العدل رأس القيم، صفة ربانية جعلها الله اسما من أسمائه واختص بها ذاته لعظمتها وأهميتها في كل زمان ومكان، وهي إحدى صفات المؤمنين، مبدأ أساسي من مبادئ الشريعة الإسلامية، ليس فيه استثناء ولا تهاون، أمر رباني لرسولنا ولأمته من بعده· والعدل مفهوم جامع، قوام الدنيا والدين، وبه بعث الله عز وجل الرسل مبشرين ومنذرين، به يكتمل صلاح العباد والبلاد، يشمل حقوق الله وحقوق العباد· ركز الإسلام على العدل وجعله قضية مركزية، فلا يوجد ركنٌ في الإسلام إلا والعدل فيه مطلوب، سواء ارتبط بالفرد أو الجماعة أو الأمة، أو ارتبط بالعقيدة أو المعاملة أو العبادة، بل إن الإسلام جعله أعظم المقاصد التي يقصد إليها الشرع، وصلب الدين، فقضية العدل ليست اختيارية أو من فضائل الأعمال، إنما هي أمر إلزامي لا تقوم الشريعة إلا به، ولا يستقيم لمؤمن أن يحكم بغيره، من الأسس التي عليها عمار الكون، وصلاح العباد، حث عليه الإسلام وجعله أساسا للحكم بين الناس، ومعناه لغة الإنصاف· خلق إسلامي والمتأمل في كتاب الله وسنة نبيه يجد الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي ورد فيها الحث على العدل، ويقول فضيلة الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية، بحسب (الاتحاد) إن العدل قضية عظمى عليها قام الملك وهو خلق إسلامي رفيع حث عليه الله سبحانه وتعالى في الكتاب العزيز وفي سنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، والآيات الآمرة بالعدل عامة تشمل العدل مع جميع الناس، وفي جميع القضايا، والأمر صريح ومطلق بالعدل في كل الأمور، كما قال سبحانه (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) النحل: 90، وقد أمر سبحانه بالعدل في القول فقال (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون) الأنعام: 152، ومن آيات الذكر الحكيم ما يدعو إلى العدل في الحكم بين الناس كما قال سبحانه (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا) النساء: 58، وأكد الله تعالى الأمر بالعدل خاصة في حالة العداء، فقال سبحانه (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) المائدة: 8، وقال الإمام ابن جرير في تفسير الآية (إن الله جلَّ ثناؤه يعني بذلك: يا أيها الذين آمنوا بالله وبرسوله ليكن من أخلاقكم وصفاتكم القيام لله شهداء بالعدل في أوليائكم وأعدائكم، ولا تجوروا في أحكامكم وأفعالكم، فتتجاوزوا ما حددت لكم في أعدائكم لعداوتهم لكم، ولا يحملنكم عداوة قوم على أن لا تعدلوا في حكمكم وسيرتكم بينهم، فتجوروا عليهم من أجل ما بينكم وبينهم من العداوة· القسط لقد أرسل الله رسله وأنزل معهم ميزان العدل، ليقوم الناس بالقسط، وما ذلك إلا لأهميته، قال تعالى: (لقد أَرسلنا رسلنا بالبينات وأَنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط)·· والقسط من الدين، قال ابن القيم، إن الله سبحانه أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط وهو العدل الذي قامت به الأرض والسموات فإذا ظهرت علامات العدل فثم شرع الله· أما ما ورد في السنة الشريفة فأكثر من أن نحصيه، فقد روى أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال هذه الأمة بخير ما إذا قالت صدقت وإذا حكمت عدلت وإذا استرحمت رحمت) (ذكره الطبراني)، كما نهى النبي عن الظلم، فقد روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الظلم ظلماتٌ يوم القيامة) رواه البخاري، وفي الحديث القدسي فيما يرويه نبينا صلى الله عليه وسلم عن رب العزة أنه قال سبحانه (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما) رواه مسلم· وقال صلى الله عليه وسلم: (ثلاث منجيات وثلاث مهلكات، فأما المنجيات: فالعدل في الغضب والرضا وخشية الله في السر والعلانية والقصد في الغنى والفقر، وأما المهلكات: فشحٌّ مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه)· الحقوق والواجبات وحول قول الله تعالى (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا) النساء: 58، يقول د· زغلول النجار الباحث المتخصص في الإعجاز العلمي في القرآن الكريم: هذا النص القرآني يحوي الكثير من أوجه الإعجاز التشريعي فالحكم هو القضاء والفصل، وهو تولي إدارة شؤون البلاد، والمعنى أن ربكم يأمركم إذا قضيتم بين الناس في حقوقهم أن تقضوا بالعدل والإنصاف، بغض النظر عن أي اعتبارات باطلة شائعة، وأصل العدل التسوية، والمقصود بأن تعدلوا بين الناس في أحكامكم، أن تسووا بينهم في الحقوق والواجبات من دون أدنى تمييز لعرق أو لون أو مستوى اجتماعي، ولفظ (الناس) يشمل كل الناس من دون أي تفريق بين غني وفقير، أو أمير وخفير، أو أبيض وأسود، فالعدل في الدنيا حق لكل إنسان، لأن البشر جميعا ينتهي نسبهم إلى أب واحد، وأم واحدة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الناس سواسية كأسنان المشط، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم)· ويؤكد الفقهاء أن العدل ميزان الله في الأرض، به يحصل الوئام بين الحاكم والمحكوم وهو أساس الملك وبه يستتب الأمن، وتحصل الطمأنينة في النفوس ويسود التعاون والتماسك في المجتمع، وبه صلاح الرعية وظهور الخيرات والبركات، يوفر الأمان للضعيف والفقير، يشيع الحب بين الناس، وبين الحاكم والمحكوم، ويحمي الحقوق والأملاك· وإذا ذكر العدل ذكر عمر بن الخطاب الذي جاءه رسول قيصر فرآه نائما على الأرض، وقد توسد درته، وهي عصا صغيرة، وقال قولته المشهورة: حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر· * روى أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال هذه الأمة بخير ما إذا قالت صدقت وإذا حكمت عدلت وإذا استرحمت رحمت) (ذكره الطبراني)، كما نهى النبي عن الظلم، فقد روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الظلم ظلماتٌ يوم القيامة) رواه البخاري، وفي الحديث القدسي فيما يرويه نبينا صلى الله عليه وسلم عن رب العزة أنه قال سبحانه (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما) رواه مسلم· * قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاث منجيات وثلاث مهلكات، فأما المنجيات: فالعدل في الغضب والرضا وخشية الله في السر والعلانية والقصد في الغنى والفقر، وأما المهلكات: فشحٌّ مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه)·