دعيت لإلقاء محاضرة في إحدى الكليات، واستقبلني عميد الكلية استقبال الفاتحين، كأني القرضاوي أو الغزالي أو الشعراوي مما أدهشني ورابني، وقال أنا أنتظرك لتحل لي عقدة تؤرقني وهمّاً يُعجزنِي، وأنت ستكون صاحب فضل لا يُنسى إن أزلت هذا الهمَّ، فإذا بالجبل يتمخض فيلد فأراً فقال: في الكلية خمس فتيات هن أسوأ صورة للوجه الحضاري للكلية، هل يمكن أن تساعدني في شأنهن؟. فقلت: هل هن والعياذ بالله من الساقطات الغانيات اللاهيات العابثات الفاجرات؟ قال: لا، هن من المنتقبات المتخلفات. قلت: هل هن متخلفات علميا؟! قال: لا، بل هن "للأسف متفوقات".. فقلت: فما المشكلة؟! قال: وجودهن وجه غير حضاري ولا إنساني.. فقلت له: لا تحمل الهمَّ، ولا تسترسل مع هذا الغم "غمة وتزول"، سوف أنهي هذا البلاء اليوم، ويخلعن النقاب، ففرح وطاب، وأثنى واسترخى وأجاب: سيكون جميلُك محفوظاً. فقلت: ساعدني بورقة صغيرة، فيها قرارات يسيرة: "ممنوع دخول المتبرجات والمنتقبات"، فقال: كيف أمنع المتبرجات؟! وهذا خلاف القانون والدستور؟! فقلت: القانون والدستور يعطيان الحق في لبس الحجاب والنقاب، ومادامت الطالبات مؤدبات متفوقات فلماذا تعتبرهن وجها غير حضاري؟! فأسقط في يده ورأى أنه قد ضل. هذه من المفارقات التي يعيشها أذناب العلمانية الغربية والشيوعية الشرقية، والفلسفات الأرضية، فيُمنع الحجاب بقانون في بعض بلادنا الإسلامية وعلى رأسها تونس التي تمنع المحجبات لا المنتقبات الآن من دخول الامتحانات، وتقف الدولة على رأس العسكر قديما في تركيا في وجه الحجاب، والمحكمة الآن في وجه قانون الحجاب في الجامعات، وفرنسا لا تمنع من ركوب الفرنسيات الدراجات النارية عرايا تماما، وتجوب في عهر نادر شوارع باريس، وتباع صورة عشيقة ساركوزي عارية تماما في مزاد علني في لندن وغيرها، وتنطرح الفتيات عاريات تماما على الشواطئ العالمية في مصايف العابثين، لكنها تعتبر غطاء الرأس عملا عدائيا للعلمانية، وضد الحضارة والتقدم. صحيح: إذا لم تستح فاصنع ما شئت، ولن ينحصر العريُ العالمي إلا بانحصار الشرك العالمي، وآنئذ سيكون أمثال هذا العميد من أول المطبلين للفقه والحجاب، فهم دائما يتزلفون أمام كل باب ولو شجع "الإرهاب والكباب". إنها حرب عقدية أخلاقية قانونية يجب أن نخوضها ضد العري والتبرج والسفور والخنا والفجور حتى تعود لأرضنا أثواب الطهر والعفاف والهنا والسرور.