** أنا أعيش في أسرة فقيرة مادِّياً، وأنا طالبٌ في كلية الشريعة، وأنا أحلم أن أكون أستاذاً للتربية الإسلامية، كي أنصر الدين من خلالها، وأربي أجيالاً يعرفون كتاب الله وسنة نبيه إن وفقني الله لذلك، لكن المشكلة أني أدرُس العلم الشرعي وفي نفسي أمور تقول لي: أنت تتعلم العلم الشرعي من أجل الوظيفة فقط، ليس من أجل الله، وأنا أخشى أن يكون الأمر كذلك، لكن أنا أريد أن أدرُس كي أكون أستاذًا أنصر ديني، وأعين من خلال الراتب أسرتي·· أرشدوني بارك الله فيكم· * أخي الفاضل: سلمك الله وحفظك ورعاك، وبعد: أسأل الله أن يدوم التواصل بيننا في الله، ويحضرني هنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، منهم: ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه)· بداية أخي الكريم أنا أحيي فيك روحك الوثابة، وعاطفتك القوية تجاه أمتك ودينك، وحرصك على تحقيق هذا الطموح العالي الذي تخدم من خلاله الإسلام والمسلمين، وأسأل الله أن يحقق لك كل مأمول إنه تعالى خير مؤول· أخي الكريم، الإنسان لا يعيبه الفقر أبدا، ولكل فقير سلوى في فقر النبي الحبيب، فقد كان يعمل في رعاية الغنم، ولقد خاطبه مولاه بقوله له: (ووجدك عائلا فأغنى)، ومن الجميل أن يحلم المسلم بكل جميل، فكما يقولون: كن جميلا ترى الوجود جميلا، فعظيم منك أن تحلم بخدمة دينك وتبليغ دعوة ربك، وتلك أشرف الوظائف (إن صح إطلاق لفظ الوظيفة عليها) بل هي رسالة وأيما رسالة، فهي رسالة خير الأديان بخير الكتب· فنشكر لك طموحك الطيب بأن تكون مدرسا للتربية الدينية الإسلامية، وتربي أجيالا على الأخلاق الإسلامية الطيبة· لكن دعني أسألك سؤالا مهما جدا يجيب عليك باختصار بما تريده إن شاء الله تعالى: هل يمكن لكوب الماء أن يشرب منه أحد وهو فارغ؟ بالطبع: لا· هكذا على الإنسان المسلم -الذي يريد أن يكون داعية خير، ومرشدًا للناس، وهاديا إياهم- أن يملأ نفسه بالعلم النافع لينضح بالخير (وكل إناء ينضح بما فيه) فهلا ملأت نفسك بالعلم النافع لتكون مشعل نور للغير، وأما نفسك التي تحدثك بأنك ستدرس للوظيفة والراتب، فأقول: فرح الشيطان لو فاز بمثلك· ولو أن كل مسلم حدثته نفسه بذلك، فتوقف عن الخير والهدى لتعطل كثير من تعاليم الدين، فذلك يا أخي حديث شيطان يريد أن يقعدك عن الطموح العظيم الذي تهفو إليه نفسك، فلا تدع له فرصة، وليس من العيب أن نتعلم لنأخذ راتبا ونكفي أنفسنا، أم هل من الأحسن أن يعيش الإنسان بدون عمل ولا علم بحجة نفسه، وبحجة أنه يبحث عن المال فيصير عالة على الناس يطلب من هذا ويسأل ذاك: لا يا أخي: وجب عليك أن تطرح هذه الوساوس النفسية والإبليسية جانبا، ولترى الجانب الوضاء المنير نتيجة عملك لو عملت وبلغت دينك والنفع العائد عليك من كفاف نفسك وأهلك كما أشرت والنفع العائد على أمتك وأبنائها وبناتها، فكما تعلم أن أمتنا تحتاج إلى المتميزين لتفخر بهم وتشرف بهم، فهنيئا لمن تميز وشرف أمته بتفوقه، فهيا يا أخي أطرح الوساوس جانبا وهلم للتميز والتقدم ونصرة الأمة، ولتفرح بك الأمة وتفخر· من الجميل أن تحلم، ولكن من الأجمل أن تسعى لتطبيق الحلم، فالإيمان ليس بالتمني، ولكن بما وقر في القلب وصدقه العمل· وأقول لا مانع من أن تجمع في نواياك وأهدافك بين الدين والدنيا، فما أجمل أن يجتمعا، فالعمل على الوصول إلى مكانة عالية أو منصب يخدم من خلاله الدين مطلوب شرعا، والعمل على أن تحيا حياة كريمة -تحفظ عليك كرامتك، ولا تسأل الناس فيها- شيء مطلوب شرعا أيضا· وما لاحظته في سؤالك أن الشيطان يريد أن يعطلك عن تحقيق أهدافك والوصول إلى آمالك، ويأتيك من قبل نيتك، فاجتهد دائما لتتخلص من وساوسه بذكر الله تعالى من شرك الرياء، واسأله الإخلاص، فالشيطان جاثم على قلب ابن آدم إذا ذكر الله خنس، وإذا نسي وسوس· وحتى لا أطيل عليك أسأل الله سبحانه وتعالى أن يفيدنا جميعا بهذا القليل، وأن يجعل فيه الشفاء لما في الصدور، وأن يحقق لك ما تصبو إليه في رضاه، وأن يبوئك المكانة العالية في الدنيا والآخرة، وأن تكون مثلا يحتذى ويقتدى به شباب المسلمين· وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين· والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته·