيرت الطباع والعقليات أم تغيرت الظروف؟ ماذا تغير تحديدا؟ وأليس ذلك تحيزا للبنت على حساب الأخت؟ وما المعايير عندهم في ذلك؟ وما الأضرار التي تصيب الأفراد والمجتمعات حال منع الفتيات من التعليم؟ وما أهمية تعليمهن عموما؟. ***** تمادي الذكور في نهب حقوق الإناث.. جرائم كبرى أ.حورية منصوري جاء الإسلام وقرر أنّ تربية المرأة وتعليمها من الأعمال العظيمة ورتّب الشرع على ذلك جزاء وفيرا فقد رغبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ووأصى بحسن تربية المرأة بنتا والسهر على تأديبها ورعايتها وتعليمها. فسورة العلق لم تنزل مخصصة للرجال فحسب بل هي لكلا الجنسين على حد سواء.. يقول سبحانه: {اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم}. [العلق 3]. جاء الإسلام ومنه انتفضت المرأة مما كان يعتريها من ظلم وهضم لحقوقها قبل الإسلام. وكرمت من الله وحفظ حقوقها بتشريع في جل السور القرآنية . فالدين لتفقه شرائعه ونواهيه وأوامره إلا بنور العلم. قال سبحانه عز وجل: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون). [الزمر 9]... لذلك فتعليم البنات واجب وإلزامي حتى لا يغدر بهن ومنه ينهلن واجباتهن وحقوقهن كما أمر الله. لكن بعد حقب وقرون من مجيئ الإسلام نرى بعض الأسر وخاصة الإخوة يمنعون أخواتهن من تكملة تعليمهن لحد معين من المستويات ويتحكمن في مصائرهن بدون سبب إلا فقط لمنعهن من الخروج. وقد نلاحظ الوالدين يمتثلان لهذه الأوامر بحجة أن الأخ يعلم جيدا مصلحة أخته ويخاف عليها. والعجب حين يتزوج الأخ ولما يرزق بالبنات يستدرك الأحاديث التي أمرت بمعاملة البنت كالولد وأن تعليمها من الضروريات ويأتيه الإلهام بضمير مؤنب إذا علم بناته فإنهن سيكن ذخرا له ولمجتمعهن ويفضلهن أن يعتلين أعلى وأسمى المناصب لو بيده. هذا التناقض والأنانية التي يملكها بعض الإخوة تمادت إلى نهب حق الأخت وكأن لا وجود لها أو لا تتساوى في القيمة الدينية مع بناته أو زوجته كأنثى. هذا التفكير الرجعي قد يكسر ضوابط الصّلات والرحم وتحل البغضاء والشحناء وتتفكك الروابط بين الأسر ويحل الحقد بين الإخوة والأخوات وخاصة عند وفاة الوالدين. فالمرأة نصف المجتمع ويجب أن تحظى بالحقوق نفسها التي للرجل الأخ والأخت والبنت وأن تُصان كرامتهن وتحترم كما تُصان كرامة الرجل. ولقد عامل الإسلام المرأة على أنها شريكة الرجل في الإنسانية خُلقَا من أصل واحد قال تعالى في الآية 1 من سورة النساء: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾. ضمن الإسلام للمرأة حقها سواء أكانت أختا أو بنتا.. وعلى المجتمع الذكوري إدراك هذا والامتثال لشرع الله. الأخت والبنت لهما الرسالة ذاتها نحو مجتمعهما ولهما الغايات عينها لإنجاب جيل متميز ولا يؤتى إلا بتنويرهما بالعلم.. يقول الشاعر حافظ إبراهيم في قصيدة العلم والأخلاق : الأمُ مدرسةٌ إذا أعددتها ... أعدت شعبا طيب الأعراق. إذن المرأة في قاموس الفهم والإنسانية ليست من تنجبها أيها الأخ. بل هي كل أنثى تنتسب لأسرتك. فكن واعيا متفهما لدينك لكي لا تعش أنانيا يحب ويعرف إلا ما يخصه ويلقي ما أمره وأوصاه به الله عرض الحائط. الأخت والأخ من أصل واحد ومن شجرة واحدة لهما أب واحد وأم واحدة فهما متساويان في أصل النشأة متساويان في الخصائص الإنسانية العامة متساويان في التكليف والمسؤولية متساويان في الجزاء. فكيف تعصف وبعد أربعة عشر قرنا عاصفة الجاهلية وضيق التفكير بالأخ والذي هو ينوب عن الأب إذا ما غاب عن الأسرة؟. فرفقا بالقوارير واستوصوا بالنساء خيرا. كما أوصانا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم تسليما وهذه الوصية تقيم العدل بين جنس حواء كيفما كانت مرتبتها وقرابتها للرجل. *** حرمان الأخت من التعليم والميراث.. لم يأمر به الإسلام أ.كلتوم حسيني التعليم حق إنساني وقبل ذلك واجب على كل فرد لا يُمَيَّز فيه جنس ولا لون ولا سن يتساوى في تحصيله الصغير والكبير الغني والفقير الذكر والأنثى. وتعليم البنات بالخصوص لا يقل شأنا عن تعليم الذكور وقد يزيد عنه درجة وهو حق مشروع أقرته المواثيق الدولية وقبله ما جاء به الإسلام بنص الحديث النبوي الشريف: (طلب العلم فريضة على كل مسلم). ويشمل الجنسين معا وسع الدين القيم جاهدا إلى الحث عليه والحرص على طلبه ونشره بين الناس فها هو نبينا عليه الصلاة والسلام يباشر تعليم النساء بنفسه ويوصي أصحابه ألا يمنعونهن من ارتياد المساجد: إذا استأذنت المرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها .. وهذا تقريرا لوجوب تعليم المرأة فيقول فيما أثر عنه صلى الله عليه وسلم: أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها وأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران . وهذا نص صريح في فضل تعليم الأمَة وتأديبها فإن كان هذا حال الأمَة فكيف حال البنت والأخت والزوجة؟ وقياسا عليه تعليم الحرّة من باب أولى. وقد كانت النسوة وقتذاك حريصات على حضور مجالس العلم والهداية. فنبغن في جل مجالات الحياة وكانت منهن الفقيهة والمحدثة والمفسرة والأديبة والشاعرة والتاريخ الإسلامي حافل بنماذج عديدة تدل على حرص المرأة على التعليم وعناية أهلها بتعليمها. ورغم ما تقدم إلا أن البنت مُنعت من التعليم وما تزال تُمنع بدعوى الخوف المرضي على الشرف واعتبار المرأة التي تخرج لطلب العلم تفلتت من قبضة الرجال وأن فيهم دياثة وانحلال وقد غذى المجتمع الذكورة في الرجل وجعل المرأة في تبعية له لا تخرج عن قمقم الدونيّة والولاء له والانقياد لأوامره ونواهيه على اعتبار أنها ملك شخصي لا يحق لها ممارسة أي نشاط بعيدا عن سلطة الإخوة والبنات بفطرتهن يتطبعن بما يختبرنه فيرضخن لما يسلط عليهن ويرضين بعيش الذل والجهل والأمية والعجز والضعف لا يعرفن حقوقهن ولا يملكن كرامتهن. منع البنات من التعليم سلوك عُرفي وليس شرعا يضمن تعميم الصورة النمطية لدورها التقليدي ويعزز من زهدها في العلم واحتفائها بجهلها ففتاة غير متعلمة يعني امرأة لا تعرف حقا ولا واجبا. ومما يدل على عُرفية هذا السلوك توجه بعض الآباء إلى تسجيل بناتهم في المدارس والجامعات ودعم تكوينهن والسعي لتوظيفهن وهم أنفسهم بالأمس القريب كانوا معارضين لفكرة تعليم أخواتهن وهذا إن دلّ عن شيء فإنما يدل على عقد نفسية نرجسية تعززها المطامع الدنيوية فأخته إن تسلحت بالعلم صارت حاضرة البديهة قوية الشخصية صعبة الانقياد تعرف حقوقها وتطالب بها وتسعى لنيلها وهنا تشعره بالنديّة والمزاحمة خاصة فيما يتعلق بحقها في الميراث وقد يرجع السبب الجوهري لحرمانها من التعليم خشية أن تزاحمه في حقها في الميراث. وهذا يصيبه بمتلازمة الخوف من الأخت المتعلمة وعندي نموذج حي عن ذلك إحدى الجدات عجوز أمية لا تعرف قراءة ولا كتابة تقول وهي طفلة حرص والدها على تعليمها القرآن الكريم في الكتاتيب مع إخوتها الذكور لكن أخاها الأكبر انتفض وغضب وأقام الدنيا ولم يقعدها محتجا على ذلك تضيف: سامحه الله طلب من والدي والشيخ أن يُحفظني قصار -السور سْمَاوِي - بمعنى يحفظها الكلمات دون أن يعلمها الحروف حتى لا أتعلم الكتابة بحجة أني سأكتب مستقبلا ما أشاء وأخفيه عنه.. وتقول: مع طول الوقت صار أخي نفسه يأخذ بأيدي بناته للمدارس ويشجعهن على طلب العلم!. هذا التحيز للبنات دون الأخوات مرده إلى الجهل بالدين أولا والنزعة النفسية وحب التملك والأنانية ثانيا وآخرا روح الفجور والظلم لدى الإخوة وربما تحريض زوجاتهم على أخواتهم غيرة وبسطا للسلطان. فحرمان الأخت من أبسط حقوقها لم يأت به سلطان ولا نزلت به شريعة إلا التآمر المجتمعي وتواطؤ الأعراف التي استهانت بها وحكمت عليها بالدونيّة. يؤدي حرمان المرأة من التعليم بصفة عامة والأخت بصفة خاصة إلى اتساع الخرق في المجتمع واستفحال بؤر الفقر والأمية فالمرأة مخلوق رسالي 0عدت لإعداد الأجيال وتربيتهم تربية دينية سوية صالحة مُصلِحة تنهض بالدين والأمة. وهذا لا يتأتى بمنعها من تحصيل آلة العلم يقول الشاعر حافظ إبراهيم: الأم مدرسة إن أعددتها... أعددت شعبا طيب الأعراق. وقد تفطنت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لقدرات المرأة الاستيعابية وحنكتها ورجاحة عقلها وللدور الريادي الذي تستطيع أن تلعبه في المجتمع وسعت لتعليمها وتحقيق سبل ذلك تحت وابل الاستدمار وبعده يقول العلامة عبد الحميد بن باديس رحمه الله: إذا أردنا أن نكوِّن رجالا فعلينا أن نكوِّن أمهات دينيات و لا سبيل إلى ذلك إلا بتعليم البنات تعليما دينيا وتربيّتهنّ تربية إسلامية . وقال: إذا علمت ولدا فقد علمت فردا إذا علمت بنتا فقد علمة أمة . فتمكين المرأة من التعيلم له انعكاس إيجابي على الأسرة ثم على المجتمع والأمة وبه إصلاح للواقع وتحسين للحياة. فهي بإعداد الرجال داعية إلى الخالق ملهمة للفكر محفزة على الأخلاق الفاضلة عاملة بالأحكام الشرعية يقول ابن حزم الأندلسي: إني لا أثق في المرأة إن لم يشغلها علم وعمل . وحسبه الأجدر بالمرأة أن تنشغل بتكوين نفسها تكوينا فكريا وشرعيا يكسبها معارفا دينية ودنيوية يمكنها من أداء رسالتها التي خلقت من أجلها ويكسبها خلفية بارزة في المجتمع والأمة. ختاما التعليم حق شرعي ولا يحق لكائن من كان حرمان الناس منه وحرمان البنات خصوصا من طلب العلم له عواقب وخيمة على البلاد والعباد فالمرأة المتعلمة ينعكس تعليمها على البيئة المحيطة بها ويؤثر على أفرادها. *** الأناني يفرض سيطرته على حساب المبادئ أ.ليندة كامل يعد التعليم من الضروريات الأساسية في جل المجتمعات سواء في الغرب أو عند العرب.. إن التعليم يفتح آفاقا للإنسان ليدخله إلى عالم المعرفة. والجزائر من الدول التي اهتمت به قبل وبعد الاستقلال إذ كانت المرأة تدرس في الزوايا حيث تتلقى معارف القراءة والكتابة وتحفيظ كتاب الله. بالرغم من قلة اللواتي نعمن بذلك إلا أن التعليم يعد حاجة أساسية لكل مجتمع وقد أُلزم التعليم بعد الاستقلال لكل فرد من أفراد المجتمع الجزائري سواء للفتيات أو الفتيان.. وقد واجهت المرأة صعوبات في التعليم في فترات زمنية معينة في المناطق النائية لأسباب عدة نحصرها في: بُعد المدارس وعدم وجود الطرق المعبدة ووسائل النقل.. السبب الرئيسي هو الخوف على شرف الفتاة ولهذا حرمت الكثيرات من التعليم في القرن التاسع عشر... إلا أن التعليم اليوم صار تعليما شاملا وأصبحت المرأة تنافس الرجل وهي تتصدر أعلى نسب النجاح. لذا يعد التعليم الوسيلة الحقيقية لتحقيق الكينونة والاستقلالية المادية فالتعليم لم يعد مجرد تلقين للمعارف بل صار مفتاحا للحصول على وظيفة من خلالها تستقل المرأة من سلطة الأبوية والذكورية.وتغير المجتمع الرافض لهذا المنطق إلى مجتمع يمجد المرأة الموظفة الناجحة. ربما خلق هذا الأمر ظاهرة جديدة هي الاحتفالات الصاخبة بالنجاح في شهادات التعليم في كل مراحله من الإعدادي إلى التكميلي إلى الثانوي والجامعي. والرجل الذي كان يقف ضد تعليم أخته صار اليوم سندا لابنته. وهناك حركات نسوية تدافع عن حقوق المرأة والتي ساهمت بشكل كبير في دعم تعليم المرأة بالإضافة للقوانين الدولية التي تساوي بين المرأة والرجل. ففي كل مرة تتم المصادقة على قوانين جديدة للأسرة يتم من خلاله إعطاء حقوق للمرأة ليس في التعليم وحسب بل في كل المجالات.. أظن أن هذه العوامل كلها ساهمت بقدر كبير في تقبل تعليم المرأة من طرف الرجل بل أصبح الأب يقف جنبا إلى جنب مع ابنته لإتمام تعليمها. فالتعليم لم يعد مجرد تلقين للمعارف بقدر ما صار سلاحا ضد الرجل الزوج إن كان قاسيا وضد المجتمع حتى لا تكون ضحية من ضحاياه الخفية. أما عن التناقض في موقف الرجل ضد تعليم أخته ومنع ابنته فهذا يعود إلى طبيعة البشر الأنانيين الذين يريدون فرض سيطرتهم حتى على حساب المبادئ. *****