يقولون إن الحاجة أم الاختراع، وعليه فليس غريبا أن يهتدي الكثير من المواطنين في الجزائر إلى حلول غريبة لأجل حل البعض من مشاكلهم أو على الأقل التخفيف منها، ومن أهم المشاكل التي تؤرق الكثير من العائلات الجزائرية، مشكلة ضيق مساكنها، خصوصا تلك المتواجدة في الأحياء الشعبية أو الأحياء الموروثة عن الفترة الاستعمارية التي قد لا تحتوي إلا على غرفتين ومطبخ أو ثلاث غرف ومطبخ على أقصى تقدير، بالإضافة إلى بعض الأحياء الجديدة نسبيا التي تم توزيعها خلال السنوات القليلة الماضية في إطار حرص الدولة وجهدها المتواصل لأجل القضاء على أزمة السكن في الجزائر وخاصة في العاصمة التي تعرف كثافة سكانية عالية جدا، تجعل الطلب على السكن فيها متزايدا، الأمر الذي حول الكثير من أرباب العائلات إلى مهندسين معماريين، خربوا أحيانا وأبدعوا أحيانا أخرى في تغيير تصاميم منازلهم، وتحويلها عن الشكل الذي كانت عليه في السابق، وعليه فلم يعد بالغريب أن تلاحظ في عمارة واحدة منازل يختلف تصميم كل منها عن الآخر، رغم أنها في البداية قد أعدت كلها وفق تصميم واحد متشابه، إلا أن احتياجات كل عائلة، ومتطلبات أفرادها دفعتهم إلى التغيير فيها تبعا لما يحتاجون إليها. وليس الحديث هنا عن بعض التحسينات التي تتعلق بتغيير البلاط أو تغيير طلاء الجدران، أو إضافة بعض الرفوف والخزائن الجدارية، أو تغيير شكل غرفتي الحمام أو المطبخ باقتناء أحواض استحمام أو غسيل للأواني تختلف باختلاف أذواق كل عائلة وقدرتها الشرائية، وإنما الحديث يتعلق بتغيير جذري لشكل البيت، وحذف المطبخ وتحويله إلى غرفة، أو إلغاء الحمام وإلحاقه بغرفة أخرى، أو حتى تحويل الشرفة أو »البالكون« إلى غرفة إضافية كذلك، أو امتداد لغرفة الصالون، وقد يصل الأمر أحيانا أخرى إلى بناء غرفة إضافية كاملة بكل ما فيها داخل غرفة ثانية تكون في غالب الأحيان غرفة المعيشة أو غرفة الجلوس التي غالبا ما تكون الغرفة الأكبر في المنزل. وما دفعنا لتسليط الضوء على هذا الموضوع هو قيام عائلة بإحدى نواحي العاصمة، ببناء غرفة داخل صالة الجلوس هربا من الضيق ولإتاحة الفرصة للأب لإعادة الزواج، ولأن المنزل في السابق كان يحتوي بالأساس على ثلاث غرف ومطبخ بالإضافة إلى الحمام، فقد كان من المستحيل أن يجد الأب مكانا يعيد الزواج فيه مرة أخرى بعد وفاة زوجته، حيث أن الابنين الكبيرين أخذا الغرفتين، فيما بقيت غرفة الجلوس خاصة بالأبناء وبالضيوف، وعليه اهتدت العائلة إلى فكرة بناء غرفة إضافية داخل المنزل، وإن كانت حلت المشكلة، فإنها ضيقت المنزل أكثر فأكثر، ولم يعد هنالك مكان لاستيعاب شخص آخر زائد عن عدد أفراد العائلة التي هي بالأساس كثيرة العدد، ومع ذلك ولأنه منزل الأب ومنزل العائلة، فإن الضيوف من البنات المتزوجات والأحفاد دائمو التواجد فيه، وقد استطاعت العائلة كلها التأقلم مع الوضع تدريجيا. عائلة أخرى والتي تسلمت منزلها قبل نحو عشر سنوات في إطار السكنات الاجتماعية بعد أن تم ترحيلها من المساكن الفوضوية، فقد كان الأمر معقولا في منزل يتكون من ثلاث غرف ومطبخ بالإضافة إلى شرفة واسعة، ولكن بعد أن كبر الأبناء الذكور الثلاثة، صار الأمر معقدا، حيث قرر كل منهم الزواج، ولأن البنات الثلاث تزوجن، فقد قرر الأبوان استغلال غرفة الصالون لهما، ومنحا كلا من الابنين الأكبر والوسط الغرفتين، إلا أن الأصغر منهم والذي بلغ الخامسة والعشرين تقريبا، صار يطالب هو الآخر بغرفة منفردة، ولم يتقبل فكرة أن ينام مع والديه، وعليه اهتدت الأسرة إلى إلغاء المطبخ وتحويله إلى غرفة له، فيما حولوا الشرفة إلى مطبخ، أما غرفة الحمام فقد ألغيت كلية وألحق مكانها بغرفة الابن الثاني كي تزداد اتساعا، فيما تم إجراء بعض التعديلات الصغيرة على ما تبقى من غرفة الحمام لتكون كافية لاستحمام العائلة. ويبدو أن اتجاه العائلات الجزائرية إلى هذا الحل يعتبر بالنسبة إليهم الحل المناسب خاصة في ظل ارتفاع أسعار الكراء واستحالة اللجوء إلى تشييد المنازل الفوضوية مستقبلا.