أثارت التحقيقات المبدئية الجارية بخصوص مجزرة الأربعاء الأسود بمصر العديد من الشكوك، ومن ثَمّ أمر النائب العام بالتحفظ على مدير الأمن ورئيس المباحث، وأظهرت التفاصيل الكاملة لمذبحة ستاد بورسعيد بعد توافر العديد من المعلومات عن الحادث، أبرزها إصرار مدير أمن بورسعيد على إقامة المباراة رغم تظاهرات متضرّري إسكان بورسعيد بمقرّ إقامة النادي الأهلي· وخلال المباراة حاول العشرات من جماهير النادي المصري اقتحام مدرجات الأهلي وأعادهم الأمن دون القبض عليهم، كما تبيّن أن الأحداث اشتعلت بعد تعليق ألتراس الأهلي لافتة كبيرة كتب عليها (بلد البالة ما جبتش رجالة)، والخطير في الأمر الذي يؤكد أن الحادث كان مدبرا هو إطفاء الأنوار ساعة وقوع المذبحة في الستاد لعدم تصوير المذبحة التي راح ضحّيتها المئات بين قتلى ومصابين· ورغم كل التحذيرات بعدم إقامة المباراة ورغم كل الأحداث التي سبقت المبارة من تظاهرات كانت وحدها كفيلة بإلغائها، ورغم محاصرة متضرري الإسكان ببورسعيد لمقرّ إقامة فريق الأهلي، إلاّ أن مدير أمن بورسعيد اللّواء عصام سمك أصرّ على إقامة المباراة، مؤكّدا أنه وضع خطّة أمنية محكمة لتأمين النادي الأهلي وجماهيره· * بداية القصّة الأليمة بدأت القصّة من محطّة سكّة حديد بورسعيد بتجمّع كثيف للأهالي في انتظار وصول قطار الجماهير، وخشية تكرار أحداث مباراة الفريقين السابقة والمعروفة بموقعة المحطّة إلاّ أن الأمن قرّر نقل الجماهير من محطّة الكاب التي تبعد عن بورسعيد جنوبا 40 كيلو مترا وسط تعزيزات أمنية مكثّفة في عدد 34 أتوبيسا و4 سيّارات أمن مركزي إلى مقر تواجدهم داخل ستاد بورسعيد، والذي دخلوه بالأتوبيسات إلى بوابة المدرج· وأدّى تزاحم مشجّعي المصري لاستيعاب المدرجات ضعف طاقتها، وكان هناك تواجد للجماهير بأرض الملعب وسط محاولات من الأمن بإخراجهم· وحدثت مناوشات بين الجمهورين كالعادة أثناء المباراة تبادلوا فيها السباب حتى أخرج - مدسوسون داخل جماهير ألتراس الأهلي - لافتة كبيرة كتب عليها (بلد البالة ما جبتش رجالة) وكأنها كانت الشرارة فبدأ تدافع بعض الجماهير من المدرج إلى أرض الملعب حاملين الشماريخ اتجاه مدرج الأهلي، والذي كانت وجوههم غير مألوفة للجميع وتمكّن الأمن من السيطرة عليهم لكن لم يتمّ القبض عليهم وتمّت إعادتهم مرّة أخرى للمدرّجات· وعندما أطلق فهيم عمر صافرة انتهاء الشوط الأوّل انطلق العشرات مرّة أخرى من المدرج الغربي اتجاه جماهير الأهلي وسط محاولة سيطرة من بعض ضباط الشرطة والأفراد والمواطنين المتواجدين في الملعب دون جدوى، وكان ذلك كفيلا بعدم إكمال المباراة التي اشتعل فيها الملعب بالشماريخ والصواريخ التي خرجت في كلّ مكان من أرجاء المدرّجات للجانبين· وبدأت جماهير الأهلي في إطلاق صيحات السباب لمدير أمن بورسعيد وضبّاطه، كما تمّ إطلاق الشماريخ اتجاه جنود الأمن المركزى نتج عنها سقوط مجنّد نقل فورا إلى مستشفى بورسعيد العام ولقي حتفه بعدها· * نهاية المباراة·· بداية المذبحة ومع إطلاق صافرة الحكم بنهاية المباراة كان هول المنظر باندفاع جماهير من المدرج الغربي بعد كسر الباب الحديدي، ممّا أدّى في البداية إلى سقوط ضحايا من جماهير المصري ناحية المدرج الغربي واندفعوا لمحاولة النيل من لاعبي الأهلي وجهازهم الفنّي لولا تدخّل بعض الجماهير لإنقاذهم وسط انسحاب غير مبرّر من جنود الأمن المركزي وتدافع لاعبي المصري وجهازهم ومجلس الإدارة لإنقاذ لاعبي الأهلي، والذي تمكّن من دخول الغرف عدا مانويل جوزيه الذي احتجز فى الملعب وقام المواطنون مع رئيس مباحث المديرية بتأمينه حتى وصل إلى أسفل المقصورة الرئيسية التي ظلّ بها ساعتين حتى خروجه منها· وبعد التدافع بدأت جماهير الأهلي في الهروب أعلى المدرج، وكانت الطامّة الكبرى إطفاء الأنوار على الجماهير لتحدث المجزرة التي لم يشاهدها أحد وكأن الأمر مقصود لعدم التمكّن من التصوير· وفي محاولة للهروب تدافعت جماهير الأهلي ناحية أبواب مدرج الشرقي الذي كان مغلقا وكأن الأمر كعبارة (العدو من أمامكم والبحر من خلفكم) فكسر الباب وسقط أسفله وحوله عشرات الضحايا· *** اشتباكات دموية قرب وزارة الداخلية أعلنت مصادر طبّية مصرية أمس الجمعة عن مقتل شابّ بعد إصابته برصاص اخترق القفص الصدري والرئة خلال الاشتباكات التي دارت بين محتجّين وقوّات الشرطة في محيط وزارة الداخلية· وذكرت المستشفى الميداني أنها تلقّت حوالي 90 حالة إصابة منذ إنشائها مساء أمس وحتى الآن، من بينها 4 حالات إصابة بخرطوش في العين، إحداهما لطفل لم يتجاوز عمره 12 عامًا· وتجدّدت الاشتباكات منذ الساعات الأولَى من صباح أمس بين قوّات الأمن المركزي والمتظاهرين بشارع منصور المؤدّي إلى وزارة الداخلية· وردّد المتظاهرون هتافات (الداخلية بلطجية) و(يسقط يسقط حُكم العسكر)، محمّلين الشرطة وأجهزة الأمن والمجلس الأعلى للقوّات المسلّحة الذي يُدير شؤون مصر حاليا، مسؤولية الأحداث· وتُقدّر أعداد المتظاهرين ما بين 3000 و5000 متظاهر، معظمهم من مشجّعي النّادي (الأهلي) ونادي (الزمالك) المعروفين باسم (ألتراس)، ووصلوا إلى محيط وزارة الداخلية على شكل مسيرات انطلقت من أمام مقرّ النّادي (الأهلي) في منطقة (الجزيرة) القريبة من وسط القاهرة وميدان (سفنكس) في حي المهندسين وميدان التحرير· وطالب المتظاهرون الغاضبون بإقالة الحكومة ومحاكمة القادة الأمنيين، وفي مقدّمتهم وزير الداخلية لتقاعسهم عن توفير الأمن في البلاد· *** المجلس العسكري في قفص الاتّهام اتّهمت حركة 6 أفريل المجلس العسكري بالوقوف وراء الشغب في بورسعيد، معتبرة أن (الأحداث الأخيرة في البلاد، ومن بينها عمليات السطو المسلّح والبلطجة ومذبحة بورسعيد، ليست بمنأى عن المجلس العسكري، سواء تخطيطا أو تنفيذا)· وأكّد بيان آخر صادر عن حركة شبابية أخرى هي (الجبهة الحرة للتغيير السلمي) أن (المسؤولية تقع على المجلس العسكري والحكومة في هذه المذبحة التي لم تنتج عن إهمال جسيم يحاسب عليه القانون فحسب، بل تخطّت ذلك إلى قيام قوّات الأمن بمساعدة الأحداث عند وقوعها وعدم التحرّك لوقفها أو منعها من الحدوث)· وناشدت الحركة (أعضاء البرلمان المصري سحب الثقة من المجلس العسكري والحكومة وتشكيل حكومة ائتلاف وطني وفتح باب الترشّح لانتخابات الرئاسة في 11 فيفريّ· وقال المرشّح المحتمل لرئاسة الجمهورية حمدين صباحي في بيان إن أحداث بورسعيد (إن لم تكن مدبّرة ومتعمّدة فهي في الحدّ الأدنى تعبّر عن عجز تام وعدم قدرة على حماية أرواح المصريين)· أمّا جماعة الإخوان المسلمين التي أصبحت القوّة السياسية الأولى في البلاد، فاعتبرت أن هناك (تدبيرا خفيا يقف وراء مذبحة) بورسعيد، وأكّدت أن (تقاعس السلطة عن حماية المواطنين لا يمكن أن يقع تحت وصف الإهمال أو التقصير، وحالة الانفلات، الأمني في جميع أنحاء البلاد أفرزت حالات السطو المسلّح على المصارف واستسهال القتل لأتفه الأسباب وتجرّؤ البعض على التهديد بالعدوان على البرلمان والتعدّي على شباب الإخوان المسلمين الذين سعوا إلى تأمينه)، في إشارة إلى الصدامات الثلاثاء الماضي بين شباب الحركات الاحتجاجية وشباب الإخوان· *** عمرو موسى ينجو من القتل نجا عمرو موسى المرشّح المحتمل لرئاسة الجمهورية من الموت بعد الهجوم عليه، وأصيب بجرح غائر في ساقه من قبل مشجّعي الألتراس عندما ذهب إلى مسجد مصطفى محمود لأداء واجب العزاء في ضحايا أحداث الأربعاء ببورسعيد· وأكّد الشهود أن موسى تعرّض للضرب بمطواة من قبل أحد الموجودين أثناء محاولته الفرار من أمام المسجد واستقلال سيّارته بعدما تدافع حوله المئات من جمهور الألتراس وعدم تمكّن حرسه الخاص من حمايته والخروج به من أمام المسجد· من ناحية أخرى، ردّد الألتراس الموجودون هتافات (يسقط يسقط حكم العسكر) و(الشعب يريد إعدام المشير) وذلك انتظارا لجثمان الشهيد أنس للصلاة الجنازة عليه بالمسجد ونقله إلى المدافن بالسادس من أكتوبر· *** عمرو خالد: "مذبحة بورسعيد هدفها إسقاط مصر" اعتبر الداعية الإسلامي المصري عمرو خالد أن المذبحة التي وقعت في بورسعيد مساء الأربعاء لا يمكن اختزال أسبابها في خلافات بين جمهورين للكرة· وقال خالد إن جميع الشواهد التي تتعلّق بالأحداث تُبرهن على أن هناك شيئا غامضا هو ما تسبّب في الكارثة· وأضاف الإعلامي الشهير: (الأمر لا يتعلّق بمباراة كرة قدم، فريق المصري كان فائزا، فلماذا يفعل ذلك إذا كان الأمر يتعلق بالمباراة؟)، وتابع في السياق ذاته: (ما حدث هو مخطّط يهدف لهدم مصر واقتصادها ودماء شعبها وآمالها في النهوض، وإحباط المصريين وإفقادهم القدرة على التقدم)· كما اعتبر خالد أن ما حدث يأتي ضمن سلسلة الأحداث التي تقع بهدف إفساد ثورة 25 جانفي·