صادق البرلمان الفرنسي يوم الاثنين بالإجماع على مشروع قانون تجريم إهانة (الحركى) باستثناء الكتلة الاشتراكية التي قاطعت عملية التصويت حسبما أفادت به وكالة الأنباء الفرنسية (فرنس برس) وينص القانون على معاقبة كل من يرتكب جريمة القذف أو التشهير بالحركى أو من تسميهم فرنسا بالقوات المتممة للجيش الفرنسي الذين حاربوا إلى جانبها ضد أبناء بلدهم خلال الثورة التحريرية، لتكون بذلك باريس قد (كرّمت) الحركى على طريقتها، بعد 50 سنة من استقلال الجزائر· وصوّت كل أعضاء البرلمان لصالح مشروع القانون الذي قدمه حزب الرئيس نيكولا ساركوزي (الاتحاد من أجل حركة شعبية) ما عدا جبهة اليسار الاشتراكية التي لم تشارك في هذا التصويت، وجاء مشروع هذا القانون لحفظ كرامة (الحركي) الذي تعتبره فرنسا جزءا لا يتجزأ من جيشها ضحى من أجلها يوما ما فما كان منها إلا أن ترد الجميل بحفظه ومعاقبة كل من يتطاول عليه حيث نص القانون على معاقبة أي شخص يتعرض لهؤلاء الخونة بالقذف أو التشهير بدفع غرامة مالية تقدر ب 12 ألف أورو عن الإهانة و45 ألف أورو عن التشهير كما نص على ضرورة أن يشمل القانون الجديد الإعلاميين بربط نص هذا القانون بقانون 1881 حول حرية الصحافة القاضي بتسليط عقوبات على الصحفي في حالة القذف والتشهير وذلك باعتبار (الحركى) جزءا لا يتجزأ من تشكيلات القوات المسلحة ويسمح القانون لجمعيات (الحركى) وعائلاتهم برفع دعاوى قضائية في حال تعرضهم لأي إهانة وذلك للحصول على تعويضات للضرر المعنوي الذي لحقهم وللإشارة، فإن هذا القانون لن يشمل (الحركى) المقيمين بالجزائر على عكس قانون 23 فيفري 2005 الذي شمل جميع الخونة بمن فيهم العائدين إلى الجزائر وذلك بحجة أن القانون الجديد جاء ليتمم قانون حرية الصحافة الصادر سنة 1881 ليقيد الصحافة بضرورة احترام (الحركى) وتجنب التعرض لهم بالإهانة أو التشهير· هذا وسيدخل القانون حيز التنفيذ مباشرة بعد تمريره لمجلس الشيوخ يوم السابع والعشرين من الشهر الجاري من أجل قراءة ثانية حسبما صرح به (إيلي عبود) أحد أعضاء الحزب الحاكم ومن المتوقع أن الأمر لن يطول خصوصا وأن المجلس قد صادق عليه يوم 19 فيفري بالأغلبية حيث صوتت جميع الكتل لصالح مشروع القانون باستثناء الكتلة الشيوعية التي فضلت مقاطعة التصويت على هذا المشروع بالكامل· وتأتي هذه الخطوة من البرلمان الفرنسي بعد فترة وجيزة من تصريحات الوزير الأول أحمد أويحيى خلال الاحتفال بالذكرى 15 لتأسيس حزبه والتي حاول من خلالها تدارك الزلة التي أثارت جدلا كبيرا حين انتقد الموقف التركي الذي دعا فرنسا إلى تذكر جرائمها في الجزائر إبان الحقبة الاستعمارية حيث قال الوزير الأول مخاطبا السلطات الفرنسية (لنا شهداؤنا ولكم خونتكم) وأضاف في استنكاره لموضوع تجريم إهانة الحركى (قانون تكريم الحركى مجرد محاولة من فرنسا لخلق استعمار حضاري لا يمكنه أن يمحو حجم الهمجية التي خلفت الملايين من الضحايا الجزائريين)· وقانون تجريم إهانة الحركى ليس القانون الوحيد الذي تصدره فرنسا قصد ضرب الذاكرة وتشويه التاريخ الجزائري بتمجيد الاستعمار ورسم صورة مغايرة تماما للوقائع والأحداث الحقيقية في محاولة منها لتلميع التاريخ الفرنسي المليء بالجرائم والملطخ بدماء الشهداء فقد سبقه قانون تمجيد الاستعمار الذي تم اقتراحه يوم 3 نوفمبر 2004 وصدر يوم 23 فيفري 2005 واللافت هنا أن فرنسا تتعمد اختيار هذه التواريخ لإهانة الجزائريين وضرب مشاعرهم فبعد يومين من الاحتفال بالذكرى الخمسين للثورة التحريرية المجيدة تخرج لنا فرنسا باقتراح أسمته تمجيد الاستعمار لتصدره على شكل قانون بعد أيام من الاحتفال بالعيد الوطني للشهيد، وهي اليوم تعيد الكرّة بالمصادقة على قانون تجريم إهانة (الحركى) بتاريخ 20 فيفري وقد سبق هذا القانون إنشاء مؤسسة لحماية (الحركى) وتكريمهم أسمتها فرنسا (مؤسسة ذاكرة حرب الجزائر) ولم تعد قضية إهانة الجزائريين بالأمر الجديد على السلطات الفرنسية لأن سلسلة الاستفزازات طويلة فالجزائريون لن ينسوا أن وزير الخارجية الفرنسي السابق كوشنار قد تمنى يوما رحيل جيل ثورة التحرير لتمحى معه ذاكرة شعب تأصلت فيه قيم الثورة والتضحية وبذل الغالي والنفيس فداء للوطن ولن تنسى أجيال الاستقلال أن المستعمر السابق لم يتخلص إلى اليوم من أحقاده اتجاه هذا الوطن بل ويسعى بكل الطرق ويتحين كل الفرص لضرب ذاكرته وتشويه تاريخه فبيجار الجنرال السفاح الذي ارتكب جرائم حرب يشهد عليها بعض المجاهدين ويروونها إلى اليوم كرمته فرنسا باعتباره بطلا تاريخيا وأعيد دفن رفاته في مقبرة خاصة بعظماء الشخصيات الفرنسية· وأمام تمادي السلطات الفرنسية في الاستفزاز وإهانة الشعب الجزائري وتشويه تاريخه، تبقى السلطة الجزائرية في حكم المتفرج عاجزة عن إصدار قرار جدي يحد من هذا التطاول وتكتفي ببعض التنديدات والاستنكارات المتأخرة التي تتعالى هنا وهناك دون أي جدوى تذكر خاصة في هذه الفترة التي تنشغل فيها الطبقة السياسية بالتحضير للانتخابات فمتى ستكون هناك ردود صارمة من الجانب الجزائري؟ ومتى ستصدر السلطة الجزائرية قانونا يجرم الاستعمار مادامت فرنسا قد مجدته؟·