صدق من قال إن العمى عمى البصيرة وليس البصر، حيث أثبت الكثير من المكفوفين مقدرتهم على التفوق والإبداع في مجالات، كان لغيرهم من الأصحاء والأشخاص العاديين إمكانيات أكبر لأجل تحقيق التميز فيها، ليبقى الفرق دائما يكمن في قوة الإرادة والتصميم للتغلب على الصعوبات وتذليلها، بغية تحقيق أشياء رآها الآخرون صعبة بل مستحيلة، ورآها المعنيون بها، مسألة وقت فقط· جولة بسيطة إلى مدرسة صغار المكفوفين بالعاشور في العاصمة، تكشف مدى إصرار من فقدوا نعمة البصر على شق طريقهم في الحياة، وبناء مستقبلهم، وتحدي كل العراقيل والصعوبات، بل والأكثر من ذلك، التفوق والنجاح، حتى ليدرك الناظر إليهم، أنه أمام أشخاص عاديين، لا فرق بينهم وبين غيرهم، يمنحون لمن حولهم كل المشاعر والطاقات الإيجابية، ولولا إدراكنا منذ البداية أننا داخل مدرسة صغار وشبان المكفوفين، لاقتنعنا أننا في ساحة مدرسة عادية، وبين تلاميذ في الطورين الأول والثاني، بمآزرهم الزرقاء والوردية ومحافظهم، وشغبهم، وأصوات مدرسيهم المنبعثة من الأقسام، هي باختصار الجولة التي قادت (أخبار اليوم) إلى ذات المدرسة، للوقوف على مدى الإمكانيات الموفرة لأجل التكفل بهذه الفئة من الأطفال على المستوى الدراسي، والإمكانيات الموضوعة لأجل تسهيل اندماجهم في الحياة الدراسية العادية، وبعدها في الحياة الاجتماعية والمهنية· السيدة (كشرود بشرى) المختصة النفسانية على مستوى المدرسة، التي قادتنا عبر مختلف أجنحتها وأقسامها، قالت إن الطفل الكفيف، لا يعني طفلا معاقا عاجزا عن التعلم أو اكتساب مهارة وخبرة مهنية في أي مجال تكويني كان، مثلما قد يعتقده البعض من الأولياء، فيحيطونه برعاية واهتمام بالغين، يميزهما الحرص والخوف الشديد عليه من السقوط أو من التعثر، والاصطدام وغيرها من الأمور، مادام أنه يفتقد لحاسة البصر، وهو أمر خاطئ تماما، ما أدى _ تضيف الأخصائية النفسانية- إلى تكريس تبعية الطفل لوالديه، حتى وإن تخطى السن الملائمة لذلك، وهو ما يلمسونه لدى بعض الأطفال الذين يتم تسجيلهم بالمدرسة، فيجدونهم جاهلين تماما لكيفية ارتداء ملابسهم أو التوجه إلى دورات المياه، وغيرها من الأبجديات الأساسية في الحياة اليومية، وعليه فإن المدرسة ومن خلال طاقمها التربوي تتولى تعليم الطفل الاستقلالية والاعتماد على الذات، بالإضافة إلى البرنامج الدراسي العادي الخاص بالطورين الابتدائي والمتوسط، وهو ذات البرنامج المسطر من طرف وزارة التربية، مع نوع من التكييف طبعا يتماشى والأطفال المكفوفين المتمدرسين، كطباعة الكتب بطريقة البراي، وتعليم الأطفال هذه التقنية، خاصة التلاميذ المسجلون بالمدرسة القادمون من مؤسسات تربوية عادية، وتستقبل المدرسة، هذه السنة 166 تلميذ، خاضعين لنظام داخلي ونصف داخلي، قادمين من العاصمة والولايات المجاورة لها، أعمارهم تتراوح بين 5 إلى 20 سنة، مسجلين انطلاقا من الأقسام التحضيرية إلى غاية السنة النهائية بالطور المتوسط، 86 منهم مسجلون بالطور الأول، و80 بالطور الثاني، 91 منهم ذكور، و75 إناث، موزعين على 19 قسما بيداغوجيا، يؤطرهم، أكثر من 30 معلما وأستاذا مختصا، بعضهم منتدب من وزارة التربية، بالإضافة إلى 20 مربيا موزعين على طاقم الليل والنهار، هذا بالإضافة إلى توفر المدرسة على 4 أخصائيين نفسانيين، طبيب عام، طبيبة أسنان، وقاعة للإعلام الآلي مزودة بالأنترنت وبنظام جاوس الخاص بالمكفوفين، إضافة إلى مكتبة ناطقة، وبلغة البراي أيضا لمجموعة هامة من الكتب تشمل مختلف الاختصاصات· وتجدر الإشارة، إلى أن كافة تلاميذ المدرسة يستفيدون من الإدماج في المدارس العادية خلال المرحلة الثانوية، كما يشرف أستاذ متخصص من مدرسة المكفوفين بالعاشور، على متابعتهم أثناء التحاقهم بالثانويات التي يتم تسجيلهم بها، عن طريق اختيار الثانوية الأقرب إلى مقر سكانهم، وحسب ذات المتحدثة، السيدة كشرود بشرى، فإن معظم تلاميذ المدرسة حققوا نتائج مشرفة للغاية، ونسب نجاح عالية بلغت أحيانا نسبة مائة بالمائة، بالنسبة للطورين الدراسيين الأول والثاني، ناهيك عن نسب النجاح المسجلة في شهادة البكالوريا وسط التلاميذ المكفوفين، الذين كانوا قد تابعوا دراستهم الابتدائية والمتوسطة بها· من جانب آخر، فإن المدرسة توفر لتلاميذها كافة الظروف النفسية والبيداغوجية، لأجل إحاطتهم بالعناية اللازمة، وتوفير الأجواء المريحة لهم لمزاولة دراستهم، ولظروف إقامتهم بالمدرسة لاسيما وأن أكثر من 127 تلميذ منهم مسجلون في النظام الداخلي، و39 بالنظام نصف الداخلي، وعليه فإن المدرسة استحدثت عدة ورشات في إطار النشاطات الترفيهية والتربوية، وتنمية الحواس، كورشات الموسيقى، المكرامي، الصوف، صناعة الطين، الطبخ، إضافة إلى مختلف الرياضات كذلك، كالجيدو، كرة الجرس، الخاصة بالمكفوفين، المسرح، البستنة، والأشغال اليدوية، إضافة إلى وجود فريق خاصة بالمدرسة ضمن صفوف الكشافة الإسلامية، وتقول السيدة (كشرود) إن فريق الجيدو الخاص بمدرسة صغار المكفوفين بالعاشور، قد حقق نتائج جد إيجابية، وحصد ميداليات عديدة، في مشاركاته المختلفة بالمنافسات الولائية والمحلية، ويستفيد التلاميذ كذلك من حصص للسباحة، على مستوى الثانوية الدولية بدرارية، إلى جانب خرجات ترفيهية وميدانية لمختلف المرافق، التي تكون عبارة عن خرجات للترفيه والتسلية، وأيضا للتعرف على العالم الخارجي، واكتشاف مختلف المرافق المهمة في المجتمع، ما يوضح مدى الرعاية والاهتمام اللذان أولتهما الدولة، ممثلة في وزارة التضامن، لهذه الفئة، بغية جعلها تدرك أهميتها في المجتمع، وقدرتها على التواصل والتعامل معه، بطريقة سهلة وعادية، مؤكدة أن العديد من تلاميذ المدرسة استطاعوا أن يحققوا نتائج مبهرة، ومنهم من تخرج بشهادات عالية، وهو الآن يدرس بنفس المدرسة التي تعلم بها، وصار زميلاً لمن كانوا بالأمس القريب جدا أساتذة له· وقالت المختصة النفسانية في هذا الإطار، إن الإعاقة ليست عائقا أبدا، شريطة أن يكون التكفل بطريقة صحيحة، منذ السنوات الأولى من العمر، بالإضافة إلى ضرورة وعي العائلة ومعرفتها لطريقة التعامل مع ابنها الكفيف، وتقبله وإدراكها أنه قادر على تجاوز كل العقبات، لأن ذلك هو أساسُ اندماجه بسهولة في الدراسة، وتعوُّده على التصرف كشخص عادي، لا يختلف عن الأشخاص المبصرين في شيء·