يبلغ هوس البعض بالسيّارات إلى القيام بتصرّفات مجنونة، وما نشاهده ونسمع عنه في طرقاتنا يوميا ما هو إلاّ نتيجة لذلك الطيش والجنون، حتى أن الكثيرين نادوا بأن يرفع سنّ المترشّح لنيل رخصة السّياقة حتى تخفّ على الأقلّ حوادث السّير، لكن ماذا لو يقدم مراهق لم يتجاوز سنّ البلوغ بعد، على سرقة سيّارة وقيادتها في عمل مجنون عادة ما ينتهي بأضرار مادية وبشرية؟ هو ما يفعله البعض ممّن عشقوا جنون السيّارة، ولم يستطيعوا أن يصبروا إلى أن يتحصّلوا على رخص السّياقة، فراحوا يقومون بأعمال أقلّ ما يقال عنها إنها مجنونة، حيث ينتهزون فرصة تغيّب الأب أو الخال أو صاحب السيّارة ليستولوا على المفاتيح ومن ثمّة يقودوا السيّارة إلى وجهة عادة ما تكون مجهولة، قبل أن يحدثوا في الغالب حوادث قد تكون ذات أضرار جسيمة ويتسبّبوا في خسائر مادية وبشرية لهم ولباقي البشر. »بوعلام« قصّ علينا كيف سرق ابنه صاحب السابعة عشر سنة سيّارته، وهي سيّارة رياضية كان يعلّمه بها على قيادتها في المساحات العامّة والغابات، وذلك قبل أن يفكّر الابن في محاولة القيادة بنفسه، حيث أفاق في الصباح الباكر وأخذ المفاتيح من جيب سترة والده وانطلق بالسيّارة، وهو لا يملك حتى رخصة السّياقة، وعندما أفاق "بوعلام" ولم يعثر على السيّارة لم يجد أمامه سوى الانتظار وترقّب ما سيحدث. أما الابن والقاطن في بلدية بن عكنون، فقد ذهب إلى الأبيار، ثمّ إلى الجزائر الوسطى، واتّضح فيما بعد أنه ذهب لملاقاة صديقته، لكنه وقبل أن يصل إليها تعرّض لحادث مرور بعدما أخطا في اختيار الطريق السليم وحاول تصحيح الخطأ في آخر لحظة، لكن سيّارة كانت قد سبقته وصدمته بالتالي، وعندما خرج السائق الثاني ليرى أثار الاصطدام فرّ الابن أو حاول ذلك، حيث وصل إلى بلدية عين البنيان، حيث ألقي عليه القبض هناك، فاعترف بكلّ شيء وروى ما وقع له. أمّا الأب فقد صار أكثر حرصا على ابن يسرق سيّارة ويخرج بها إلى الشارع، دون أن يكون قادرا على القيادة بشكل جيّد، ودون أن يحصل على رخصة للقيادة. ويضيف "بوعلام" قائلا: »لا بد أن أصبح أكثر مراقبة لابني الذي أدركت منذ تلك الحادثة أنه غير طبيعي، أو على الأقلّ فإن الأفكار التي تأتيه في رأسه قد تكون خطيرة، وهو مزاجه منذ أن كان صغيرا، فهو يحبّ المغامرات والمجازفة في كلّ شيء، وإن كانت تلك المحاولات في السابق عبارة عن ألعاب أطفال إلاّ أنني تأكّدت من أنه حمل مزاجه هذا معه حتى في كبره، وها هو اليوم يقدم على تصرّف هو أقرب إلى تصرّف المجانين منه إلى العقلاء، وأفكّر منذ اليوم فصاعدا في ألاّ أتركه يقود السيّارة حتى وإن تحصّل على رخصة القيادة، إذ بإمكانه أن يحدث كارثة إذا بقي على مزاجه الغريب هذا«. وإن كان ابن »بوعلام« قد تلقّى على الأقلّ بعض الدروس في القيادة، فإن »سفيان« صاحب الرّابعة عشر من العمر، لم يتعلّم إلاّ من مشاهدته لأبيه وهو يقود السيّارة من حين إلى آخر، ومحاولة تقليده في مرّات متباعدة، إلاّ أنه مع ذلك ظنّ أن الأمر سهل وأراد أن يجرّب بعد أن حثّه أصدقاؤه على ذلك. ولأنه يسكن في بلدية بوزريعة، فقد كان من السّهل أن ينزل بالسيّارة إلى حيّ شوفالي، حيث التقى أصدقاءه هناك وكانوا ينوون الذهاب إلى دالي إبراهيم لولا أن أوقفهم الشرطي لأن المراهق تبدو ملامحه صغيرة، فحاول الهرب لأنه يدرك ألا وثائق له، لكنه وما إن انطلق فارّا حتى اصطدم بشجرة هشّمت جزءا من السيّارة لكنه لم يصب بمكروه. الحادثة التي أخبرنا عنها خاله الذي احتار لأمره ولجنونه بالسيّارة وهو لايزال في سنّ متقدّمة، وراح يتساءل عن مصير المراهق بعد أن يتحصّل على رخصة السّياقة، وما الذي يمكن أن يقوم به من فعل مجنون أكثر من الذي قام به، وهو حال الشباب عامّة يضيف لنا خال المراهق متحسّرا. فالجميع صار يسرع ولا يهتمّ بالغير كما لو كان وحده في الطريق، وهو الأمر الذي يتسبّب في حوادث المرور التي صارت تزرع الرّعب في طرقاتنا وتجعل السائق لا يأمن على نفسه وهو في الطريق.