أن تكون في المقدمة في بعض أشواط السباق لا يعني فوزك في السباق، ولن يشفع لك ذلك التقدم في أن تصعد منصة الفائز في النهاية إن أنت تلكأت وتوقفت عن التقدم، لأن الجميع مازال يركض وسوف يتجاوزونك حتى آخر واحد فيهم· وهكذا هي الحياة في تغير دائم وحركة دائمة، (يقلب الله الليل والنهار)، (والشمس تجري لمستقر لها)، ومن حولك يتغيرون، ويأتي على هذه الأرض أجيال تلو أجيال ·· هذه سنة الله في الحياة ونحن من مخلوقاته تجري علينا هذه السنن، وتمضي علينا السنون، وإن لم نتقدم نحن إلى الأمام مضى الزمن وتركنا في الخلف، وكم من إنسان قال عنه أصحابه لقد كان مثلنا ولكنه تقدم وتوقفنا نحن، والتغيير المقصود هنا هو الإنتقال من حال إلى حال أفضل· (إنكم في ممر من الليل والنهار، في آجال منقوصة، وأعمال محفوظة، والموت يأتي بغتة· فمن يزرع خير فيوشك أن يحصد رغبة، ومن زرع شراً فيوشك أن يحصد ندامة، ولكل زارع ما زرع)· ابن مسعود رضي الله عنه· أنت تملك الآن أهم عنصر مؤثر في التغيير، وهو الوقت الذي وهبك الله إياه على هذه الحياة، ولكنه يتآكل بسرعة مذهلة، فحري بالمرء أن لا يضيع أعظم ما يملك حتى إذا فاته الركب تحسر وندم أن لو استغل سنين ذهبت من عمره ما بين لهو مباح أو أماني حالمة ليس لها على أرض الواقع نصيب· (اغتنم خمسا قبل خمس)· ويكأن أنه غبن وخسارة أن يمر على المرء عقد من الزمان دون أن يتغير فيه شيء يذكر ، في مستوى علمه أو سلوكه وتعاملاته وتفكيره، وبداية الفشل أن لا يتصور الشخص أن ثمة إنجازات وأهدافا كبيرة سوف يحققها خلال العقد القادم من عمره، إذ أن الانهزام النفسي ودنو الهمة لن يثمر إلا واقعا ضعيفا وانهزاما أمام تحديات الحياة، (والراضي بالدون دنيء) ··(لو كان يتصور للآدمي صعود السماوات لرأيت من أقبح النقائص رضاه بالأرض)· ابن الجوزي أشعل فتيل همتك وطموحك وارسم أهدافا سامية طموحة تليق بشخصك الكريم ، حدد أهدافك التي تريد تحقيقها سواء على مستوى نفسك في سلوكك وعباداتك وتفكيرك وقلبك، أو على مستوى مجتمعك الذي حولك ومالذي يمكنك أن تساهم فيه لتزيده رفعة وعلما وترابطا وقربا من الله -عز وجل-، ولتكن أهدافك واقعية تتناسب مع إمكانياتك وظروفك، ليست صعبة بعيدة المنال فتصاب بالإحباط، وليست تافهة صغيرة فتعطل قدراتك وإمكاناتك· وإن أقل نفع يمكن أن يقدمه الشخص لمجتمعه وأمته هو أن لا يكون شخصا فاشلا كلا على أمته ليضيف على قائمة الفاشلين في الأمة فاشلا جديدا· تذكر أن قوة الطموح تصنع الإرادة التي تثمر العمل، ارفع سقف طموحك، خطط لحياتك، وطور ذاتك ، بادر وكن قائد مركب حياتك ، وأبحر به نحو شاطئ النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، وإن لم تفعل فقد يتيه مركبك وتتقاذفه الدروب التي يصنعها لك الآخرون· كان للحسن بن الهيثم -رحمه الله- مائتي كتاب في شتى العلوم يفتتحها بهذا الجملة: (أنا ما دامت لي الحياة فإني باذل جهدي وعقلي ومستفرغ طاقتي في العلم لثلاثة أمور: 1- إفادة من يطلب العلم في حياتي وبعد مماتي· 2- ذخيرة لي في قبري ويوم حسابي· 3- رفعة لسلطان المسلمين)· قبل الأخير ·· عندما حضرت الوفاة عبد الله بن إدريس -رحمه الله- اشتد عليه الكرب فلما أخذ يشهق بكت ابنته، فقال: يا بنيتي لا تبكي فقد ختمت القرآن في هذا البيت أربعة آلاف ختمة، كلها لأجل مصرعي هذا· أخيرا ·· ألا تتفق معي أنها خسارة عظيمة تلك التي مني بها ذلك الشخص الذي عاش سنة واحدة كررها أربعين أو خمسين مرة· * بقلم: عبد الله صالح الفايز