يرى عدد من الخبراء أن أزمة الأورو لن تؤثّر على بلادنا بشكل عاجل بفضل احتياطات الصرف من العملة الصّعبة، حيث لن يكون للأزمة المالية التي تعرفها بلدان أوروبا الجنوبية أثر فوري على الاقتصاد الوطني بالنّظر إلى البحبوحة المالية التي تتمتّع بها الجزائر، حيث أنه لا خوف على الجزائر من تداعيات هذه الأزمة حاليا، إلاّ أن انعكاساتها السلبية يبدو أنها ستكون أكيدة على المدى المتوسط· ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن بعض الخبراء تأكيدهم أن الأزمة الأوروبية ستساهم أيضا في رفع فاتورة الواردات الجزائرية والتقليص من صادرات المحروقات والحدّ من الهجرة نحو أوروبا وعرقلة المفاوضات حول مراجعة رزنامة التفكيك الجمركي بين الجزائر والاتحاد الأوروبي· ** ثلاثة مستويات من التأثير في هذا الإطار، ذكر الخبير الاقتصادي الدولي المعروف أرسلان شيخاوي أن أثر الأزمة الأوروبية على الجزائر يمكن أن يكون ملموسا على المديين القصير والمتوسط على ثلاثة مستويات: انخفاض مداخيل المحروقات جرّاء تراجع استهلاك الطاقة في أوروبا وتشديد الإجراءات على تدفّق الهجرة وفي الأخير زيادة الصادرات الأوروبية نحو بلدان الضفّة الجنوبية من المتوسط ومنها الجزائر· وأضاف ذات الخبير أنه (وبسبب سياسات التقشّف التي اعتمدتها البلدان المتضرّرة من الأزمة فإنه من المحتمل أن يكون هناك انخفاض لاستهلاك الطاقة في تلك البلدان، ممّا سيكون له أثر مباشر على صادراتنا من الغاز، وبالتالي على مداخيلنا)، مستبعدا في ذات الوقت إمكانية تسجيل انعكاسات فورية لتلك الوضعية· كما أكّد أن وضعية تنقّل الأشخاص بين ضفتي المتوسط ستتأثّر هي الأخرى من تلك السياسات (التقشّف) التي (ستكون لها بالتأكيد آثار ليس فقط على الاستهلاك الداخلي وإنما أيضا على التشغيل، ممّا سيدفع البلدان الأوروبية إلى اتّخاذ إجراءات للحدّ من ارتفاع نسبة البطالة التي زادت حدّتها جرّاء ظاهرة الهجرة)· وتابع السيّد شيخاوي يقول إن البلدان الأوروبية (ستقوم بتطوير علاقاتها التجارية أكثر فأكثر مع بلدان الضفّة الجنوبية من المتوسط، سيّما مع تلك التي تتوفّر على احتياطات مالية معتبرة على غرار الجزائر بهدف تنشيط الآلة الصناعية لديهم)· وتعدّ بلدان الاتحاد الأوروبي أهمّ الشركاء التجاريين للجزائر بنسبة 51 بالمائة من الواردات و3،49 بالمائة من الصادرات سنة 2010· وتعدّ إيطاليا ثاني زبون للجزائر بعد الولايات المتّحدة متبوعة بإسبانياوفرنسا وهولندا، أمّا من حيث المموّنين فإن فرنسا احتلّت المرتبة الأولى سنة 2010 متبوعة بالصّين، إيطاليا، إسبانيا وألمانيا· ** مخاوف من تأثير كبير أمّا الاقتصادي مصطفى مقيدش ونائب رئيس المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي فقد أوضح أن الأزمة في الاتحاد الأوروبي التي قد تمتدّ إلى مجموع المنطقة (سيكون لها أثر كبير على الجزائر) وتابع الخبير يقول: (لقد دخلنا في مسار لإقامة سوق للتبادل الحرّ مع الاتحاد الأوروبي، وأن الأمور تتفاقم في الوقت الذي تنوي فيه الجزائر مراجعة رزنامة التفكيك الجمركي وذلك ليس في صالحنا لأن هوامش تحرّك الاتحاد الأوروبي تتقلّص بشكل ملموس)· ويتوقّع ذات الخبير الاقتصادي تغييرا كبيرا في الصادرات الجزائرية من المحروقات، مضيفا أن (برنامج صادراتنا من المحروقات نحو أوروبا سيّما إيطاليا وإسبانيا وبعد ذلك إنجلترا ستجد أسواقا منهكة إذا لم تعرف طريقها إلى النمو أو أكثر من ذلك إذا دخلت تلك البلدان في حالة كساد)· في ذات السياق، أبرز ذات المصدر (أن ذلك سيطرح مشكلا كبيرا لمداخيلنا من العملة الصّعبة في تلك المنطقة التي لدينا معها دوما حصص هامّة من السوق في قطاع الطاقة)· أمّا إذا استمرّت الأزمة الأوروبية فإن ذلك -حسب رأيه- سيكون له بالتأكيد أثر على باقي العالم، سيّما في آسيا، مع العلم أن الولايات المتّحدة تعرف مشكل مديونية كبيرة، مشيرا في ذات الإطار إلى أن (موقعنا كمصدر للمحروقات سيتدهور لأن أسعار البترول يخشى أن تنخفض بشكل كبير في الوقت الذي يتمّ فيه تمويل عجز الميزانية من الجباية الخاصّة بالمحروقات)، مضيفا: (يجب أن نتذكّر سنة 2008) التي عرفت فيها أسعار النفط انخفاضا حادا· وللتذكير، فإن الجزائر تموّن أوروبا بنسبة 25 إلى 30 بالمائة من الاحتياجات الغازية وذلك يمثّل 70 بالمائة من الصادرات الجزائرية، وبالتالي فهي تعدّ ثالث مموّن لأوروبا من الغاز بعد روسيا والنّرويج· ويخشى السيّد مقيدش ارتفاعا كبيرا في فاتورة الواردات الجزائرية، مشيرا إلى أن (فاتورات وارداتنا لا سيّما الصناعة الغذائية سترتفع كثيرا بفعل أثار المضاربة المنجرة عن الأزمة على الاقتصادات الحقيقية الأوروبية)· ودعا الخبير في هذا الصدد السلطات الجزائرية إلى اغتنام الفرصة لتغيير نموذج المبادلات نحو شراكات صناعية محلّية موجهة للإنتاج والتصدير، (لا سيّما وأن عوامل النّجاح - كما قال- متوفّرة حاليا)· ** مصيطفى "مطمئن"! من جهته، قال الدكتور بشير مصيطفى إنه (مطمئن) بشأن الاقتصاد الجزائري على الأقل خلال السنوات الخمسة المقبلة· وأوضح الدكتورأن (الجزائر غير مرتبطة بالبورصات والبنوك الدولية والصناديق السيادية وتتوفّر على احتياطات مالية هامّة، ممّا يمكّنها من العيش خمس سنوات بمنأى عن انعكاسات الأزمة من النّاحية المالية)، مضيفا أنه (بعد هذه المدّة ستكون الأثار واضحة)· وأشار الجامعي إلى أن الادّخار العمومي يفوق اليوم 300 مليار دولار، مضيفا أنه (بواردات سنوية في حدود 50 مليار أورو بإمكان الجزائر التصدّي خلال خمس أو ستّ سنوات)· لكن -يضيف المتحدّث- إذا استمرّت الأزمة في أوروبا فإن المؤسسات الأوروبية ستواجه مشاكل نقد حقيقية، كما أن دعم الدولة للصناعة والزراعة سيتراجع جرّاء سياسات التقشّف في حين سترتفع الضرائب لمواجهة النّفقات وستفلس عدّة مؤسسات صغيرة ومتوسطة، وقال إن هذه الحصيلة السلبية للاقتصاد الأوروبي ستنعكس على الاقتصاد الوطني بعد تراجع العرض في أوروبا الذي يؤدّي إلى ارتفاع كبير للأسعار، وبالتالي ارتفاع فاتورة الواردات الجزائرية التي ينجم أكبر جزء منها من أوروبا· وأشار الدكتور مصيطفى إلى أن (المواطن الجزائري لن يشعر بارتفاع الأسعار لأنها ستبقى مدعومة بميزانية الدولة)، مضيفا أن هذه الميزانية ستكون موجّهة نحو نفقات التسيير على حساب نفقات التجهيز· وفيما يتعلّق بالمداخيل قال الخبير إن الأزمة ستؤثّر على المدى المتوسط على الصادرات الجزائرية للمحروقات التي تمثّل 97 بالمائة من مجموع الصادرات و60 بالمائة من مداخيل الدولة، وأضاف أنه (علما بأن انخفاض واحد دولار في سعر برميل البترول يجعل الجزائر وبالتالي ميزانيتها تخسر 400.000 دولار يوميا، لذلك فإن أي تراجع في عائدات البترول يبعث على القلق)· وذكّر الخبير بالأزمات المالية الدولية المتكرّرة، حيث شهد العالم 264 أزمة مماثلة لأزمة الأورو منذ ظهور الرأسمالية في القرن ال 17، داعيا صنّاع القرار في الجزائر إلى (السعي إلى تقليص التبعية إزاء الواردات الأوروبية عن طريق مخطّط استعجالي يشجّع الإنتاج الوطني)· كما دعا المتحدّث إلى تقليص التبعية (الخطيرة) إزاء الجباية البترولية برفع جميع العراقيل أمام الصادرات خارج المحروقات من خلال إرساء على سبيل المثال منطقة حرّة على غرار المنطقة الحرّة لدبي·