تقام مساء اليوم بملعب الإخوة براكني بمدينة البليدة مباراة اعتزالية وتكريمية للاّعب السابق للمنتخب الوطني خلال عشرية السبعينيات واتحاد البليدة نصر الدين آكلي، وبإقامة هذه المباراة سيعلن ابن مدينة البليدة رحيله النّهائي عن عالم الميادين وهو الذي قضى فوقها أكثر من 40 سنة كلاعب وكمدرّب. لعلّ الكثير من الجمهور الرياضي الجزائري يجهل صاحب الرّقم القياسي في عدد الأهداف المسجّلة في لقاء واحد، لكن ها نحن نجيب على هذا السؤال مع المعني بالأمر نصر الدين آكلي، اللاّعب الذي أصابته عين حسود بعد أن تداولت اسمه العديد من الصحف ووكالات الأنباء العالمية في خريف عام 1973 ليس بالفوز الساحق الذي فاز به منتخبنا الوطني على المنتخب اليمني ب (11/0)، بل للأهداف الستّة التي وقّعها ابن مدينة موزاية ولاعب اتحاد البليدة نصر الدين آكلي في شباك الحارس محمد إبراهيم العزمي. لكن فور عودة الفريق الوطني إلى أرض الوطن بعد مشاركته في كأس فلسطين اختفى اسم نصر الدين آكلي من الساحة الكروية، بل اختفى حتى من صفوف فريقه اتحاد البليدة، وتلكم هي واحدة من ألف حكاية رواها لنا آكلي ارتأينا أن نقدّم البعض منها في هذه الصفحة الخاصّة بمناسبة المباراة الاعتزالية التي ستقام على شرفه مساء اليوم بملعب الإخوة براكني بمدينة البليدة. ولد قبل اندلاع الثورة التحريرية المجيدة ولد ناصر آكلي بمدينة موزاية ولاية البليدة في العاشر من شهر ماي عام 1953، أي قبل عام ونصف من اندلاع الثورة التحريرية المجيدة. في غمرة الاحتفالات بيوم النّصر العظيم كان نصر الدين آكلي قد بدأ مداعبة الكرة وقد أبهر بطريقة مداعبه الجميع، خاصّة بعد أن أنعم اللّه عزّ وجلّ عليه بسمة المراوغة فكان أشبه بالساحر الذي يتلاعب بالكأس بين يديه دون أن يسقط منه، فكان من البديهي أن يشقّ طريقه إلى فريق اتحاد البليدة. من فرق الحومة إلى اتحاد البليدة لم يشكّل انضمام نصر الدين آكلي إلى أصاغر اتحاد البليدة مفاجأة للجمهور الرياضي البليدي، حيث سبقه إلى هذا الفريق ابن عمّه شريف آكلي الذي كان يفوقه بحوالي 15 سنة. مشاكل البليدة أثّرت على لمحات آكلي لعب نصر الدين آكلي لأكابر اتحاد البليدة اثنى عشر سنة امتدّت من عام 1969 إلى 1977 ومن 1979 إلى 1983، قدّم فيها لمحات كروية لا تمحى ولا تزول من ذاكرة ليس البليديين فحسب، بل كلّ من عايش هذا اللاّعب في عزّ عطائه. لكن بالرغم ممّا كان يقدّمه ابن مدينة موزاية إلاّ أن تلك اللّمحات لم تجد فريق (الخضراء) في شيء، والسبب حسب ما يقول آكلي أن كثرة المشاكل التي كان يعرفها فريق اتحاد البليدة والتغييرات العديدة على مستوى العارضة الفنّية إلى درجة أنه لم يكمل أيّ مدرّب أشرف على اتحاد البليدة على مدار السنوات العشر التي لعب فيها آكلي للفريق الموسم. تعاقب المدرّبين وحبّ المصلحة الشخصية على مصلحة الفريق كان له الأثر السلبي على فريق اتحاد البليدة، حيث خسر في عام 1972 لقاء الدور نصف النّهائي لكأس الجزائر أمام اتحاد العاصمة. فرغم أن هذا الأخير كان ينشط في الدرجة الثانية واتحاد البليدة في الدرجة الأولى إلاّ أن الغلبة كانت لفريق (سوسطارة) في لقاء لعبه اتحاد البليدة بكامل عناصره الأساسية، في مقدّمتهم نصر الدين آكلي والمدرّب الحالي للفريق الوطني رابح سعدان. في السنة الموالية من وصول اتحاد البليدة إلى المربّع الذهبي لكأس الجزائر نزل إلى القسم الوطني الثاني في غياب نصر الدين آكلي الذي غاب عن الفريق لمدّة سنتين كاملتين وهو ما سنعرفه بعد أن نكمل سرد مسيرته مع فريق اتحاد البليدة والفرق التي لعب لها. شكّل الإصلاح الرياضي الذي تمّ تطبيقه عام 1977 ضربة موجعة لفريق اتحاد البليدة، حيث فقد هيبته وبات محلّ سخرية الجميع بعد أن تغيّرت تسميته من (usmb) إلى (urnb) فراح يطلقون على الفريق اسم الأرنب، فكان من البديهي أن يغادر آكلي فريقه المحبوب باتجاه الفريق الذي كان يعشقه ويفضّله عن الآخرين اتحاد العاصمة كون هذا الفريق كان لاعبوه يطغى على أدائهم اللّعب الفّني والجمال الكروي وهو الذي كان يفضّله آكلي في اتحاد البليدة. لعب آكلي في اتحاد العاصمة موسمين فقط، وصل في عام 1978 إلى نهائي كأس الجزائر لكنه لم يشرب من الكأس الغالية التي سلّمها آخر مرّة الرئيس الرّاحل هواري بومدين للاعبي شباب بلوزداد قبل أن يلقى ربّه في التاسع والعشرين من عام 1978. حنين آكلي إلى اتحاد البليدة ظل يراوده، ليعود من جديد إلى الفريق الذي أفنى فيه شبابه لكنه لم يفعل شيئا، ليقرّر بعدها في عام 1981 الانتقال إلى فريق نجم العفرون لاعبا ومدرّبا، وبعد أن أحسّ بأنه لكلّ بداية نهاية قرّر وضع حدّ لمسيرته الكروية كلاعب. لعنة السداسية التاريخية لآكلي مع "الخضر" بعد تألّقه الواضح مع فريق اتحاد البليدة ومساهمته الفعّالة في صعود اتحاد البليدة لأوّل مرّة إلى بطولة القسم الوطني الأوّل عام 1971، استدعي نصر الدين آكلي إلى المنتخب الوطني للمشاركة في كأس فلسطين التي احتضنت منافستها العاصمة اللّيبية طرابلس. وقبل أن تحطّ العناصر الوطنية رحالها في بلد القذافي أجرت تربّصا إعداديا في العاصمة الرّوسية موسكو لمدّة أسبوعا كاملا. خاض الفريق الوطني أوّل لقاء له في هذه المنافسة أمام المنتخب اليمني، ونظرا لخوض هذا الأخير أوّل دورة دولية لم يجد زملاء الرّاحل محمد خديس أدنى صعوبة، حيث هزّ شباك اليمنيين بإحدى عشر هدفا، سجّل منها البليدي نصر الدين آكلي ستّة أهداف كاملة، عدد لا زال صامدا إلى حدّ اللّحظة، حيث لم يتمكّن إلى حدّ الآن أيّ لاعب من تسجيل هذا العدد أو معادلته، وقد اختير نصر الدين آكلي هدّافا للبطولة برصيد تسعة أهداف كاملة. لكن في الوقت الذي راح فيه الجمهور الجزائري يتساءل عن الوافد الجديد إلى الفريق الوطني والقادم من اتحاد البليدة إذ بداء غريب يصيب آكلي على مستوى الصدر فاضطرّ إلى الابتعاد عن ميادين الملاعب لأكثر من سنتين، مدّة كانت كافية لابن مدينة الورود لكي يفقد الكثير ممّا وهبه اللّه تعالى، وحين استعاد القليل من إمكانيته تعرّض اتحاد البليدة لزلزال عنيف قضى على كلّ ما هو أخضر في الفريق الأخضر، فكان من البديهي أن يفقد آكلي مكانته نهائيا في الفريق الوطني خاصّة مع ظهور أسماء جديدة كانت وراء إهداء الجزائر أوّل وآخر ميدالية ذهبية في الألعاب المتوسطية التي احتضنتها بلادنا عام 1975 أمام المنتخب الفرنسي. ربع قرن في عالم التدريب وإحدى عشر فريقا درّبها آكلي كما سبق الذّكر منذ قليل بعد أن أحسّ نصر الدين آكلي بأنه بات غير قادر على العطاء فوق الميادين بعد انتقاله إلى فريق نجم المعفرون، راح يشرف على تدريبه فأحسّ بلذّة رائعة في عالم التدريب، ليدرّب إلى غاية هذا الموسم مع نجم القليعة إحدى عشر فريقا، بداية من نجم العفرون إلى نجم القليعة. وبين هذين الفريقين درّب آكلي كلاّ من اتحاد البليدة ووداد بوفاريك واتحاد موزاية واتحاد حجّوط ونجم بودواو ووفاق سور الغزلان واألمبي المدية ونادي بارادو وشبيبة الشرافة وصفاء الخميس، وحقّق الكثير من الإنجازات الهامّة منها على سبيل المثال صعوده مرّتين مع صفاء الخميس ومرّة مع وداد بوفاريك إلى القسم الوطني الثاني عام 1993 ومرّة واحدة مع اتحاد القليعة إلى بطولة ما بين الجهات، وهو نفس الفريق الذي قاده لأوّل مرّة إلى المربّع الذهبي لكأس الجزائر في الموسم المنصرم.