انتهت السنة الدراسية وراح التلاميذ والطلبة يحتفلون بنجاحهم وتفوقهم إن نجحوا، ويستعدون لسنة صعبة وعسيرة إن لم ينجحوا، لكن في الحالتين فإن الكثير يفضل الاشتغال في الفترة الصيفية لجني بعض النقود أو حتى للترفيه، عوض تمضية الصيف والعطلة في اللهو واللعب واستغلال الوقت. »أخبار اليوم« تقربت من بعض الطلبة الجامعيين والثانويين كذلك، وحاولت أن تتحدث إليهم عن الأعمال التي يفضلون ممارستها في الصيف، إن كانوا يفعلون أصلا، فتحمس البعض لإجابتنا، خاصة هؤلاء الذين لهم تجربة، وقد عملوا في العطل السابقة، وصفوا لنا الأمر بالضروري والواجب، خاصة بالنسبة للبسطاء، والذي قد يعملون لأجل أن يغطوا مصاريف الدراسة في السنة المقبلة، أو على الأقل يكسبون نقودا تمكنهم من الخروج والتفسح، وإمضاء عطلة صيفية تشبه تلك التي يمضيها باقي التلاميذ، قال لنا فؤاد، 22 سنة، والذي يدرس بجامعة دالي إبراهيم، إنه وفي كل صيف، بل قبله بقليل يبحث في العروض التي تمنحها بعض الجرائد للراغبين في العمل، وقد وفق السنة الماضية في الاشتغال في ميدانه، أي كلّ ما يتعلق بالتجارة، وكان ذلك في مؤسسة خاصّة، وهو أمر أسعده كثيرا، وينوي أن يفعل ذلك هذه السنة كذلك، خاصة وأن الشركة التي عمل بها توظف عمالا بداية كلّ صيف، وبما أنهم أعجبوا بعمله وأدائه، فإنهم لا شك لن يرفضوا توظيفه، وهي فرصة رائعة، يصفها فؤاد، فمن جهة هو قادر على جمع بعض المال، والذي سيساعده حتما على شراء الكتب التي تساعده في دراسته، وفي المطالعة كذلك، ومن جهة أخرى، فإن العمل ينصب في اختصاصه، وهو الأمر الذي يجعله يكتسب خبرة لا بأس فيها، ولا يُضطّر بعد أن يتحصل على الشهادة العليا أن يتربص في شركة ما. وإن كان فؤاد قد تمكن من أن يجد عملا يساعده في حياته ومستقبله، فإن آخرين لم يجدوا مثل تلك الفرصة، واضطروا، ورغم أنهم يحضرون إلى شهادات عليا، من أن يعملوا في وظائف حقيرة، أو بالأحرى صغيرة، لكنّ البعض لا يصفها لنا على أنها كذلك، فيقول لنا بسام، 23 سنة، طالب في المدرسة الوطنية للعلوم الدقيقة، يقول لنا إنّ الأمر لا يعدو أن يكون عملا مؤقتا، وهو ما يجعله وزملائه يصبرون عليه، ولا يفكرون إلا في أنهم سيحصلون آجلا أم عاجلا على الشهادة العليا، ولن يكون هذا التعب كله والشقاء إلاّ مرحلة عابرة، ستزيدهم كفاحا واستمرارية، حيث يقول لنا بسام والذي يشتغل كنادل في مطعم، إن العمل وإن بدا غير مفيد، أو لن يُكسب خبرة كبيرة في الحياة، فإنه بالعكس من ذلك سيشجعه ويجعله يتمسك بدراسته، وبالاستمرار فيها، وهو ما حدث معه حتى الآن، حيث أنه تعلم الكثير من المهن المتواضعة التي مارسها بالموازاة مع دراسته، ويقول لنا عنها جميعها، إنها مهن تعلم الأشخاص الكثير، بل إنها قد تساعد حتى في الدراسة والتعامل مع الأشخاص، وإن بدا الأمر للبعض صعبا، فإنه يكفي أن يعتاد الشخص على العمل، خاصة في العطل الصيفية، حتى يألفه، ويصبح قادرا عليه، وهذه »عليا« من جهتها تحكي لنا أنه لم يمر عليها صيف، منذ أن انتقلت إلى الجامعة، إلاّ واشتغلت فيه، وذلك لاقتناعها بضرورة مساعدة عائلتها التي تحتاج إلى مصاريف كثيرة لتغطية كل حاجيات الأسرة الكبيرة، من أمها ووالدها وإخوتها الصغار، والذين ترجو أن لا يعملوا قبل أن يبلغوا سنا معينة، لهذا تحرص هي ووالدها الذي لا يجني إلاّ أموال التقاعد، لا تريد لهم أن يشقوا قبل سن الهموم، وأن يركزوا على دراستهم بشكل أكبر لأنهم، وإن أحسوا بنقص ما، لا بد سيتجهون إلى العمل، وهو الشيء الذي لم ترده لهم »عاليا«، بل تريد لهم مستقبلا زاهرا، لكنهم، تضيف مازحة، ما إن يتجهوا إلى الجامعة ستجبرهم على العمل لأن العمل في النهاية هو تربية للفرد، ويجعل الإنسان قادرا على تحمل المسؤولية، ويستطيع بالتالي أن يُتكل عليه في المستقبل، وزادت عاليا التي تعمل كنادلة هي الأخرى في مطعم شعبي، قالت إن ما يهمها أكثر هو أن العمل المحترم يوفر لها إمكانية إنهاء دراستها دون أن تحتاج إلى مساعدة من أحد. ولا يقتصر الأمر على الطلبة الجامعيين بل حتى التلاميذ في مختلف المراحل وحتى المتوسطة، يقومون بالأمر نفسه، حيث يشتغلون في العطل الصيفية، بعضهم بلغت بهم الحاجة أن يفعلوا ذلك، وآخرون يتأثرون بالكبار، ويحاولون تقليدهم حتى في العمل، مثل عمر، الطفل المراهق صاحب الثالثة عشرة سنة، والذي يدرس في القسم الثاني من المرحلة المتوسطة، راح يعمل عند عمه في محل لبيع المواد الغذائية العامة، وكانت الفكرة فكرته، أي أنه كان في البداية يساعد عمه بعد أوقات الدراسة، إلى أن قرر أن يشتغل معه، على الأقل في الفترة الصيفية، وهو ما حدث فعلا، وظل كذلك ثلاث سنوات كاملة، ويقول لنا عمه عنه إنه ولد عنيد يحب أن يفعل كل شيء لوحده وأن يتشبه بالكبار، وهي خاصية جميلة، خاصة وأنه، يضيف عمه، لم يهمل دراسته، بل بالعكس من ذلك فإن النتائج التي يحصل عليها عادة ما تكون ممتازة ورائعة، وهو الأمر الذي جعله لا يمانع من أن يشغله معه، ولم يكن عمله يتعدى المساعدة، فإنه قرر بعدها أن يمنحه أجرا عليها، ويساعده ويساعد أسرته على توفير بعض المصاريف التي سيحتاجونها حتما مستقبلا، كما أضاف لنا عمّ عمر أنه مطمئن الآن على الأقل على صنعته، على أنّ محله لن يضيع في المستقبل، ويوجد من سيتولى تسييره من بعده، وهو الأمر الذي سيريحه إلى حين. أمّا أطفال آخرون فإنهم يضطرون فعلا إلى العمل في الصيف، وحتى بعد ساعات الدراسة في المساء، وقد يتوقفون عن الدراسة أو يغيبون أياما، أو يهملونها تماما لأجل العمل، خاصّة إذا كان ضروريا، وهو ما فعله مراد، حيث أنه ضيع سنتين من مسيرته الدراسية بسبب العمل، حيث حاول التوفيق بين الاثنين، لكنه لم يقدر، أو على الأقل وجد صعوبات كثيرة بحيث أضاع سنتين من مسيرته الدراسية، لكنه لم يندم على ذلك، خاصة وأنه كان مضطرا إلى العمل، إلاّ أنه، مع ذلك، حاول وجاهدا على أن لا يضيع سنوات أخرى، وهو ما فعله، بحيث أكمل مشواره الدراسي، إلى أن وصل إلى الجامعة دون خطأ. لكن جميع من صادفناهم من طلبة وتلاميذ أكدوا لنا أنّ العمل في الصيف، ولو أنه متعب ويجعل بدن الإنسان يرهق، ويتعب، إلاّ أنّ كل شيء يهون، خاصة وأنهم ينتظرون مستقبلا أفضل، وشهادة من شأنها أن تفتح لهم أبواب الشغل المحترم واسعا، وفي انتظار ذلك، لا بأس من أن يعمل المقبل على شهادة الليسانس على عمل متواضع ومرهق، خاصّة إن كان عملا يتعامل فيه مع الناس، فيأخذ منهم، ويتعلم أشياء قد لا تتاح له الفرصة في المدرسة الجزائرية لتعلمها.