على الرغم من كثرة مباريات الدور نصف النهائي والتي يفوق عددها عن ال30 إلا أن بعض المعارك التي شهدها مباريات الدور نصف النهائي دخلت أسطورة نهائيات كأس العالم. وباستثناء مباراة ألمانيا وأسبانيا التي جرت أمس، سنفتح سويا كتاب التاريخ لنُلقي الضوء على أشهر مباريات المربع الذهبي في النسخات السابقة. مونديال 1938 بفرنسا (إيطاليا 2 البرازيل 1) في طريقه إلى لقبه العالمي الثاني على التوالي، تمكن المنتخب الإيطالي من التخلص من منتخب برازيلي واثق من قوته بدليل بأن الأخير منح هدافه وأفضل لاعب لديه ليونايديس راحة مدخراً جهوده للمباراة النهائية. بيد أن سيسليساو لم يتمكن من بلوغ المباراة النهائية بسبب هدفين سجلهما جينو كولوسي وجيوسيبي مياتزا. ويحفظ التاريخ إلى جانب فوز الأزوري باللقب العالمي بأن مياتزا سجل ركلة الجزاء التي منحت الفوز لفريقه وهو يلتقط سراوله لأن الدكة تمزقت خلال قيامه بتنفيذها! مونديال المكسيك 1970 (البرازيل 3 أوروغواي 1) كانت لحظة مجيدة، مجنونة ساحرة. ففي مواجهة أوروغواي قام البرازيلي بيليه بإحدى أجمل اللقطات في تاريخ كرة القدم: موه بجسده لدى تلقيه الكرة من دون أن يلمسها وهو في مواجهة الحارس الأوروغوياني لاديسلاو مازوركيفيتش، ثم ركض بإتجاه الكرة وقام بتسديدها لكنها مرت إلى جانب القائم مهدراً فرصة سهلة للغاية. ربما ضياع الفرصة السهلة هو الذي جعل من اللقطة أن تكون مثيرة للغاية. لكن الملك وهو لقب بيليه عوض هذا الخطأ في المباراة النهائية بارتقائه الرائع برأسه لكرة عرضية قبل أن يودعها الشباك الإيطالية، أو التمريرة العمياء التي قام بها لكي يسجل كارلوس البرتو الهدف الرابع في مرمى إيطاليا أيضاً. مونديال المكسيك 1970 (إيطاليا 4 ألمانياالغربية بعد التمديد 3) ماذا لو كانت هذه مباراة العصر؟ بالطبع كانت المشاعر مختلفة بعد صفارة النهاية في صفوف المنتخب الفائز ونظيره الخاسر، لكن وبعد مرور 40 عاماً، فإن الشعور موحدٌ عند جميع الذين شاركوا في تلك المباراة: لقد خاضوا مباراة أسطورية. ففي 17 جوان عام 1970 وعلى ملعب أزتيكا الشهير في مكسيكو، كانت المباراة بين ألمانياالغربية وإيطاليا في نصف النهائي مشدودة الأعصاب على مدى 89، ثم مجنونة في الوقت بدل الضائع ثم الوقتين الإضافيين. فمنذ الدقيقة الثامنة، منح روبرت بوننسينيا هدف التقدم للمنتخب الإيطالي، وحافظ عليه حتى الدقيقة 82. لكن المنتخب الألماني أدرك التعادل في الثواني الأخيرة بواسطة كارل هاينز شنيلينجر ليفرض وقتاً إضافياً من نصف ساعة لدخول الأسطورة. تقدم المانشافت بكرة رأسية لجيرد مولر (94، 2-1)، ثم أدرك تارسيسيو بورغنيتش التعادل للإيطاليين (98، 2-2)، ثم تقدم الأزوري عن طريق جيجي ريفا (104، 3-2) لكن مولر رد التحية (110، 3-3)!. وبعد الهدف الألماني مباشرة كانت الكلمة الأخيرة للمنتخب الإيطالي بواسطة جياني ريفيرا (111، 4-3) ليحافظ فريقه على تقدمه حتى النهاية. بالإضافة إلى هذا التشويق الذي رافق الدقائق الأخيرة، فإن صوراً أخرى من تلك المباراة ظلت عالقة في الأذهان: صورة فرانز بيكنباور ليبيرو ألمانيا الذي لعب الدقائق العشرين الأخيرة وهو يلف كتفه بضماد بعد أن أصيب بكسر فيه، وصورة القيصر نفسه الذي ضرب الأرض بعد أن أضاع مولر فرصة سهلة عندما كان بكنباور في وضعية أفضل للتسجيل. مونديال إسبانيا 1982 (فرنسا 3 - ألمانيا 3 بعد التمديد، 5-4 بركلات الترجيح). شهدت هذه المباراة لحظات مثيرة على مدى 120 دقيقة: تعتبر هذه المباراة التي كانت مدينة إشبيلية مسرحاً لها إحدى أجمل المباريات وأسوأها في تاريخ الكرة الفرنسية، في حين تعتبر ذكرى لا تُنسى لعشاق المنتخب الألماني. كانت المباراة سجالاً بين منتخبين قدما مباراة رائعة شهدت لحظات للذكرى: خط وسط منتخب فرنسا الساحر بقيادة ميشيل بلاتيني، في مواجهة التصميم الألماني الذي نجح في قلب تخلفه بفارق هدفين في الوقت الإضافي، والخروج الإنتحاري للحارس توني شوماخر على باتريك باتيستون الذي لم يكمل المباراة، بالإضافة لتسديدة مانويل أموروس التي تصدت لها العارضة وكانت كفيلة بعدم خوض منتخب بلاده الوقت الإضافي، وحدس المدرب الألماني يوب درفال بإدخال كارل هاينز رومينغي والذي سجل بعد لحظات من دخوله، وسقوط أولي شتيلكيه على الأرض بعد إهداره ركلة جزاء ظناً منه بأنها ستساهم في إقصاء منتخب بلاده، قبل أن يهدر كل من الفرنسيين ماكسيم بوسيس وديدي سيكس محاولتيهما. ونجح المنتخب الألماني في العبور إلى المباراة النهائية، لكنه دفع ثمن الجهد الكبير والمشاعر التي بذلها أمام فرنسا، في مواجهة إيطاليا في مباراة القمة. مونديال إيطاليا 1990 (إنجلترا 1 - ألمانياالغربية 1 بعد التمديد، 4-3 بركلات الترجيح). ولدت لعنة ركلات الترجيح بالنسبة لإنجلترا في 4 جويلية عام 1990 على ملعب ديللي آلبي، في مواجهة سيطر عليها منتخب الأسود الثلاثة. حتى الأفضلية المعنوية كانت في مصلحة الانجليز بعد أن أدركوا التعادل إثر تقدم ألمانيا من ركلة حرة مباشرة نفذها أندرياس بريمه وإرتطمت بالمدافع بول باركر خادعة الحارس بيتر شيلتون. ونجح المنتخب الانجليزي بقيادة بول جاسكوين المتألق في إدراك التعادل قبل نهاية المباراة بعشر دقائق بواسطة جاري لينيكر. لكن الهدف لم يزعزع ثقة الألمان الذي وصفهم لينيكر بالذات »بأنهم يفوزون دائماً في النهاية«. إلى جانب إهدار كل من ستيوارت بيرس وكريس وادل لركلتي ترجيح دفنتا آمال المنتخب الإنجليزي، فإن دموع غاسكوين هي التي خطفت الأضواء. ذلك لأن غاسكوين نال بطاقة صفراء كانت ستُحرمه من خوض المباراة النهائية لو نجح منتخب بلاده في التأهل إليها، فأصبحت دموعه من أبرز المشاهد في تاريخ النهائيات، لأنها كانت مؤثرة كثيراً بالعالم أجمع. مونديال إيطاليا 1990 (إيطاليا 1 - الأرجنتين 1 بعد التمديد، 4 - 3 بركلات الترجيح). لم تكن مدينة نابولي منقسمة في تاريخها أكثر مما كانت عليه في الدور نصف النهائي من كأس العالم عام 1990. كان المتفرجون في حيرة ما إذا كانوا يريدون تشجيع منتخب بلادهم أو نجم ناديهم المحلي ديغو مارادونا. في النهاية، فإن الولد الذهبي للكرة الأرجنتينية، وبعد أن منح سكان نابولي الكثير من السعادة، أبكى أنصار نابولي بعد أن أخرج الدولة المضيفة من السباق نحو اللقب. بيد أن بطل تلك المبارة كان الحارس الأرجنتيني. فبعد أن أصبح أساسياً خلفاً لنيري بومبيدو الذي تعرض لإصابة خطيرة في قصبة الساق، نجح سيرجيو جويكوتشيا في التصدي لركلتين ترجيحيتين نفذهما روبرتو دونادوني وإيلدو سيرينا ليضع الألبيسيليستي في المباراة النهائية للمرة الثانية على التوالي. مونديال فرنسا 1998 (فرنسا 2 كرواتيا 1) يمكن وصف تلك المباراة بأنها مباراة رجل واحد: ليليان تورام. فعلى مدى 142 مباراة دولية خاضها في صفوف منتخب بلاده، لم يسجل هذا المدافع الذي نادراً ما يخرج من منطقة جزائه سوى هدفين فقط. هدفان في مدى 20 دقيقة سمحا لمنتخب بلاده في بلوغ أول مباراة نهائية له. ولا بد وأن يكون هناك رابط بين تقدمه إلى الأمام والخطأ الذي ارتكبه وأدى لتسجيل دافور سوكر هدف التقدم لكرواتيا بعد انطلاق الشوط الثاني بقليل خصوصاً بأنه كان موكلاً مراقبة هداف المنتخب المنافس. وفرحته العارمة ونظرته الجامدة بعد تسجيله الهدف الثاني وكأنه لا يدرك ما أصابه، أصبحا صوراً خالدة في النهائيات. مونديال 2002 كوريا الجنوبية واليابان (كوريا الجنوبية 0 ألمانيا 1) كان بالإمكان أن يكون عام 2002، سنة التتويج بالنسبة لميكايل بالاك، لكنه تحول إلى كابوس. فبعد خسارته مع فريقه باير ليفركوزن لنهائي دوري أبطال أوروبا، وكأس ألمانيا، نجح لاعب وسط المنتخب الألماني في قيادة منتخب بلاده إلى الدور نصف النهائي من كأس العالم 2002. كما أنه هو نفسه سجل هدف المباراة الوحيد في مرمى كوريا الجنوبية في نصف النهائي. لكن نيله بطاقة صفراء هي الثانية له في البطولة أدى إلى غيابه عن الموعد الأهم. والبطل المنحوس، لن يستطيع أن يتمكن من معرفة ما إذا كان وجوده في صفوف المانشافت ليغير من نتيجة المباراة النهائية التي جاءت في مصلحة البرازيل 2-0.