خلال الأيّام التي كانت فيها العاصمة اللّيبية طرابلس ترزح تحت قصف قنابل حلف (النّاتو) لم نكن نتردّد في استخدام تعبير (ثوّار النّاتو) لوصف مقاتلي ما يسمّى بالمجلس الانتقالي اللّيبي، ولا شكّ في أن مثل هذا التوصيف يثير حفيظة هؤلاء المقاتلين الذين يعتبرون أنفسهم ثوّارا ويستنكرون اعتبارهم موالين ل (النّاتو)، خادمين لمخطّطاته· وكان هؤلاء المقاتلون يسعون دوما إلى الظهور بمظهر الأقوياء الأشدّاء القادرين على اجتثاث شوكة نظام القذافي من خاصرة الشعب اللّيبي، حتى فضحتهم كاميرات القنوات الفضائية النّاطقة باسمهم الحريصة على تمجيدهم، حين أظهرتهم يرتدون ملابس شبيهة بملابس النّوم وهم يقتحمون قلعة باب العزيزية أو ما تبقّى منها بعد أن دكّتها قنابل الأطلسي دكّا· ثمّ جاءت شهادات صحفيين غربيين لتؤكّد أن هؤلاء (الثوّار) مازالوا غير قادرين على القيام بتصرّفات الثوّار الحقيقيين، إلى درجة أن كثيرين منهم لم يتخلّوا عن عادتهم (غير الثورية) المتمثّلة في النّوم إلى ما بعد منتصف النّهار· ثمّ جاءت وقائع وأحداث متسارعة لتؤكّد أن هؤلاء الذين يسمّون أنفسهم ثوّارا لا علاقة لهم بالثورة، وهم دون دعم (النّاتو) يتحوّلون على ثوّار لا ثورة لهم· فقد كادت الكتائب المتبقّية لأنصار العقيد الهارب معمّر القذافي تستعيد السيطرة على العاصمة طرابلس، من بعد أن استعصت سرت وبني وليد على مقاتلي المجلس الانتقالي وأوقعت في صفوفهم عددا غير قليل من القتلى والمصابين، وهو أمر ردّه قادة المجلس الانتقالي إلى نقص خبرة هؤلاء المقاتلين وضعف تكوينهم العسكري، وهو ما يعدّ اعترافا صريحا بكون حلف (النّاتو) هو الذي قام بالثورة في ليبيا وهو الذي أسقط القذافي، ويكون (الثوّار) مجرّد (خضرة فوق طعام)، يتساوى غيابهم مع وجودهم، ورغم ذلك كلّه يريدوننا أن نصدّق أن ما حصل في ليبيا هو ثورة شعبية أطاحت برأس العقيد القذافي ومن معه، ليكون خلفاؤهم في الحكم مثلهم في الممارسات القمعية بشهادة هيئات مختلفة قالت أن القذافي انتهى·· لكن ممارسات عهده باقية رغم تغيير النّظام بواسطة (ثورة النّاتو).