دخل الأطفال في عطلتهم الصيفية، والتي يختلفون في تقضيتها، بعضهم يفضل شاطئ البحر، والبعض الآخر الرحلات إلى الغابات، أو حتى المخيمات الصيفية، وقد تكون العطلة عند البعض الآخر، ممن لا يملكون الإمكانيات، مرادفا للمكوث بالبيت. وقد صار الكثيرون لا يفضلون الرحلات والمخيمات ولا حتى اللعب والخروج، بل عوضوا كل ذلك بألعاب الفيديو، حيث راحوا يقبلون على قاعات الألعاب الالكترونية، ويمضون فيها ساعات النهار وجزءا من الليل، ولا يخرجون منها إلاّ وقد استنزفوا من طاقتهم ووقتهم ومالهم الكثير. هو الحال بالنسبة لربيع، الطفل صاحب الثانية عشرة سنة، والذي تحكي لنا أمه عنه وتقول: »لقد صار ابني، وبعدما أضاع سنته الدراسية بسبب تلك الألعاب اللعينة صار لا يخرج من قاعات الألعاب، فلا يخرج إلى البحر، ولا إلى زيارة العائلة، ويرفض حتى أن يلعب الكرة مع أصدقائه كما اعتاد أن يفعل قبل أن يتعرف على تلك الألعاب، وعوض ذلك صار يلعب بالكرة عبر شاشات التلفزيون وإنه لأمر محير فعلا، وقد كنت السبب في تعلقه بتلك الألعاب، إذ أنني اشتريت له مرّة لعبة »بلايستايشن«، ولم يكن يعرف حتى التعامل معها، فراح يتعلق بها شيئا فشيئا حتى صار لا يتركها، بل إنه كان لا ينام، ويبقى ساهرا يلعب بها، ثم ينهض في الصباح الباكر ليلتحق بالمدرسة، ويفقد تركيزه وتفكيره، فقد استحوذت عليه في البيت وفي المدرسة كذلك، وعندما أردت معالجته من سحر تلك اللعبة منعتها عليه، فصار يتجه إلى تلك القاعات التي توفر ألعابا للأطفال، والتي صارت تستنزف ماله ووقته، فقطعت عليه النقود، لكنه صار، وكما قال لي بعض أصدقائه، صار يُقمر على اللعب، أي أنّه ما إن يربح حتى يطلب من الخاسر أن يدفع له نقودا يلعب بها وهكذا، ومع بداية الصيف اقترحت على ابني أن يقضي بضعة أسابيع في مخيم صيفي، إلاّ أنه رفض، والحجة أنه لا يستطيع التخلي عن جو اللعب والمنافسة في قاعة الحي، ولم أجد من حل أمامه إلا أن أتركه على تلك الحال، عله يمل تلك الألعاب يوما«. وقصدنا بعدها قاعة لألعاب الفيديو، ورحنا نراقب بعض الأطفال الذين كانوا مركزين على شاشات التلفزيون، قبل أن نقترب من المشرف سليم ونحادثه في الموضوع، فاخبرنا أنّ عدد الأطفال الذين يقدمون إلى قاعته يتكاثر يوما بعد يوم، وفي مدة قصيرة صار له زبائن دائمون يمضون النهار كله فيها، حتى أنهم صاروا لا يتحدثون إلا عن تلك الألعاب، وأصبحوا يحيون فيها، وتركوا كل شيء من أجلها، حتى أنهم صاروا يفضلون ألعاب كرة القدم عوض اللعب بالكرة فعلا، وهو أمر تختلف درجته من طفل لآخر، ويضيف سليم قائلا: »لكن يجب كذلك أن ننظر إلى بعض الإيجابيات، وهي أنّ هذه الألعاب ستجعل الطفل لا يتجه إلى أمور أخرى أخطر كالتدخين، أو حتى المخدرات، أو أشياء أخرى كثيرة، فهي ستلهيه عن كل تلك الآفات، وتجعله مع الوقت هادئا، وإن كان الاعتدال مطلوبا طبعا«، قمنا بسؤال سليم عن الأطفال الأكثر تعلقا بتلك الألعاب، والذين لا يفارقونها، فقصّ علينا حكاية رياض، الفتي صاحب الرابعة عشرة سنة، والذي بلغ من تعلقه بتلك الألعاب أن صار لا يخرج من القاعة، وأنه صار يلعب بشكل رهيب، حتى أنه، يضيف سليم، وإن دخل منافسة دولية أو قارية، فسيفوز حتما بالجائزة الأولى، وفي كل الألعاب كذلك، وقد شوقنا سليم بالتالي لكي نتحدث إلى رياض، وفعلا فقد وجدناه منكبا على لعبة سباقات السرعة، قال لنا إنه يحب الألعاب ويجدها أفضل أحيانا من الواقع، فهو يفضل أن يلعب لعبة كرة القدم على أن يمارسها فعلا، خاصة وأن الحي لا يتوفر لا على ملاعب ولا شيء، وفي اللعبة يختار الملعب الذي يريده والفريق الذي يفضله، وبإمكانه كذلك أن يقوم بحركات لا يمكنه القيام بها حقيقة، كما يقول لنا رياض إنه يحب كذلك ألعاب السباقات، فهو الذي لا يستطيع التحصل على رخصة سياقة بإمكانه أن يقود السيارات الأكثر خطورة دون أن يخشى شيئا، كما لم يخف علينا رياض كذلك ولعه بألعاب المغامرات المثيرة، والتي يجسد فيها أدوارا مختلفة، تجعله يعيش ما لا يستطيع أن يعيشه في الواقع، وهو ما يعجبه في تلك الألعاب التي تعتمد على الخيال خاصّة، وفي الألعاب الالكترونية عامة. أما الطب فله نظرته هو الآخر في تلك الألعاب، حيث تحدثنا إلى ت.م وهو طبيب نفسي، قال لنا إنّ الأطفال في سن معينة بحاجة إلى الحركة وإلى اكتشاف بعض الأمور، فإذا بقي فكره محصورا في ألعاب الفيديو وجسده مقابلا لشاشة التلفزيون فإن ذلك سيؤثر على نموه، وسيجعله يختلف عن باقي الأطفال، هذا إن لم يسبب له تأثيرات جانبية على صحته وبدنه مستقبلا.