ورد في فضل»سبحان اللّه، والحمد للّه ولا إله إلا اللّه، واللّه أكبر« نصوصٌ كثيرةٌ تدل دلالة قوية على عظم شأنهنَّ وجلالة قدرهنَّ، وما يترتّب على القيام بهنَّ من أجورٍ عظيمةٍ وأفضالٍ كريمةٍ، وخيراتٍ متواليةٍ في الدنيا والآخرة، وفيما يلي عرضٌ لجملة من فضائل هؤلاء الكلمات: فمِن فضائل هؤلاء الكلمات: أنَّهنَّ أحب الكلام إلى اللّه، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث سمرة بن جندب رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم »أَحبُّ الكلام إلى اللّه - تعالى - أربع، لا يضرك بأيِّهنَّ بدأت: سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلا اللّه، واللّه أكبر«، (ورواه الطيالسي في مسنده بلفظ): »أربع هنَّ من أطيب الكلام، وهنّ من القرآن، لا يضرك بأيِّهنَّ بدأت: سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلا اللّه، واللّه أكبر«. ومِن فضائلهنَّ: أنَّ النبي صلى اللّه عليه وسلم أخبر أنَّهنَّ أحبُّ إليه مِمَّا طلعت عليه الشمس »أي: من الدنيا وما فيها«، لما روى مسلم في صحيحه من حديث أبي (هريرة رضي اللّه عنه) قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : »لأن أقول: سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلا اللّه، واللّه أكبر أحبُّ إلي ممّا طلعت عليه الشمس«. ومن فضائلهنَّ: ما ثبت في مسند الإمام أحمد، وشعب الإيمان للبيهقي بإسناد جيّد عن عاصم بن بهدلة، عن أبي صالح، عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت: مرّ بي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقلتُ: »إنِّي قد كبرتُ وضعُفت أو كما قالت فمُرني بعمل أعمله وأنا جالسة«. قال: سبّحي اللّهَ مائة تسبيحة، فإنَّها تعدل لك مائة رقبة تعتقينها من ولد إسماعيل، واحمدي اللّه مائة تحميدة، تعدل لكِ مائة فرس مُسرجة ملجمة تحملين عليها في سبيل اللّه، وكَبِّري اللّهَ مائة تكبيرة فإنَّها تعدل لك مائة بدَنة مُقلّدة متقبّلَة، وهلِّلي مائة تهليلة قال ابن خلف (الراوي عن عاصم) أحسبه قال: تملأ ما بين السماء والأرض، ولا يرفع يومئذ لأحدٍ عملٌ إلا أن يأتي بمثل ما أتيتِ به« قال المنذري: (رواه أحمد بإسناد حسن) وتأمَّل هذا الثواب العظيم المترتِّب على هؤلاء الكلمات، فمن سبّح اللّهَ مائة، أي قال: سبحان اللّه مائة مرّة فإنَّها تعدل عِتق مائة رقبة من ولد إسماعيل، وخصَّ بني إسماعيل بالذِّكر لأنَّهم أشرفُ العرب نَسباً، ومن حَمِد اللّه مائة، أي من قال: الحمد للّه مائة مرّة كان له من الثواب مثل ثواب من تصدّق بمائة فرس مسرجةٍ ملجمةٍ، أي: عليها سرجها ولجامها لحمل المجاهدين في سبيل اللّه، ومن كبّر اللّهَ مائة مرّة، أي قال: اللّه أكبر مائة مرّة كان له من الثواب مثلُ ثواب إنفاق مائة بدنةٍ مقلّدةٍ متقبّلةٍ، ومن هلّل مائة، أي قال: لا إله إلا اللّه مائة مرة فإنَّها تملأ ما بين السماء والأرض، ولا يُرفع لأحدٍ عملٌ إلا أن يأتي بمثل ما أتى به. ومِن فضائل هؤلاء الكلمات: أنَّهنَّ مكفِّرات للذنوب، فقد ثبت في المسند، وسنن الترمذي، ومستدرك الحاكم من حديث عبد اللّه بن عمرو بن العاص (رضي اللّه عنهما) قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : »ما على الأرض رجل يقول: لا إله إلا اللّه، واللّه أكبر، وسبحان اللّه، والحمد للّه، ولا حول ولا قوة إلا باللّه، إلا كُفِّرت عنه ذنوبُه ولو كانت أكثر من زَبَد البحر«، (حسنه الترمذي). والمراد بالذنوب المكفَّرة هنا أي: الصغائر، لما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي اللّه عنه: أنَّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول: »الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفِّراتٌ ما بينهنَّ إذا اجتُنبت الكبائر«، فقيّد التكفير باجتناب الكبائر، لأنَّ الكبيرة لا يُكفِّرها إلا التوبة. وفي هذا المعنى ما رواه الترمذي وغيره عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه: أنَّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مرّ بشجرة يابسة الورق فضربها بعصاه فتناثر الورق، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : »إنَّ الحمد للّه، وسبحان اللّه، ولا إله إلا اللّه، واللّه أكبر لَتُساقط من ذنوب العبد كما تَساقط ورق هذه الشجرة«. كلمات أربع.. هنّ غرس الجنة ومِن فضائل هؤلاء الكلمات: أنَّهنَّ غرس الجنة، روى الترمذي عن عبد اللّه بن مسعود، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنَّه قال: »لقيت إبراهيم ليلة أُسري بي، فقال: يا محمد أقرئ أمتك مني السلامَ، وأخبِرهم أنَّ الجنةَ طيِّبةُ التربة، عذبةُ الماء، وأنَّها قيعان، غِراسها سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلا اللّه، واللّه أكبر. والقيعان جمع قاع، وهو المكان المستوي الواسع في وطأة من الأرض يعلوه ماء السماء، فيمسكه ويستوي نباته، والمقصود أنَّ الجنة ينمو غراسها سريعا بهذه الكلمات كما ينمو غراس القيعان من الأرض ونبتها. ومِن فضائلهنَّ: أنَّه ليس أحد أفضل عند اللّه من مؤمن يعمر في الإسلام يكثر تكبيره وتسبيحه وتهليله وتحميده: روى الإمام أحمد، والنسائي في عمل اليوم والليلة بإسناد حسن عن عبد اللّه بن شداد: أنَّ نفرًا من بني عُذْرَة ثلاثةً أتوا النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم فأسلموا قال: فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم »من يكفينيهم قال طلحةُ: أنا، قال: فكانوا عند طلحة فبعث النبي صلى اللّه عليه وسلم بعثاً فخرج فيه أحدُهم فاستشهدَ، قال: ثم بَعَثَ بعثاً آخر، فخرج فيهم آخر فاستشهد، قال: ثم مات الثالثُ على فراشه، قال طلحة: فرأيت هؤلاء الثلاثة الذين كانوا عندي في الجنة، فرأيت الميت على فراشه أمامهم، ورأيت الذي استُشهد أخيرًا يليه، ورأيت الذي استُشهد أولَهم آخرَهم، قال: فدخلني من ذلك، قال: فأتيت النبي صلى اللّه عليه وسلم فذكرت ذلك له، قال: فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : »ما أنكرتَ من ذلك، ليس أحدٌ أفضل عند اللّه من مؤمن يُعمّرُ في الإسلام يَكثُر تكبيرُه وتسبيحُه وتهليله وتحميده«. وقد دلّ هذا الحديث العظيم على عِظم فضل من طال عمرُه وحسُن عملُه، ولم يزل لسانُه رَطْباً بذكر اللّه عزّ وجل. ومن فضائلهنَّ: أنَّ اللّه اختار هؤلاء الكلمات واصطفاهنَّ لعِباده، ورتّب على ذِكر اللّه بهنّ أجورًا عظيمةً، وثواباً جزيلاً، ففي المسند للإمام أحمد ومستدرك الحاكم بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة وأبي سعيد رضي اللّه عنهما : أنَّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: »إنَّ اللّه اصطفى من الكلام أربعاً: سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلا اللّه، واللّه أكبر، فمن قال: سبحان اللّه كُتب له عشرون حسنة، وحُطّت عنه عشرون سيّئة، ومن قال: اللّه أكبر فمثل ذلك، ومن قال: لا إله إلا اللّه فمثل ذلك، ومن قال: الحمد للّه رب العالمين مِن قِبَل نفسِهِ كُتبت له ثلاثون حسنة، وحُطّ عنه ثلاثون خطيئة«. وقد زاد في ثواب الحمد عندما يقوله العبد مِن قِبَل نفسه عن الأربع، لأنَّ الحمد لا يقع غالباً إلا بعد سبب كأكلٍ أو شُربٍ، أو حدوث نعمة، فكأنَّه وقع في مقابلة ما أُسديَ إليه وقت الحمد، فإذا أنشأ العبد الحمد من قِبَل نفسه دون أن يدفعه لذلك تجدُّدُّ نعمةٍ زاد ثوابه. ومِن فضائلهنَّ: أنَّهنَّ جُنّةٌ لقائلهنّ من النار، ويأتين يوم القيامة مُنجيات لقائلهنّ ومقدّمات له، روى الحاكم في المستدرك، والنسائي في عمل اليوم والليلة، وغيرهما عن أبي (هريرة رضي اللّه عنه) قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم »خُذوا جُنَّتَكم"، قلنا: يا رسول اللّه من عدو قد حضر! قال: »لا، بل جُنَّتُكم من النار، قولوا: سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلا اللّه، واللّه أكبر، فإنَّهنّ يأتين يوم القيامة منجيات ومقدّمات، وهنّ الباقيات الصالحات«. وقد تضمّن هذا الحديث إضافة إلى ما تقدّم وصفَ هؤلاء الكلمات بأنَّهنَّ الباقيات الصالحات، وقد قال اللّه تعالى: »وَالبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً«، (الكهف آية 46) والباقيات أي: التي يبقى ثوابُها، ويدوم جزاؤُها، وهذا خيرُ أمَلٍ يؤمِّله العبد وأفضل ثواب. ومن فضائلهنَّ: أنَّهنَّ يَنعَطِفْن حول عرش الرحمن ولهنّ دويٌّ كدويِّ النحل، يذكرن بصاحبهنَّ، ففي المسند للإمام أحمد، وسنن ابن ماجه، ومستدرك الحاكم عن النعمان بن بَشير رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم »إنَّ مما تذكرون من جلال اللّه التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد، يَنعَطِفْن حول العرش لهنّ دَوِيٌّ كدَوِيِّ النحل، تذكر بصاحبها، أما يحب أحدكم أن يكون له، أو لا يزال له من يذكر به«. فأفاد هذا الحديث هذه الفضيلة العظيمة، وهي أنَّ هؤلاء الكلمات الأربع يَنعَطِفْن حول العرش أي: يَمِلن حوله، ولهنّ دَوِيٌّ كدَوِيِّ النحل، أي: صوتٌ يشبه صوتَ النحل يذكرن بقائلهنّ، وفي هذا أعظم حضٍّ على الذِّكر بهذه الألفاظ، ولهذا قال في الحديث: »ألا يحب أحدكم أن يكون له أو لا يزال له من يذكر به«. وهنّ ثقيلات في الميزان ومن فضائلهنَّ: أنَّ النبي صلى اللّه عليه وسلم أخبر أنَّهنّ ثقيلاتٌ في الميزان، روى النسائي في عمل اليوم والليلة، وابن حبان في صحيحه، والحاكم، وغيرهم عن أبي سلمى رضي اللّه عنه قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: »بَخٍ بَخٍ، وأشار بيده بخمس ما أثقلهنّ في الميزان: سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلا اللّه، واللّه أكبر، والولدُ الصالح يُتوفى للمرء المسلم فيحتسبُه«، (صححه الحاكم) وقوله في الحديث: »بَخٍ بَخٍ« هي كلمة تُقال عند الإعجاب بالشيء وبيان تفضيله. ومن فضائل هؤلاء الكلمات: أنَّ للعبد بقول كلِّ واحدة منهنّ صدقة، روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر (رضي اللّه عنه): أنَّ ناساً من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم : »يا رسول اللّه ذهب أهل الدُّثور بالأجور، يصلّون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدّقون بفضولِ أموالهم«. قال: »أوَ ليس قد جعل اللّه لكم ما تصدّقون؟ إنَّ بكلِّ تسبيحة صدقة، وكلِّ تكبيرة صدقة، وكلِّ تحميدة صدقة، وكلِّ تهليلةٍ صدقة، وأمرٍ بالمعروف صدقة، ونهيٍ عن منكرٍ صدقة، وفي بُضعِ أحدكم صدقة«. قالوا: »يا رسول اللّه، أيأتي أحدنا شهوتَه ويكون له فيها أجرٌ؟ قال: »أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزرٌ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرٌ «. وقد ظنّ الفقراء أن لا صدقة إلا بالمال، وهم عاجزون عن ذلك، فأخبرهم النبي صلى اللّه عليه وسلم أنَّ جميع أنواع فعل المعروف والإحسان صدقةٌ، وذكر في مقدّمة ذلك هؤلاء الكلمات الأربع: سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلا اللّه، واللّه أكبر. ومن فضائل هؤلاء الكلمات: أنَّ النبي صلى اللّه عليه وسلم جعلهنّ عن القرآن الكريم في حقِّ من لا يُحسنه، روى أبو داود، والنسائي، والدارقطني، وغيرهم عن ابن أبي أوفى (رضي اللّه عنهما) قال: جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: »يا رسول اللّه إنِّي لا أستطيع أن أتعلّمَ القرآنَ، فعلِّمني شيئاً يُجزيني«. قال: »تقول: سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلا اللّه، واللّه أكبر، ولا حول ولا قوة إلا باللّه«. فقال الأعرابي: هكذا وقبض يديه فقال: »هذا للّه، فمَا لي؟« قال: »تقول: اللّهمّ اغفر لي وارْحمني وعافِني وارْزقني واهْدِني، فأخذها الأعرابيُّ وقبض كفّيه، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : »أما هذا فقد مَلأَ يديه بالخير«. فهذه بعض الفضائل الواردة في السّنة النبوية لهؤلاء الكلمات الأربع، ومن يتأمل هذه الفضائل المتقدّمة يجد أنَّها عظيمةٌ جدًا، ودالّةٌ على عِظم قدرِ هؤلاء الكلمات، ورِفعة شأنهنّ وكثرة فوائدهنّ وعوائدهنّ على العبد المؤمن، ولعلّ السر في هذا الفضل العظيم واللّه أعلم ما ذُكر عن بعض أهل العلم أنَّ أسماء اللّه تبارك وتعالى كلَّها مندرجةٌ في هذه الكلمات الأربع، فسبحان اللّه يندرج تحته أسماءُ التنزيه كالقدّوس والسلام، والحمد للّه مشتملة على إثبات أنواع الكمال للّه تبارك في أسمائه وصفاته ، واللّه أكبر فيها تكبير اللّه وتعظيمه، وأنَّه لا يُحصي أحدٌ الثناءَ عليه، ومن كان كذلك ف (لا إله إلا هو) أي: لا معبود حق سواه . فللّه ما أعظمَ هؤلاء الكلمات، وما أجلَّ شأنهنَّ، وما أكبرَ الخير المترتّب عليهنّ، فنسأل اللّه أن يوفقنا للمحافظة والمداومة عليهنّ، وأن يجعلنا من أهلهنّ الَّذين ألسنتهم رطبةٌ بذلك، إنَّه وليّ ذلك والقادرعليه.