لم يقتصر عطاء الفنانة الراحلة وردة الجزائرية، رحمها الله، على الغناء بل امتد إلى السينما، فقدمت أفلاماً بدأتها ب (ألمظ وعبده الحامولي) (1963)، وانتهت ب (ليه يا دنيا) (1994)، وبينهما أربع تجارب سينمائية أبرزها (حكايتي مع الزمان)· هل كانت وردة ممثلة سينمائية، أم مطربة دخلت عالم التمثيل مصادفة؟ كيف يقيّم النقاد مشوارها السينمائي؟ في (ألمظ وعبده الحامولي) ظهرت وردة كمطربة بأفضل صورة، إذ وضعها حلمي رفلة مخرج الفيلم ومنتجه في صورة المغنية التي يمكنها متابعة المسيرة في السينما الغنائية، أما فيلمها الثاني (أميرة العرب) فقد صيغ في إطار حكاية فانتازيا وغنت فيه أغنيات رفعت أسهمها الفنية، إلا أنها اعتزلت بعده مؤقتاً· أما الفيلم الذي توّج نجاحها فهو (حكايتي مع الزمان) لحسن الإمام (1973)، إذ اجتمعت فيه أسباب النجاح الجماهيري، من استعراضات وأغنيات وتصوير خارجي بالإضافة إلى قصته· قدرات تمثيلية محدودة يوضح الناقد السينمائي وليد سيف أن خوض وردة التمثيل لا علاقة له بموهبتها التي يراها محدودة ضمن توجيهات المخرج فحسب، (كانت تنفذ تعليمات المخرجين بشكل ملتزم وحرفي وتقليدي، يظهر ذلك في حركاتها وإيماءاتها ونظراتها إلى الكاميرا ولم تكن لها أي إضافات خاصة، حتى نبرة الصوت كانت واحدة في كل ما تقدمه· على رغم أنها مطربة ويفترض أن تجيد التعبير بصوتها إلا أنها لم تفعل ذلك، لمحدودية قدراتها التمثيلية)· يضيف أن المنتجين يختارونها لبطولة أفلام سينمائية لاستغلال جماهيريتها والاعتماد عليها كمطربة لتقديم أفلام غنائية كانت تلقى قبولا في تلك الفترة، بالإضافة إلى أنها كانت تعد جميلة نسبياً بمقاييس ذلك العصر، إضافة إلى صغر سنّها مقارنة بمطربات جيلها· وعن طبيعة الأفلام التي قدمتها يشير سيف إلى أن أي فنان يختار أدواراً تناسب قدراته ولو بشكل غير إرادي، لذا انحصرت اختياراتها في أدوار ميلودرامية أو رومنسية ساذجة تتناسب مع قدراتها· يلاحظ سيف أن التيمة الثابتة في أفلامها تتمحور حول المرأة التي عاشت حياة بائسة وتحاول تعويضها، وربما يعود ذلك إلى طبيعة الحياة التي عاشتها وردة وأثرت بشكل أو بآخر على اختياراتها، لافتاً إلى أن فيلم (ألمظ وعبده الحامولي) يتناول موضوعاً مهماً، إلا أنه كان ضعيفاً على المستوى الفني· بدورها تؤكد الناقدة ماجدة خير الله أن موهبة وردة التمثيلية لم تكن بوابتها لخوض مجال التمثيل، بل شعبيتها الكاسحة كمطربة، على غرار المطربين والمطربات في ذلك الزمن، إذ كان منتجو السينما يستغلونهم لتقديم أفلام غنائية· تضيف خير الله أن موهبة وردة كانت متوسطة، لكنها جميلة ويقبلها الجمهور، ويعتمد نجاح أفلامها على الأغنيات، على غرار(صوت الحب) الذي نجح بسبب أغنية (العيون السود) على رغم ضعفه، وهو مأخوذ أصلا عن فيلم (فاطمة) لأم كلثوم· ترى خير الله أن وردة لم تكن تجيد اختيار الأفلام التي تقدمها، بل توافق على ما يعرض عليها، مشيرة إلى أن (آه يا ليل يا زمن) و(حكايتي مع الزمان) من أهمّ أفلامها· أما (ليه يا دنيا) الذي قدمته مع صلاح السعدني والمخرج هاني لاشين، فوصفته خير الله بأنه كارثة سينمائية، أقدمت عليها وردة على سبيل المجاملة، (مع ذلك تجربتها السينمائية مفيدة، كون السينما تمثل الذاكرة، التي ستبقي على هذه الأعمال لتشاهدها الأجيال المتعاقبة)· أقل تأثيراً يقول المخرج أحمد عواض إن وردة كانت من أقل المطربات اللواتي تركن تأثيراً في السينما، فقد تم تقديمها في السينما كمطربة، بخلاف غيرها من المطربات اللواتي تم تقديمهن كممثلات مثل شادية التي تركت أثراً عظيماً في السينما المصرية، (مع أنها قدمت أفلاماً تعدّ إلى حد ما جيدة في إطار السينما الغنائية، إلا أنها لم تقدم موضوعات ذات قيمة، بل تمحورت في مجملها في إطار الميلودراما التي كانت تلقى رواجاً في السبعينيات، وناسبت موهبة وردة هذه النوعية)· يضيف: (ابتعدت وردة عن السينما بعد ذلك لتبدّل نوعيّتها في الثمانينيات من القرن الماضي، وظهور ما يسمى بالواقعية الجديدة التي قدمها مخرجون مثل محمد خان وعاطف الطيب وداود عبد السيد وخيري بشارة، واختفت الأفلام الغنائية والميلودرامية)· من جهته يعتبر المخرج سميح منسي أن مشوار وردة السينمائي ضعيف مقارنة بمشوارها الغنائي، (فهي قدمت أفلاماً قليلة جاء معظمها ضعيفاً، ولم يشكل أي منها علامة في تاريخ السينما، لضعف الموضوعات ومحدودية موهبة وردة التي سمحت للمنتجين باستغلال شعبيتها وصوتها، من دون الاهتمام بالموضوع أو المستوى الفني، لذلك لم تستمر طويلا في السينما، عكس مطربين آخرين مثل شادية وعبد الحليم حافظ وغيرهما)· أعمال ضعيفة (لم تكن وردة تملك أي موهبة تمثيلية ولم تضف إلى السينما المصرية نهائياً)، في رأي الناقد محسن ويفي، بل قدمت أعمالاً لم ترقَ حتى إلى مستوى الجيد، (مع أن مطربي جيلها لم يجيدوا التمثيل، إلا أنهم تركوا بصمتهم في ما سمي بالفيلم الغنائي، فيما لم تجتهد هي لبلوغ مستوى أقوى في التمثيل واكتفت بموهبتها الغنائية وتقديم أغنيات في أفلامها، لذا أسند المنتجون إليها بطولة أفلام لا تحتاج إلى موهبة إنما إلى مطربة تسهّل أغنياتها توزيع الفيلم، وهو ما كان يحدث بالفعل، من هنا كان مرورها في السينما عابراً وغير مؤثر)· في المقابل تؤكد المخرجة سلوى عثمان أن وردة قدمت أفلاماً مهمة منها: (ألمظ وعبده الحامولي) الذي بدأت به مشوارها الفني في مصر، وكانت بداية قوية، برأيها، إلا أن زواجها وسفرها دفعاها إلى الاحتجاب فترة طويلة، ثم عادت في السبعينيات وقدمت أفلاماً منها (آه يا ليل يا زمن)، الذي تعتبره مهماً أيضاً، مؤكدة أن وردة تركت علامة مهمة في السينما المصرية، لافتة إلى أن الميلودراما كانت سمة غالبة على معظم الأفلام في تلك الفترة خصوصاً أفلام المطربين مثل عبد الحليم حافظ· من جهته يشير الناقد يعقوب وهبي أن الأفلام التي مثلتها وردة لم تترك أثراً في السينما المصرية، وكان المنتجون يختارونها لبطولة أفلام ضعيفة بهدف الاستفادة من صوتها وجمالها وشهرتها كمطربة ومن جماهيريتها، (لذا هي مشروع سينمائي لم يكتمل، فقد اكتفت بالنوعية التي اختارها لها النقاد، ووضعت نفسها في قالب واحد، وهو السيدة المنكسرة الضعيفة، ولم تطور موهبتها أو تختار أعمالاً جادة)· لكن السينما أضافت إلى وردة كثيراً، في رأي وهبه، فقد ساهمت في انتشارها جماهيرياً، لا سيما أن الأفلام كانت الوسيلة الوحيدة لمشاهدة المطربين إلى جانب الحفلات، لذلك عمل هؤلاء في السينما كونها تمثل تاريخاً وذاكرة بالنسبة لهم· يضيف وهبي أن سفرها إلى الجزائر ثم إلى فرنسا سببا في توقفها عن العمل، وعندما عادت إلى مصر كانت انتقلت إلى مرحلة عمرية مختلفة وهي مرحلة السيدة الناضجة، ما قلل فرص عملها في السينما·