مازال عيد الربيع أو (ثافسويث) كما يطلق عليه بالشاوية بمنطقة الأوراس يحظى باهتمام كبير من طرف العائلات الباتنية التي تجد فيه رغم العصرنة مناسبة للفرح والابتهاج وكذا التواصل مع الطبيعة· وأهم ما يميز إحياء (ثافسويث) الضارب في عمق التاريخ استحضار العادات والتقاليد المتوارثة أبا عن جد والتي لم تسقط من الذاكرة الشعبية وظلت راسخة إلى اليوم بل وأصبحت تلقى رواجا حتى بين ساكني المدن وقاطني المناطق الحضرية· ومع أولى علامات الربيع والتي عادة ما تكون مع ظهور اللقلق أو كما يسمى محليا ب(البلارج) تبدأ ربات البيوت بهذه المناطق المفتوحة على الطبيعة بالتحضير ل(ثافسويث) الذي يصادف سنويا يوم 28 فيفري الموافق ل 15 فورار من التقويم الأمازيغي· ويمتد الاحتفال أسبوعا كاملا ويكون مميزا بتحضير حلوى الأبراج (وهي أكلة حلوة تحضر بمزج فطائر السميد بتمر الغرس وتضاف له الزبدة وتقطع إلى أبراج وتطهى على الطاجين)· كما تحضر ربات البيوت أيضا (تيغريفين) أو (الغرايف) أو (البغرير)· وتقترن هذه المناسبة أيضا بخروج العائلات إلى الحقول والمروج الخضراء ليس للتمتع بجمال الطبيعة فحسب وإنما لممارسة (ثاكورث) أو (القوس) وهي أشهر الألعاب الشعبية الأوراسية والتي تشبه إلى حد بعيد لعبة الهوكي الأمريكية· وببلدية منعة يكتسي الاحتفال بعيد الربيع طابعا خاصا، حيث مازالت النساء بهذه المنطقة تحرصن على عادة جلب الحلفاء أو (أري) بالشاوية للقيام بظفرها مع قليل من شمع العسل تصبح على شكل كرة تستعمل في لعبة ثاكورث، ويشارك في هذه اللعبة فريقان متساويان من 8 إلى 9 أعضاء من النساء أو الرجال وحتى الأطفال وفق قواعد معينة يتم الاتفاق عليها· ويسهر على تنفيذ هذه اللعبة حكمٌ يتم اختياره برضى الجميع قد يكون شيخا أو عجوزا لأن مبتغى الجميع من هذا التقليد تقول الحاجة الزرفة هو المتعة والابتهاج بعد شتاء عادة ما يكون شديد البرودة بالمنطقة· أما الحاج بالقاسم من بوزينة فيرى أن ما يميز (ثافسويث) هذه السنة كونها حلت وقد ارتوت الأرض بكميات كبيرة من الأمطار والثلوج التي ستساهم بشكل كبير في نمو الزرع ومختلف النباتات وتجعل المروج والحقول تلبس رداء أخضر مما يسمح للعائلات بالتمتع بالربيع مثل أيام زمان· ويتذكر نفس المتحدث بنوع من الحنين الماضي حيث (قطف العديد من النباتات التي لا تكثر سوى في المواسم الماطرة كهذا الشتاء مثل القرنينة والخرشف البري وتحضير بهما كسكس الحليب أو (ثالمة) وهي عشبة تشبه البقدونس لكن لها أزهاراً صفراء وتؤكل طازجة بعد غسلها، وكثيرا ما تعمد الفتيات إلى عصر أحد أطرافها فتخرج منه مادة سوداء تستعمل في رسم خانات على الوجه للزينة)· ويرى الحج بلقاسم في هذه السنة (سنة خير)، حيث حل الربيع مبكرا وبدت الأرض خضراء على الرغم من أن الثلوج مازالت تزين قمم الجبال)· لكنه يتأسف كونه بعد تقدمه في السن لم يعد قادرا على لعب لعبة (ثاكورث) التي كان بارعا فيها أيام شبابه قائلا (كنا وقتها نلعبها حفاة الأرجل)· ويضيف (مع ذلك مازلت أصنع الأقواس ويعني بها القطع الخشبية أو الأغصان التي يتقاذف بها اللاعبون الكرة لأحفادي الذين ورثوا ولعي بهذه اللعبة وأجد متعة كبيرة في مناصرتهم)· وهكذا فإن (ثافسويث) لم يندثر وأصبح له حماته من الشباب وبعض الجمعيات الثقافية على غرار الكثير من العادات الأصيلة بالجهة ومنها جمعية (ثاسرافت) بمنعة التي تحتفل سنويا بعيد الربيع في أجواء بهيجة مما يضفي جوا مميزا على المناسبة التي يعتقد الكثير من أبناء المنطقة أن الفراعنة بمصر استمدوا منها عيد (شم النسيم) المصادف لبداية الربيع خلال حقبة حكم الملك شيشنق الأمازيغي لمصر·