بلغت درجات الحرارة في الأيام القليلة الماضية أعلى مستوياتها، على الأقل هذه الصائفة، ما جعل المواطنين يتهافتون بكثرة على شواطئ البحر، كلّ واحد فيهم يحاول التمتع والاستمتاع ما أمكنه بحرارة الصيف وزرقة مياه البحر ودفء الرمال. لكنّ تلك المتعة قد تفسدها تصرفات وطبائع بعض المواطنين الذين لا ينتبهون أو يتناسون أنهم يتقاسمون الشاطئ مع آخرين، وعليهم بالتالي احترام الغير والالتزام بالآداب العامة، وهو ما لا يفعلونه، بل إنهم، وبالعكس من ذلك، قد يدافعون عن تلك التصرفات، ويعتبرونها عادية، مثل بعض الذين يحضرون مسجلات ومكبرات صوت إلى الشواطئ، ويُطلقون العنان للموسيقى الأكثر صخبا ومجونا، ثم يتعذرون بأن الشاطئ ملك الجميع، وأنه يحق للجميع أن يفعل ما يحلو له فيه، وهو الأمر الذي لاحظناه ما إن دخلنا الشاطئ المعروف تحت اسم »بالومبيش«، والذي تحسب أنه نادي رقص من كثر ما تسمع أصوات الموسيقى تنبعث من هنا وهناك، حتى أن بعضها تمتزج ببعض فتخلق أصواتا مزعجة بشعة تصمّ الآذان، وقد كان بعض المواطنين خاصة الذين يزورون الشاطئ لأوّل مرة، يتذمرون من الأمر، لكنهم كانوا يفضلون السكوت، لأنهم يعلمون مسبقا الإجابة، إلاّ أنّ البعض الآخر، لم يستطع الصمت أمام الوضع، وراح يخلق بالتالي شجارات لا بد أنها تتكرر عشرات المرات في اليوم الواحد، مثل الصادق الذي وجدناه يتعارك مع مجموعة من الشبّان كانوا يستمعون إلى الموسيقى من مسجلتهم الضخمة، كانت موسيقى هابطة، فيها من الكلمات الحقيرة ما يجعل الأشخاص حتى الأكثر مجونا يتحفظون منها، فما بالك بالصادق والذي كان رفقة زوجته وأولاده، وكانوا يقضون أوقاتا ممتعة إلى أن جاء هؤلاء الشبان يحملون مسجلتهم، التي راحت تدوي عاليا، وبقوا على تلك الحال، رغم أنهم شاهدوا ولاحظوا الأسر التي كانت تحيط بهم، ويعرفون جيدا أنّ العائلات قد تتحفظ من تلك الأغاني، إلاّ أنهم مع ذلك راحوا يرفعون من صوت مسجلتهم، بل إنهم زادوا على ذلك بأن راحوا يضحكون ويصرخون ويرفعون من أصواتهم لتمتزج بصوت المسجلة، وتنتج صوتا مزعجا لم يتقبله لا الصادق ولا باقي الأسر. تصرفات تخلق شجارات بين المصطافين! قال لنا صادق إنه طلب وبكل أدب واحترام من هؤلاء الشبان، أن يخفضوا من صوت مسجلتهم، لكنهم لم يفعلوا، بل إنهم سخروا منه، ومن تخلفه، كما وصفوه، فلم يحتمل الصادق الأمر، وثار في وجه هؤلاء الشبان، وصفع أحدهم، فدخل الاثنان في شجار وانضم إلى الشاب صديقه وإلى الصادق بعض المواطنين الذين لاحظوا بداية الشجار، وفضلوا الوقوف إلى جانب الصادق لأنهم أعطوه الحق، واستمر الأمر دقائق قبل أن يحمل الصادق أغراضه ويقرر تغيير المكان، لكنه يقول إنه يعرف أنه قد يلاقي في مكان وفي شاطئ آخر، ما يجده مع هؤلاء الشبان، بل إنه قد يعثر على أسوأ منهم، فالذهنيات، يقول لنا الصادق بتحسر، تغيرت، وصرنا في زمن لا يحترم فيه الناس بعضهم البعض، وهو أدنى شيء يمكن أن يفعلوه مع بعضهم البعض، ولم يكن يتحدث إلى هؤلاء الشبان، لو أنهم، على الأقل، كانوا يستمعون إلى موسيقى هادئة أو محترمة أو غربية لا تفهم كلماتها، بل إنّ النوع الموسيقي الذي كانوا يستمعون إليه لا يمكن بحال من الأحوال أن يقبله إنسان يكون برفقة أسرته، وهو الأمر الذي دفعه إلى التحدث إليهم ونهرهم. فتيات يتعرضن للمضايقات والتحرش ليس الصادق الشخص الوحيد الذي أبدى استياءه من الأمر، بل إنّ الكثيرين لم يعتادوا بعد على هذه التصرفات المشينة، والتي تخرج عن الأخلاق والمبادئ، حيث تحكي لنا سعاد أنّ بعض الأشخاص لا يزعجون الآخرين بموسيقاهم فقط، بل إنهم يستعملونها في مضايقة الفتيات، حيث أنها كانت مرّة مع ابنتها صاحبة السابعة عشرة سنة، وكانت تجلس بهدوء قبل أن يجلس بالقرب منهما شابان، وضعا المسجلة أمامهما، وراحا يستمعان إلى الموسيقى، وكانا يضعان موسيقى رومانسية، قبل أن يلتفتا إلى ابنتها، ويحاولان معاكستها، ورغم أن الفتاة، تحكي لنا سعاد، لم تنتبه إليهما، ولم تعرهما أي اهتمام، إلاّ أنهما ظلا على تلك الحال، بل إنهما راحا يرفعان من صوت المسجلة، كما لو أنهما يحاولان جلب الاهتمام، إلى أن صار حضورهما وصوت مسجلتهما مزعجا، فطلبت سعاد منهما أن يخفضا من صوتها، وشدّدت لهجتها حتى يخجلان من نفسيهما، لكنهما زادا تعنتا، بل إنهما استغلا الأمر للتقرب منها ومن ابنتها، فما كان منها، تضيف سعاد، إلى أن نهرتهما، وراحت تتشاجر معهما، حتى فك المواطنون بينها وبينهما، وتقول لنا سعاد عن الحادثة إنها ليست الأولى من نوعها، فقد وقعت لها حوادث مشابهة في الكثير من المرّات، مع أشخاص، تصفهم سعاد، لا حياء لهم ولا حشمة، وهو الأمر الذي جعلها لا تدخل الشاطئ إلاّ مع زوجها، رغم أنها تسكن بالقرب منه، وزوجها يعمل طيلة أيام الأسبوع، أي أنه لا يستطيع مرافقتها إلاّ في مرّات نادرة، لكن وبما أنها تتعرض إلى مضايقات كلما ذهبت بمفردها أو مع ابنتها إلى البحر، فإنها تفضل ألاّ تفعل. كما أنّ الظاهرة التي استفحلت مؤخرا في بعض الشواطئ هي ظاهرة الديجيات الذين يقومون بالتنشيط، أي أنهم يحتلون ركنا من الشاطئ، ويحولونه إلى مكان لبعث الموسيقى الصاخبة، مرفقة كذلك بالإهداءات، وهو الأمر الذي، وإن اعتاد عليه الكثيرون، إلاّ أنه أحيانا يتجاوز حدوده، ويصبح مزعجا بل ومثيرا للمشاكل والعداوة. وإزعاج الديجي لا حدود له حدث مرة لمراد أنه ارتاد شاطئا رفقة خطيبته، واختارا مكانا وجلس فيه معها، وكان بالقرب منهما »ديجي« نصب طاولة ووضع عليها كل الأدوات الموسيقية التي يمكن بها أن ينشط الشاطئ، وكان بالإضافة إلى ذلك يقدم خدمة الإهداء للمصطافين، وهو ما جعل المواطنين يقدمون إليه، ويطالب كل منهم بإهداء أغنية ما إلى صديقته أو صديقه أو فرد من عائلته أو حتى شخص لا يعرفه ويود التعرف عليه وهكذا، ولم ينزعج مراد لا من الديجي ولا من الموسيقى التي كان يضعها، لكنه تفطن مع الوقت أنّ الشاب الديجي وبواسطة الإهداءات التي كان يرسلها كان يغازل خطيبته وكان يبعث لها برسائل مشفرة، كانت تفهمها، ولكن مراد كان غافلا عنها. ولم يتفطن للوضع إلاّ بعد أن لاحظ تجاوب خطيبته مع الموسيقى وحرصها على سماع كل الإهداءات التي كان يرسلها الشاب، وعندما أمعن مراد من جهته الاستماع إليها أدرك أن الكثير من تلك الإهداءات ما هي إلا دعوات من الشاب الديجي لخطيبته على أن تتركه وترافقه، فمن بين ما كان يقول الديجي إن الأغاني موجهة للفتاة السمراء، ثم التي تلبس اللون الأحمر، وصاحبة العيون الزرقاء وهكذا، بل إن وقاحته بلغت أن كاد يتهجم عليه شخصيا، حيث يقول بين الإهداء والآخر، انصح الفتاة أنّ تترك ما بيدها لتلفت إلى خير منه، كما كانت الأغاني التي راح يهديها لها خير دليل على أنّ نيته لم تكن حسنة، ولم يحتمل مراد بعدها الأمر فتهجم على الشاب الديجي وبادله الآخر الهجوم، بين ملاسنات كلامية، ثم تطور الأمر إلى تعارك بالأيدي وهكذا، لكنّ الشيء المحقق، يقول لنا مراد، إنّه فارق خطيبته تلك التي استجابت لتلك الإهداءات والغزل، وكانت ستدخل مع الشاب في علاقة مشبوهة، لو أنه لم يتحدث إليها، ولم يتفطن للوضع. من بين ما أدهشنا هي تلك الموسيقى التي يختارها بعض »الديجيهات«، ليست فقط موسيقى صاخبة وماجنة وكلماتها رديئة، بل قد تكون موسيقى شواذ، حيث يتغنى المطرب الرجل بآخر، ويستعمل كل الكلمات التي تعبر عن علاقة شاذة، وعن فساد أخلاق ما بعده فساد، هذا بالإضافة إلى بعض العبارات المشينة والسيئة، والتي تطلقها حناجر مبحوحة تصور لك الكباريهات وما يحدث بها من مجون بأدّق التفاصيل، كما لو أنّ المغني يحاول أن ينشر طريقة عيشه الفاسدة ويشهر بها وبرفاق السوء الذين يصاحبهم، والذين أغلبهم من المخنثين واللصوص والمجرمين، كل هذا يروج له بعض الشباب الديجي، ولا يستحون من أن يبثوه على الملأ وعلى مسمع من العائلات والأسر المحترمة التي تتحفظ بشأنه، يقول لنا السعيد، إنه كان مع أسرته عندما وصلته بعض الموسيقى الحقيرة المحرضة على المجون والعبث، ولم يصدق الأمر في البداية، وأن الوقاحة قد تبلغ بالبعض أن يفقد احترامه للعائلات ولحرمتها وأن يسمح لنفسه بأن يضع تلك الموسيقى، ولما تحدث إلى الديجي قال له بأنّ هذه الموسيقى هي على الموضة، وأنّ الجميع فرح بها ويستمع إليها بسرور إلاّه!. كما قال نبيل الشاب الجامعي الذي قدم رفقة أمه إلى الشاطئ حتى يستمتع بالهدوء والسكينة، إنه فوجئ بموسيقى ماجنة تنبعث من مكبرات مسجلة »ديجي« كان يضع طاولة في الشاطئ، وكانت الموسيقى عبارة عن تسجيل لحفلة في ملهى ليلي، وكانت الإهداءات التي اعتاد هؤلاء المغنون على إرفاقها أغانيهم، كانت أكثر من الأغنية بحدّ ذاتها، وكلها كلمات فاضحة تسيء للعائلات التي كانت تنتشر على الشاطئ، وهو الأمر الذي احتار له نبيل، وقال لنا إنه كان ينتظر بين الحين والآخر أن يتحدث إلى الديجي واحد من المواطنين أو حتى الحراس، لكن لا أحد فعل، وظلّ الحال على حاله طيلة ساعات النهار، وكأن شيئا لا يحدث، والأدهى في الأمر أنّ أغلب الشواطئ صار بها ديجي يسمح لنفسه بأن يبعث بالموسيقى الأكثر جرأة ووقاحة. وقد حاولنا التقرب من سفيان، وهو ديجي كان يستمتع بالأغاني التي كان يبرمجها، ويعرضها على المصطافين، قال لنا إنه لا يبرمج الأغاني بنفسه، بل إنّ أغلبها يختارها المواطنون الذين يطلبون منه هذه الأغنية أو تلك، ويرفقوها بإهداءات إلى أشخاص، وعادة ما يطلب منه المواطنون الأغاني الرايوية والتي تحدث ضجة ونجاحا، وتكون، للأسف، أغاني بذيئة، لهذا ترى الناس لا يحتجون عليها، ولا شيء، وهو مضطر أن يلبي رغبات الجمهور.