عندما تفتح موضوع الخدمة الاجتماعية والتضامن مع أي مواطن جزائري تشعر بتلك المسافة الفاصلة بين ماهو موجود من منغصات وفوارق وتمييز··· وبين ما يتغنى به جهازنا التنفيذي الذي هو قاب قوسين أو أدنى من الذكرى الخمسين للثورة المباركة، ثورة لم تترك لأبنائها المكفوفين خاصة إلا بؤسًا واكتشاف المجاهيل التي ضاعت معها أحلام التغيير لواقعهم المتعثر ومكاسبهم الهزيلة، المكفوفون موجودون وإن تضاربت الأرقام والإحصائيات بين المنظمة الوطنية للمكفوفين الكائن مقرها بنهج محمد خميستي، قبالة البريد المركزي· (مكتب الجنرال ماسو سابقا) أو فدرالية المكفوفين لولاية الجزائر والجمعيات المهتمة أو الناطق الرّسمي باسم المعتمدين في 7· 4 من الشهر الجاري (عبد الحليم مكاري: الذي قدّر عددهم بحوالي المليون· وفئة المكفوفين هي شريحة عريضة من المعاقين الذين قدّر عددهم بأكثر من مليونين ونصف يشكلون مجتمع ذوي (الاحتياجات الخاصة) في مقابل المجتمع المواطني إن صح (التعبير)، لكننا كلمّا اقتربنا من الأسباب الحقيقية نجد أن هذه التسمية هي ليست فقط تصنيفية، بل هي سياسة أرادتها جهات لتقتل إرادة المكفوف وتهمّشه مع كل ماهو سائد من كلام عن موجة التحديث والإصلاح وإطلاق الفرص في المجتمع المدني، فهل نال حقا المكفوف حظا منها؟ وهل حياة المكفوف جحيم حقيقي كما يراها أصحاب العصا البيضاء· تعدّ فئة المكفوفين في الجزائر فئة مليئة بالطموحات والحياة على الرغم من كابوس الإعاقة وقلة ذات اليد، فأولئك الذين لا يتذكرهم المجتمع الدولي أو المجتمع المحلّي (الأهلي) إلاّ يومين في السنة (3 ديسمبر، اليوم العالمي للمعاق، و 14 مارس اليوم الوطني للمعاق)، وإذا تكلمنا عن المكفوف في الجزائر فإننا نتكلم عن غياب الإنجازات بصفة عامة، الدّلالات والمعاني التي تحملها كلمة (مكفوف) أو ضرير لا ترقى في الواقع إلى تكفل نوعي من حيث القوانين والحقوق وحجم المشاركة والحضور وكذا الارتقاء بجوانب الحياة الكريمة لهذه الشريحة، وعلى الرغم من الجدل والشكوك التي تطعن من حين إلى آخر بين الجمعية الوطنية للمكفوفين وبعض الناشطين الجمعاويين أو غير المنخريطين فيّ أيّ تنظيم····· قد يبدو عدم انسجام أو توافق وصل إلى حدّ تقديم أرقام غير دقيقة عن المكفوفين في الجزائر· هذا الرقم الذي قد ينكمش أو يتسع بحسب الجهات، ويقول السيد عبد الرّحمان سعيد إنه يناهز ال 120 ألف مكفوف وطنيا، ينتشرون عبر كامل الفروع التابعة للمنظمة والبالغة 48 فرعًا)· ورغم التقصير فإنه يمكن القول إن هناك اتجاها لقراءة من نوع خاص لواقع المكفوف من قبل السلطات أيضا بحكم احتكاكها الدائم بالشرائح المهمّشة والهشة والتي توفر لها إعانة شهرية في شكل مبلغ رمزي يقدّر ب 3000 دج لا يعكس أو يلبي خصوصية الإعاقة في ظلّ غياب اتفاقية اجتماعية شاملة متعلقة بهذه الشرائح بما فيها المكفوفون، لقد كان بجميع السياسات السابقة وجه مشترك وتفتقر إلى الدّقة، هذا دفع (120 مكفوف اجتمعوا بساحة البريد المركزي) في 7 أفريل الجاري إلى وضع انشغالاتهم أمام السلطات، حيث حسب السيد عبد الحليم مكاري (أن الاجتماع الوزاري الأخير تناول مشاغل كل فئات المجتمع ما عدّا فئة المكفوفين)· وأمام هذا الواقع المحبط لا يمكن الكلام عن مساواة ولا إنجازات اجتماعية حسب قول سعيد عبد الرحمان نائب رئيس الجمعية الجزائرية للمكفوفين، لأن ابن الشهيد أو أرملة الشهيد لهما امتيازات وبرامج وحظوظ، بينما المكفوف لا تجده في قوائم السكن الاجتماعي بل في قوائم المعوزين والمتسوّلين التي لا تجد الإدارة حرجًا في الحديث عنها من باب الإساءة إلى الضرير··· دون قصد أو من باب الحصيلة السّنوية لنشاط وزارة التضامن والأسرة! هذا وفي ظلّ تعطيل مراسيم القانون 02 / 09 المؤرخ في 8 ماي 2002 الذي وضع آليات ومواد وأولويات تشمل الحياة العامة، الشغل، التكفل الصحي وحقوقا مجاورة أخرى··· نجد عزوف السياسات والتشريعيات عن مواكبة ماهو حاصل في العالم· غابت المراسيم، وحضرت التجاوزات يقول السيّد سعيد عبد الرحمان (لا نستطيع اتخاذ القرار مكان الوزارة والاستجابة للمطالب التي رفعناها للرئيس أو الوزارة ليست بأيدينا) هذا التصريح من جهة المنظمة فيه موقف تفاوضي لا يزال متعثرًا إذا كانت الوزارة الوصيّة (التضامن والأسرة) تصرف النظر عن الملتقيات التي عقدت في سنوات ماضية (1995· 1997) ولم تأته بملموس· كما أن المنظمة من المفروض أنها تقوم بتصحيح أو تصويب القرارات والمساهمة في اقتراح المداخلات الضرورية (المطالب) تقوم بدور استشاري فقط لا تملك سلطة أو تمثيلا نيابيا، كما تفتقر إلى كفاية مادية تمكنها من تلبية حاجيات المكفوفين والتي تأتي على رأسها العصا البيضاء التي يتراوح سعرها من 1000 دج الى 6000دج حسب النوعية ولا يمكن أن تستوعب الوزارة انشغالات المكفوفين إلاّ بمراسيم وزارية بين وزارة التضامن والأسرة ووزارة العمل مثلاً وغيرها··· كذلك رفع المحتجون مطالب إعادة النظر في المادة الإطار حتى تلائم الاتفاقية العالمية المحددة لحقوق المعاقين مؤخرًا)· إذن ليس هناك من بدّ من تسطير برامج سياسية ومالية وتكريس مشاريع وتطبيق المراسيم بالتدريج، كما يتمنى القائمون على المنظمة الوطنية للمكفوفين بمعدّل مرسوم كلّ سنة حتى تغطّى كامل انشغالات الضرير، ويضيف الأخ سعيد عبد الرحمان: (نحن جزائريون ليس لنا مكان نذهب إليه ولا نطلب المحال··· مستعدين لأداء الواجبات، إذا توفرت لنا الحقوق)، أما بالنسبة للعمل والإدماج فتصرّفات الإدارة تناقض صراحة مراسيم المادة 02 / 09 المؤرخة عام 2002 والمصادق عليها في ذات السنة، إذ تواجه الإدارة الكفيف بتعقيدات وتسجّل تجاوزات من المسؤولين يشجعهم على ذلك القراءة الخاطئة أو التأويل غير العلمي لما تسميه هي ب (السلامة الجسدية) التي تعني عالميًا بعدم الاضطراب الذهني (الجنون)، لكن سدّ باب الذرائع قلب القاعدة القانونية التي تنص على أن الخاص يقيّد العام)· فخصوصية الإعاقة لا يجب أن تقف عائقا أمام صيانة حقوق المكفوف، ودعا أحمد عبد الرحمان الناطق الرسمي باسم الفدرالية الوطنية للمكفوفين أنه بحسب تخليص القانون وعدم إقحام المكفوف في دوامة من البيروقراطية لدى مصالح الخدمات الاجتماعية أيضا فيما يخصّ الاستفادة من خدمات النقل التي كانت إلى وقت قريب مجانية قبل أن يفرض على أصحاب العصا البيضاء الحصول على وصل ال 800 دج تكاليف النقل الشهرية· بل يفترض أن تستمر هذه الشريحة بالتمتع بحقوق إضافية مادام أن القانون يسمح للمؤسسات بتخصيص 1% من ميزانيتها لاستحداث مناصب شغل دائمة أو تقديم هذه الأموال إلى الصندوق المخصّص لفئة المكفوفين···· * بطالة مستديمة وحقوق مهضومة· تحصي الجزائر منذ الاستقلال إلى 2007، 62 ألف من المكفوفين فضلاً عن 165 ألف بصرهم ضعيف، هذه الأرقام تفيد أنّ وضع الصحة العامة في الجزائر مستقر نسبيًا إذا اعتبرنا أن عدد المعاقين في الجزائر يتجاوز المليونين حسب بعض الجهات الجمعوية··· لكن موقف وزارة التضامن والأسرة يعتبر المكفوف ضمن شريحة الأمراض المزمنة ويؤمن له منحة هزيلة وبطاقة للتكفل بالعلاج 100% هذه الرؤية لا تعطي المكفوف خيارات ولا توفر له الحقوق ويطالب المعتصمون باحترام رغبة المكفوف في الحصول على وثائق تثبت وضعيته كمعاق! مع الحفاظ على منحة 3000دج سواءً في حال البطالة أو حال توظيفهم بعقود ما قبل التشغيل كما هو معمول به في أغلب الإدارات التي تحاول أن توهم ربما الرّأي العام الوطني بأنها تسعى لإتمام مراسيم التشغيل وفق قانون 02 09 التي تضمن عملاً قارًا للكفيف، مدة عشر سنوات والمرسوم ما يزال في أجندة الإدارة، من جهة أخرى تم تصفية الوحدات الصغيرة التابعة لمؤسسة الفرش والمكانس وغلقت وحداتها ال 31، لتفرض على 2500 عامل البطالة الحتمية وتبقى عقودها قبل التشغيل أيضا نوعًا من البطالة المقنّعة يقول نائب رئيس الجمعية الوطنية للمكفوفين··· ويمثل واقع الإعاقة البصرية في الجزائرية (بالنسبة المئوية) 2.6 % لكلّ 1000 نسمة (إحصاء 2006 / 12) وهو رقم معتبر إلاّ أنه يثير التذمر بين المكفوفين أنفسهم إذا اعتبرنا أن الجزائر يمكن أن توفر القرنية لضعاف البصر حتى لا يلتحقون بقوافل المكفوفين، إذ يشهد كل سنة مستشفى مصطفى باشا 220 حالة وفاة يمكن أن تزوّد هذه العينات بعد الموافقة القانونية وإذن الهالك تزوّد بنك العيون بدل من استرادها من الولاياتالمتحدةالأمريكية أو من بلدان أروبية أو غيرها تفرض علينا إرهاق الخزينة العمومية وانتظار المكفوف لمتبرع قد لا يظهر· الوزارة إذن تطالب المكفوف بالتقدم إلى المسابقات والشغل كحق دستوري (مواطن كامل الحقوق) لكن ظلم الإدارة يواجهه بتأشيرة السلامة الجسدية وسياسة الكيل بمكيالين لماذا لا يكون للمكفوف أسبوع بدل يوم أو يومين، هل يمكن أن تنقل التجربة الكندية والتي تعدّ من التجارب القليلة والرائدة من حيث إثارتها الوعي الاجتماعي العام حول الإعاقة البصرية ومتطلباتها وذلك عقب إحياء يوم العصا البيضاء الموافق ل 15 أكتوبر من كلّ عام، ولا يزال مثل هذا الطرح وهذه الفعاليات متعثرًا لعدم وجود حوافز أو لقلة الفضاءات التي تجمع أصحاب العصا البيضاء وغياب برامج إذاعية ومنابر إعلامية تعطيهم الحق في التعبير ولم يخف السيد سعيد (أننا مازلنا في زمن يتحمل كلّ مكفوف همّ المطالب التي ينادي بها···· أو التي يراها تعبّر عن رأيه···)· * والمتعلمون لهم نصيبهم من المعاناة تعاني الفئة المثقفة من المكفوفين من تهميش، فبعد أن حرموا من نور الإبصار يواجهون قدرًا غامضا ومفارقات الحياة رغم أنهم عصاميون وكادحون لنيل العلى! مشكلة البراي وتوفير الكتاب المدرسي المخصّص لهذه الفئة وتشمل زيادة على 17 مدرسة خاصة بالمكفوفين المعاهد والجامعات والأطوار التعليمية الأخرى، ويشتكي المكفوف حسب السيد سعيد من قدم الوثائق وغياب التخصص عنها والمتوفر مجرّد ثقافة عامة تجود بها من حين إلى آخر· مساعدات وتبرعات من تونس مثلاً (كما حصل سابقا) مع المدارس الخاصة، أمّا المدارس العادية فهي لا تفرض في صفوف أقسامها أدوات أو وسائل التسجيل أو الكتابة با (لبراي) ونفس المشكلة تعانيها المكتبات··· فالمراجع قليلة وغير صالحة· عمومًا··· معاناة وإن حاولت المدرسة النموذجية للشبان المكفوفين بدرارية التغطية عليها بطاقم بيداغوجي رفيع ومناهج استثنائية وورشات فيها من التعليم والترفيه والتكامل النفسي والبداغوجي والمادي، الشيء الذي تفتقر إليه المراكز والمنشآت المنتشرة عبر التراب الوطني الذي تشكل الإعاقة هاجس المكفوف، رغم تطمينات المديرة فيتيس ومديرة المدرسة النموذجية للمكفوفين بدرارية) وتقول إن طلاب المدرسة تفوّقوا بعد 40 سنة من وجودها كان ذلك نتيجة إرادة طلابها ال 200· وتتحدّد الصعوبة أو المعاناة ليس فقط في إجراء التجارب والملاحظة بالنسبة للمواد العلمية لذلك يتطلب من صغار المكفوفين القدرة على التكيف وتوظيف كلّ قدراتهم على التخيّل والانتباه الحسّي، وتنمية حاسة اللمس باكرًا··· للتعرف على جسم الإنسان مثلا والكائنات الأخرى وصولاً إلى قراءة البراي··· ورغم أن الإشراف من طرف المختصين يتطلب تفاعلاً (فعل ورد فعل) من طرف صغار المكفوفين وفي أحايين كثيرة عندما تكون الوسائل غير متاحة بالشكل الكافي يلجأ القائمون إلى إيداع وسائل لتقريب الفهم وتحسين الاستعاب، فالإعاقة حسب محمد إسلام شلالة (إبداع وطاقة) ولا مجال للمزايدة أن تكون في هذه المدرسة نخبة من ذوي الإرادة الفولاذية والذين أبهروا حتى وزير التضامن والأسرة التي تشرف دائرته على هذه المدرسة المختصة حسب ما جاء في عدد المساء (20·9· 2011) وعرف حفل البراي نفسه محطات وتطورات منذ أن قامت منظمة التربية والعلوم والثقاقة التابعة للأمم المتحدة (ليونيسكو) العام 1991 بتوحيد الكتابة الناضرة للبراي بعد أن عرفت عام 1919 تعديلات وعرفت بطريقة (البراي المعدّلة) لتحتضنها اللغة العربية وتطوّر ما يتناسب معها من حيث الأصوات المشتركة ونظام الكتابة (ست نقط) حتى أضحت مجالاً للإبداع والتأليف والسهو بالتحصيل العلمي لهذه الشريحة التي للأسف مازالت في جزائر (العزة والكرامة) تداس كرامتها وتمتهن مطالبها فإلى متى تبقى الإدارة والوزارة ترد ب: من يهن يسهل عليه الهوان···· لماذا ضاعت الحلول الناجعة والتنمية البشرية إذا تعلق الأمر بالمعاق والمكفوف وأصبحنا نختزل مطالبهم في النقل والإيجار ومصاريف العلاج والتكفل المنقوص من خدمات اجتماعية ومحرومين من الاعتراف بمجهوداتهم وإنسانيتهم·