ما أشبه الليلة بالبارحة.. وما أشبه نهاية الظالمين بعضها ببعض.. وما أشبه ما حدث للكبراء والوزراء في بلدنا بما حدث للبرامكة في العصر العباسي. القاسم المشترك بين الطائفتين بين طائفة البرامكة في القديم.. وبين عصابة الفساد في العصر الحديث الظلم والطغيان.. التجبر والتكبر.. الفساد والانحلال.. استغلال السلطة لسرقة شعوبهم.. واستخدام وسائل القهر لتكميم أفواههم وكبت حريتهم. قال مؤرخ الإسلام الذهبي - رحمه الله _ في كتابه الكبائر: وقيل لما حبس خالد بن برمك وولده قال: يا ابتي بعد العز صرنا في القيد والحبس. فقال: يا بني دعوة المظلوم سرت بليل غفلنا عنها ولم يغفل الله عنها. البرامكة عاثوا في الأرض الفساد وظلموا وطغوا.. وتكبروا وتجبروا.. ونهبوا خيرات البلاد.. واستولوا على أموال العباد.. وأذلوا شعبهم وأذاقوهم مرارة الذل.. وجرعوهم كأس الأسى والظلم.. فما كان لهم من جزاء إلا غياهب السجن ومعاناة آلامه وضراوة لحظاته. ما كان يخطر ببال خالد البرمكي يومًا أن ينسحب البساط من تحت قدميه ويودع فى السجن.. لذا قال لأبيه: (بعد العز صرنا في القيد والحبس). ما كان يخطر بباله يوماً أن يترك الترف والنعيم والسؤدد والحكم والخدم والحشم .. ويوضع في القيد والذل فقال:(بعد العز صرنا في القيد والحبس) ما كان يخطر بباله يوماً أن يترك عيشة القصور والمبيت على الحرير وينام في مكان ضيق مظلم بلا غطاء ولا أنيس فقال: (بعد العز صرنا في القيد والحبس) لقد أعاد التاريخ نفسه معلماً للأجيال أن كل ظالم لابد له من نهاية أليمة. لقد أعاد التاريخ نفسه مذكرًا بسنن الله في كونه إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة.. ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة. لقد أعاد التاريخ نفسه مبشراً أن دولة الظلم ساعة.. ودولة العدل إلى قيام الساعة لقد أعاد التاريخ نفسه واعظاً: هي الأمور كما شاهدتَها دول من سرَّه زمنٌ ساءته أزمانُ وهذه الدار لا تبقى على أحد ولا يدوم على حال لها شان لقد أعاد التاريخ نفسه وزج بالكبراء والوزراء في غياهب السجن جزاء على صنيعهم المخزي مع شعبهم الذي وثق بهم. جزاء على خيانتهم للأمانة.. وغدرهم للعهود.. ونقضهم للمواثيق.. وضربهم لكل الأعراف والتقاليد عرض الحائط من أجل مصالحهم الشخصية. جزاء على سياساتهم النازية.. وأساليبهم القهرية.. وفسادهم المتعمد.. ونهبهم المدروس.. وعبثهم بخيرات وقدرات شعبهم. يا لله بعد العز صاروا في القيد والذل.. بعدما كانوا يأمرون فيطاعون.. يؤمرون فيطيعون.. بعدما كانوا أصحاب الكلمة والسيادة جردوا من كل شيء وأصابتهم المهانة. يا لله بعدما كانوا كبراء أعزة يهابهم الناس.. صاروا أذلة يحتقرهم الناس ويستصغرونهم بعد العز صرنا في القيد والذل من كان يظن أن برامكة العصر الحديث الذين كانوا يرفلون في الحرير ينامون في السجن على الحصير. من كان يظن من كان حرًا طليقاً يتنقل متى شاء.. وإلى أين شاء.. وكيفما شاء.. يصبح مكبلا ً بالحديد.. مقيداً وراء الأسوار العالية والحصون المنيعة. من كان يظن من كان يأمر وينهى.. وينصب ويقيل.. ويقرب هذا ويبعد ذاك.. يصبح هامشاً في لحظة واحدة. من كان يظن من قتل وشرد وسجن وعذب، ورمل ويتم يشرب من نفس الكأس التى سقى منها الألوف من شعبه. من كان يظن من فرق مئات الأسر وحرم آلاف الأمهات من فلذات أكبادها سنوات عجاف.. يتجرع نفس الكوب ويفرق بينه وبين أولاده. بعد العز صرنا في القيد والذل لقد نسى هؤلاء العابثون أن الله يمهل ولا يهمل.. وأنه يملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته. لقد نسى هؤلاء أن الله يخذل الظالم وينصر المظلوم ولو بعد حين.. فكم هلكت دول.. وزالت أمم.. وتهاوت عروش بسبب دعوة مظلوم سرت بليل. وصدق الشاعر إذ يقول: أما والله إن الظلم شوم وما زال المسىء هو الظلوم ستعلم يا ظلوم إذا التقينا غدًا عند المليك من الملوم..