أشار عددٌ من العلماء إلى أن الله تعالى خلق الناس لعبادته وإصلاح الأرض وتعميرها، وفعل الخيرات ومجاهدة الباطل ودفع المنكر، وبناء المجتمعات وتنميتها وإعلاء راية الحق. وقالوا إن رسالة الإسلام جاءت خاتمة تقرر المبادئ والقيم والكليات ونظام الحياة، فتعاليمه شاملة تستوعب الحياة بكل أحوالها ونشاطاتها وتنظيماتها وتعقيداتها، وترك الباب مفتوحاً لتجديد الوسائل والأساليب، وإن الاسلام دعا أتباعه إلى الطاعة، وتحقيق العدل والمساواة بين الناس. قال الدكتور كارم غنيم، رئيس جمعية الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسنة، إن منهج الإسلام يهدف إلى تربية المسلم على القيم الفاضلة، بحيث يكون فاعلا يؤدي دوره في تزكية الحياة ورقي الأمة، مضيفا أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، صور هذه المعاني في الحديث النبوي الشريف الذي تحدث عن قصة الغلام والراهب والساحر. وقال، وفقاً ل(الاتحاد): إن الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه عن صهيب، رضي الله عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال: كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر، فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت فابعث إلي غلاما أعلمه السحر، فبعث إليه غلاما يعلمه، وكان في طريقه إذا سلك راهب فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه، وكان إذا أتى الساحر مر بالراهب، وقعد إليه فإذا أتى الساحر ضربه فشكا ذلك إلى الراهب فقال: إذا خشيت الساحر فقل حبسني أهلي وإذا خشيت أهلك فقل حبسني الساحر. فبينما هو على ذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس، فقال: اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل؟ فأخذ حجرا فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس، فرماها فقتلها ومضى الناس، فأتى الراهبَ فأخبره. فقال له الراهب: أي بنيّ أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى! وإنك ستُبتلي فإن ابتليتَ فلا تدل علي، وكان الغلام يبرىء الأكمه والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء فسمع جليس للملك كان قد عمى فأتاه بهدايا كثيرة فقال: ما هاهنا لك أجمع إن أنت شفيتني، فقال: إني لا أشفي أحداً إنما يشفي الله تعالى فإن آمنت بالله دعوت الله فشفاك، فآمن بالله فشفاه الله، فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك: من رد عليك بصرك؟ قال: ربي، قال: أولك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله. إيمان الغلام فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام، فجيء بالغلام فقال له الملك: أي بني قد بلغ من سحرك ما تبرىء الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل! فقال: إني لا أشفي أحدا إنما يشفي الله تعالى، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب، فجيء بالراهب فقيل له ارجع عن دينك فأبى، فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه: ثم جيء بجليس الملك فقيل له ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه. ثم جيء بالغلام فقيل له ارجع عن دينك فأبى، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به الى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فإن بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه. فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل فسقطوا وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابُك؟ فقال: كفانيهم الله تعالى. فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور وتواسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه، فذهبوا به فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السفينة فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك. فقال له الملك: ما فعل أصحابُك؟ فقال: كفانيهم الله تعالى. فقال للملك: إنك لستَ بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال: ما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ثم خذ سهما من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل بسم الله رب الغلام، ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني، فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهما من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال باسم الله رب الغلام، ثم رماه فوقع السهم في صدغه فوضع يده في صدغه فمات، فقال الناس: آمنا برب الغلام، فأتى الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر قد والله نزل بك حذرك: قد آمن الناس، فأمر بالأخدود بأفوه السكك فخُدَّت وأضرم فيها النيران، وقال من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها أو قيل له اقتحم. ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام:(يا أماه اصبري فإنك على الحق). المعاني المهمة وأوضح أن القصة التي رواها النبي صلى الله عليه وسلم عن غلام عاش في زمان من الأزمنة الماضية، وحرص فيها على تأكيد العديد من المعاني المهمة أهمها أن الإنسان يجب أن يكون له هدف من حياته ورسالة يسعى لتحقيقها حتى لو كلفته حياته، مثلما فعل الغلام في الحديث عندما واجه الظلم بالحكمة وكشف زيفه وبطلانه، مبيِّنا أن فطرة الإنسان السوية اقتضت أن يكون مع الحق والخير ويرفض الشر والباطل، وظهر هذا من موقف الغلام، عندما سمع الحق من الراهب ونبذ الساحر وأفعاله الشريرة. وقال إن القصة تبين أن الغلام علم بفطرته أن الحق مع الراهب، ولكن أراد أن يقيم الحجة على الظالمين، مبينا أن الرسول الكريم، عليه الصلاة والسلام، أخبرنا أن اللجوء إلى الله والدعاء لنصرة الحق من خلق المؤمن، ومن أهم مقومات النصر وقطع دابر الكافرين. ويضيف أن أهم العبر التي نتعلمها أن إماطة الأذى عن الطريق وتخليص الناس من المصائب والكروب من خُلق الاسلام، وقال إن الدين الحنيف يزرع في نفوسنا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصدع بالحق قد يجلب على الإنسان الابتلاء وإنه يجب عليه مواجهته بالصبر لنيل الأجر العظيم من الله تعالى، مصداقاً لقوله سبحانه: (يا بني أقم الصلاة وامر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور). ويؤكد أن الإيمان يجعل الإنسان حريصا في كل أفعاله ويتحرى الصدق ولا يغتر، وهذا اتضح جليا من موقف الغلام عندما قال للملك صراحة إنه لا يشفي أحدا، إنما يشفي الله تعالى، كما حدث مع سيدنا إبراهيم- عليه السلام- في قوله تعالى: (وإذا مرضت فهو يشفين)، فالمؤمن الصادق هو الذي ينسب فعل الكرامة إلى الله وليس إلى نفسه. * إن أهم العبر التي نتعلمها أن إماطة الأذى عن الطريق وتخليص الناس من المصائب والكروب من خُلق الاسلام، وإن الدين الحنيف يزرع في نفوسنا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصدع بالحق قد يجلب على الإنسان الابتلاء وأنه يجب عليه مواجهته بالصبر لنيل الأجر العظيم من الله تعالى، مصداقاً لقوله سبحانه:(يا بني أقم الصلاة وامر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور)..