من مبادرة متعثرة إلى تجربة رائدة صرح كبير لإصلاح المجتمع ومواجهة التطرف·· وفعل الخير إذاعة القرآن الكريم هي إحدى بنات الإذاعة الوطنية وهي أول إذاعة متخصصة في الجزائر، أنشئت سنة 1991 بقرار من الراحل الطاهر وطار الذي كان مدير الإذاعة الجزائرية آنذاك وذلك بسبب ندرة المواد الدينية بالإذاعة الوطنية مقارنة بالمنوعات الغنائية ليأتي هذا المولود الإعلامي الجديد ويلبي رغبة شريحة معتبرة من المستمعين بالتعرض إلى مثل هذا النوع من الإعلام، ولعل ما يجب الإشارة إليه في الحديث عن إذاعة القرآن الكريم هي الفترة التي أنشئت فيها حيث أطلقت لأول مرة بتاريخ 12 جويلية 1991 بطاقم لم يتجاوز في ذلك الوقت أربعة أشخاص، كانت الجزائر في تلك الأيام تعيش انزلاقا أمنيا خطيرا دام عشر سنوات عاش فيها الجزائريون كل أنواع القتل والترهيب والتسيب الأمني بصفة عامة، وكان برنامج الإذاعة في تلك الفترة مقتصرا على جملة من التلاوات القرآنية التي تبث على مدار ست ساعات يتخللها صوت المنشط الذي يعلن عن المحطة ويشر إلى الساعة ويقدم التلاوات· واصطدمت الإذاعة في بداياتها بالكثير من الصعوبات التقنية والفنية والأمنية، ولعل أولها كانت ندرة الإمكانيات التي تكاد تكون منعدمة ابتداء من التجهيزات البسيطة كأشرطة التسجيل والتلاوات القرآنية المسجلة، إضافة إلى التوجس الذي كان سائدا آنذاك من كل مظاهر التدين والخطابات الدينية والتخوف من المد الإسلامي الذي كان يعتقد أنه المغذي للجماعات المسلحة التي أعلنت العصيان والعداء للسلطة، كما واجهت إذاعة القرآن الكريم مشكلا آخر تمثل في صعوبة التنقل إلى مقر العمل خلال ساعات البث المبكرة التي كانت تنطلق على الساعة الثالثة صباحا لاسيما وأن العاملين في الحقل الإعلامي كانوا من أكثر المستهدفين خلال العشرية الحمراء، وزيادة عن ذلك فقد كانت إذاعة القرآن تعاني نوعا من التهميش خلال بداياتها في ظل عدم اهتمام المسؤولين القائمين على مؤسسة الإذاعة الجزائرية بهذه الإذاعة المبتدئة مقارنة بغيرها من الإذاعات التي كانت تحظى باهتمام ودعم أكبر· غير أن إذاعة القرآن الكريم عرفت تطورا مع مرور السنوات فقد تم استحداث برامج إذاعية جديدة، إضافة إلى التلاوات القرآنية التي كانت معتمدة في البداية كبرنامج (شخصيات إسلامية) و(القرآن المفسر( و(الحديث الديني)، وتدرج إذاعة القرآن الكريم اليوم جملة من البرامج المتنوعة التي تبث على مدار 10 ساعات مقسمة إلى فترتين فترة صباحية من الساعة 5:00 إلى 13:00 وفترة مسائية من الساعة 00:00 إلى الساعة 2:00 صباحا، وتوزع هذه البرامج خلال أيام الأسبوع وفقا للحجم الساعي المتاح للإذاعة· ولعل أكثر ما يلفت انتباه المستمع لإذاعة القرآن الكريم إضافة إلى تنوع برامجها التي تزاوج بين النصوص الدينية والواقع الاجتماعي مكونة صورة متكاملة ومثالية للمجتمع العربي المسلم هو الحس الخيري الذي ميز هذه الإذاعة وانعكس على برامجها ومبادراتها الكثيرة في هذا الإطار، وربما سيكون حصرنا لنشاط إذاعة القرآن الكريم بحجمها وموقعها ورسالتها النبيلة في ملف صحفي نوعا من التقليل والإنقاص من قيمتها لأن الملف مهما كان موسعا لن يشمل مسيرة وتجربة هذا الفضاء المتخصص، لكن تبقى هذه مجرد مبادرة متواضعة من (أخبار اليوم) قصد تشجيع هذا المنبر الإعلامي المتميز في أدائه والمنفرد الرائد في تجربته· خدمات خيرية وسيط الخير بين المحتاج والمحسن لعل عنوانه ينبئ بمحتواه، ولعل الكثير سمعوا عنه والآلاف استفادوا من خلاله هو برنامج (خدمات خيرية) للمساعدات الطبية الذي تعده زهرة بوعزة التي تملك مفاتيح القلوب، وهو برنامج أسبوعي يربط المحتاج بالمحسن من خلال النداءات التي توجه على أمواج إذاعة القرآن الكريم التي عادة ما تلعب دور الوسيط بين المريض المحتاج والمحسن· وللتعرف أكثر على كواليس البرنامج وطريقة إعداده اقتربنا من معدته زهرة بوعزة التي أكدت أن تكوينها الدراسي في علم النفس وإخلاصها وإيمانها بما تقوم به هو ما ساعدها على النجاح والتميز أكثر في هذا المجال ومن خلال حديثنا مع بوعزة تمكنا من تشكيل صورة متكاملة على دور الإذاعة في عملية المساعدة حيث تتلقى النداء من المريض أو المعاق أو أحد أقاربه وتقوم بالمقابل بطلب ملف يثبت الحالة الاجتماعية والحالة الصحية للمحتاج وبعد دراسة معمقة للملف يتم توجيه نداء عبر أمواج إذاعة القرآن الكريم ويتم في غالب الأحيان تلبية احتياجات المريض الذي توجه بالنداء، إذ تفوق قيمة المساعدة الطبية المقدمة لبعض المرضى أحيانا 100 مليون دينار لاسيما فيما يتعلق بالعمليات الجراحية التي تكون تكاليفها باهضة في كثير من الأحيان، وأكدت معدة البرنامج زهرة بوعزة في تحديدها لنسبة المستفيدين من المساعدات الطبية أن ما يزيد عن 90 بالمائة يتلقون المساعدات عقب بث نداءاتهم وهو الأمر الذي جعلها تحكم على برنامجها بالنجاح بنسبة 100 بالمائة ولعل هذه النسبة المرتفعة للمساعدات المقدمة تدل على ثقة كاملة للمواطن الجزائري بإذاعة القرآن الكريم· وللإشارة فإن برنامج (خدمات خيرية) ليس بالجديد وإنما انطلق منذ سنة 1993 حين اقترح من طرف العربي سباطة الذي كان من مؤسسي إذاعة القرآن الكريم، لكن البرنامج لم يكن متخصصا في البداية بل شمل جميع أنواع المساعدات، كما تناوب على تقديمه العديد من المنشطين لكنه عرف جملة من التحديات مع مرور الزمن إلى أن استقر على تحديد المساعدات بالاحتياجات الطبية للمرضى والمعاقين لا غير وذلك لعدم توفر مكان للتخزين· هدي الحسن كما لو كان النبي بيننا هو برنامج تفاعلي من إبداعات إذاعة القرآن الكريم التي لاحظت قلة البرامج التي تتطرق إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم فما كان منها إلا أن استحدثت برنامجا أسمته (هدي الحسن) الذي أبدعت فيه بابتكار طرق عملية لإيصال النصوص الدينية ومعانيها لمجتمع ابتعد كثيرا عن الإسلام في مظاهره وتعاملاته في السنوات الأخيرة، حيث تحاول معدة البرنامج وداد طالب في كل حلقة التطرق إلى خلق أو تصرف أو حديث صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم بحضور ضيوف من أهل الاختصاص وتقوم المعدة بطريقة ذكية بربط محتوى الحديث أو التصرف أو الخلق بما هو سائد في مجتمعنا وإجراء المقارنة بين المشهدين وهو ما يدفع بالعديد من المستمعين إلى الوقوف وقفة تأمل ومراجعة قد تغير الكثير من السلوكات، ويتم إعداد البرنامج طوال أيام الأسبوع ابتداء من إعداد الفاصل الترويجي للحلقة إلى البحث في سنة النبي صلى الله عليه وسلم قصد التحقق من الأحاديث من مصادرها الأصلية وصولا إلى تحليل الحديث وموضوعاته، ويهدف البرنامج بالدرجة الأولى إلى ترسيخ سنة النبي صلى الله عليه وسلم في أذهان المجتمع واستحضارها في تصرفاتهم وتعاملاتهم اليومية· شذى الألحان من توب 10 الإسلامية إلى تكوين المنشدين هو برنامج من فكرة وإعداد وتقديم الصحفي فاتح لفرادي الذي تعرض لسرقة فكرية من القناء المغربية (2M)، وهو برنامج ترويحي يتناول النشيد بصفة عامة، ولمعرفة تفاصيل هذا البرنامج الذي تم إدراجه في الشبكة الصيفية لإذاعة القرآن الكريم منذ حوالي خمس سنوات اقتربنا من معد البرنامج فاتح لفرادي الذي تكلم لنا عن الانطلاقة الأولى لبرنامجه ونشاطه خلال بداياته والتحديثات التي عرفها من سنة إلى أخرى، حيث انطلق من فكرة بسيطة نستطيع وصفها ب (توب 10) (top 10) على الطريقة الإسلامية حيث تتسابق عشرة أناشيد على المراتب الأولى ويكون تصويت المستمعين هو الفاصل في المسابقة ثم تطور هذا البرنامج إلى البحث عن جديد المنشدين والسير الذاتية والأخبار الفنية لأبرز هؤلاء واستمر البرنامج في التقدم سنة بعد سنة إلى أن أصبح يدرس النشيد بالاعتماد على ملحن ومختص في علم المقامات وهو المنشد يوسف سلطاني صاحب كلمات وألحان فرسان القرآن، والذي يساهم من خلال برنامج (شذى الألحان) على تكوين منشدين بتلقينهم علم المقامات والنوطات الموسيقية وتحسين آدائهم في كل مرة، ولم ينس معد البرنامج فاتح لفرادي الإشارة إلى فكرة زميله عمر بن عيسى الذي كان سباقا إلى هذا النوع من البرامج والتي ترجمها في برنامج (نشيد الروح) الذي كانت تبثه إذاعة القرآن الكريم في سنوات سابقة· وبك أصبحنا فلسطين أولا والأولوية للخبر الديني إلى جانب ما يميزها من حس خيري واهتمام بكل ما له صلة بالشريعة الإسلامية تخصص إذاعة القرآن الكريم جانبا للأخبار الوطنية والدولية من خلال برنامج (وبك أصبحنا) الذي يساهم قسم الأخبار في إعداده بمجموعة من الأركان لعل أبرزها (حبر الجرائد) الذي يتناوب على تقدمية ثلة من المنشطين ويشترك في إعداده جميع عناصر قسم الأخبار المكون من تسعة أفراد، ويتطرق المنشط في هذا الركن إلى أهم ما تناولته الصحف اليومية مع التركيز على الخبر الديني بالدرجة الأولى، إضافة إلى التطرق إلى بعض الأخبار الوطنية التي لا يمكن التغاضي عنها، أما عن الأخبار الدولية فيتم التركيز فيها على الأحداث في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، وزيادة عن ذلك يقوم قسم الأخبار بإعداد بعض الروبورتاجات حول السلوكيات والأخلاق الاجتماعية، إضافة إلى التعريف ببعض المعالم الدينية المنتشرة في مختلف ولايات الوطن· إذاعة القرآن الكريم في قلب الحدث إضافة إلى الخدمات الخيرية التي تقدمها من خلال برامجها العادية تساهم إذاعة القرآن الكريم في الوقائع الاستثنائية التي تعرفها البلاد وذلك بالاشتراك مع بعض الجمعيات الخيرية أو بإطلاق حملاتها الخاصة التي تعد لها برامج استثنائية تتلاءم مع طبيعة الحدث، وارتأيانا في عرضنا هذا أن نقدم آخر هذه الحملات التي أطلقتها إذاعة القرآن الكريم خلال هذه السنة· راديو طون هي إحدى المبادرات التي أطلقتها إذاعة القرآن الكريم بالاشتراك مع إذاعة البليدة الجهوية وجمعية البدر لمساعدة مرضى السرطان شهر مارس الفارط وذلك من أجل بناء دار الإحسان لاستقبال مرضى السرطان الخاضعين للعلاج الكيميائي والعلاج الإشعاعي، وقدمت المبادرة في البداية من طرف جمعية البدر التي طلبت مساعدة إذاعة القرآن الكريم في الترويج للمشروع وتنظيم (تليطون) لتمويله، فرحبت الإذاعة بالفكرة وقررت توسيع مجالها فأشركت بذلك إذاعة البليدة الجهوية، وتم البدء في دراسة المشروع وتحضير الحملات الإشهارية، وافتتحت إذاعة القرآن الكريم هذه المبادرة واستطاعت أن تجمع مبلغا قدر بمليار وخمسمائة مليون سنتيم في ظرف خمس ساعات فقط· يدا بيد لمقاومة الثلج هو شعار رفعته إذاعة القرآن الكريم التي عودتنا على مثل هذه المبادرات الخيرية، لمساعدة العائلات المتضررة من جرّاء موجة الثلوج التي اجتاحت عدة ولايات من الوطن مطلع فيفري الفارط وفرضت عزلة على الكثير من المناطق في تلك الفترة، ومن خلال حصة خيرية تمكنت إذاعة القرآن الكريم من جمع ما يقارب طنين من المساعدات المتمثلة في مواد غذائية وأغطية وحفاظات وألبسة جمعت على مستوى أربع نقاط متفرقة بالعاصمة وولاية بومرداس بمساعدة جمعية السلام الخيرية وإحدى العائلات الجزائرية التي قدمت منزلها ليكون مخزنا للمساعدات التي تم جمعها، بالإضافة إلى مساهمة متطوعي سعد دحلب وشباب ناس الخير الناشطين على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك)، وتم توزيع هذه التبرعات على بعض القرى النائية في ولاية تيزي وزو كمنطقة (فريحة) بالإضافة إلى بعض المناطق في ولاية بومرداس وولاية مدية·