جولة واحدة في مدينة شرشال الأثرية تمنحك سفرا بالمجان نحو حضارات غابرة وتزيل عنك متاعب الأيام· إن المتجول في مدينة شرشال الأثرية يدرك أهميتها التاريخية ويستنتج قبل قراءة ما كتب عنها أن سحرها وجمالها وموقعها الآخاذ سببا مباشرا في تكالب الغزاة عبر الأزمنة فلا يمكن للزائر توديعها قبل أن يضرب موعدا لزيارتها والجلوس في ساحة المتحف الروماني لاستنشاق عطر الورود والتمتع بنسمات البحر واخضرار الطبيعة· تشير الدلائل أن شرشال التي تبعد حاليا عن عاصمة الولاية تيبازة بنحو 20 كلم كانت مستعمرة مصرية في منتصف الألف الثانية قبل الميلاد (1500 ق· م) أي قبل العهد الفينيقي، والدليل في ذلك كما تؤكده دراسات الباحثين التي وجدناه بالمتحف يعود لاكتشاف تمثال مصري في شرشال عليه خرطوشة الفرعون (تحتمس الأول) (1493- 1482ق· م) وهو تمثال منحوت من البازلت الأسود وجلسته جلسة الألوهية مصرية، وهو موجود اليوم في متحف المدينة التي عرفت بدورها غزو للنوميديين والرومان بعد ذلك سنة 105 ق·م ودخول الوندال 372 م ثم البيزنطيين 534 م والفتح الإسلامي، ومن خلال الجولة الاستطلاعية للمدينة يدرك حجمها وموقعها الإستراتيجي في حوض البحر الأبيض المتوسط مما جعلها محل أطماع الغزاة، كما تعد اليوم قبلة لعشرات السواح خصوصا ممن تعود على زيارتها خلال العطل يدرك أهميتها لأنها تجمع عدة خصائص ومميزات قد تنفرد بها المدينة القريبة من سفح الجبل، إلى جانب شواطئ البحر الجميلة نذكر منها (لارهات)(الجزر الثلاث) وغيرها على مسافات طويلة، حيث يقدر عدد الزائرين لمدينة شرشال الأثرية أزيد من 20 ألف سائح سنويا أغلبهم في فترات العطل السنوية وفق مصدر مطلع بالمتحف الروماني الذي يعد هو الآخر قبلة لاكتشاف المزيد من الآثار التي تؤرخ لحقب زمنية متفاوتة، حيث تشير المعالم الموجودة على أن المدينة شهدت عدة حضارات لازالت قائمة لحد الآن تتزاحم فيها الدوائر الأثرية من عهد الفنيقين والقرطاج· ويكفيك بعد جولة اكتشافية أخذ قسط من الراحة واسترجاع أنفاسك بساحة المتحف الروماني فائقة الجمال، تستنشق عطر الورود ونسمات البحر وسط ديكور أثري من الصعب مغادرته وفق مرافقنا (الصادق) و (الميلود) اللذين أكدا منذ ترددهما إلى ساحة المتحف أنها من أجمل الأماكن على الإطلاق (فضاء منعش ومريح وسط هدوء لانظير له) واستنادا إلى أحد سكان المدينة المدعو رياض (أن أغلب المواطنين يقضون سهراتهم في هذا المكان بداية من فصل الربيع)، مشيرا (أن مدينة شرشال خلال موسم الصيف تعج بحركة السواح الذين يقصدون المواقع الأثرية من بينها المتحف الذي يضم عشرات القطع الأثرية والتماثيل، (مضيفا أن طبيعة الزائريين إليه أجانب كما يستقطب سنويا باحثين وأكاديمين من مختلف الجامعات الأوروبية)، وقد ارتفعت درجة فضولنا لمعرفة ما بداخل المتحف الذي يضم إحدى روائع القطع المنحوتة على مستوى شمال إفريقيا وأغلب التماثيل المعروضة به حسب القائمين عليه عبارة عن نسخ لتحف فنية إغريقية ضائعة، كتمثال هرقل وهو نسخة لتمثال من البرونز من إنجاز ميرون، وتمثال أبولو سرسال هو نسخة لعمل فيدياس، أما أثينا فهو نقل عن تمثال فينوس وهو إعادة لعمل براكسيتالو سكوباس وفق ماهو مدون والشروحات المقدمة إلينا، جدران المتحف فهي مزينة باللوحات الفسيفسائية والكتابات اللاتينية وببعض الكتابات العربية، مع وجود قسم خاص بالشواهد الجنائزية، ونجد في صحن المتحف نافورتين جميلتين مزخرفتين بفسيفساء تمثل مشهد الأوليس مع عرائس البحر ومشهد لانتصار نابتون· كما توجد تحفتان من الفن المصري مصنوعتان من الحجر الأسود، تمثل واحدة منها الكاهن بيدوباست وهو أكبر قساوسة الإله بتاح، وتمثل الأخرى ذراعا لتمثال هو توتموزيس الأول ملك من الأسرة الثامنة عشر وبجانبه يوجد متحف جديد هو بناية تعرض بها السيراميك والفخار وأشياء أثرية كثيرة مصنفة تاريخيا ويعود أغلبها للفترة الإسلامية والأندلسية والتركية· بينما المتحف القديم الذي يقابل مدخله الساحة العمومية التي بنيت في بداية القرن العشرين والمسماة بالساحة الرومانية، فقد بني هو الآخر في العهد الاستعماري، هو بناية ذات طابع متوسطي بحت، تعرض به اللوحات الفسيفسائية والتماثيل الخاصة بالآلهة القديمة وبالعائلة الملكية ليوبا·