عرفت مدينة شرشال نوعا من التذبذب بعدما فقدت شعاعها في حكم يوبا الثاني. يشعر زائرها لأول مرة وكأن هذه المدينة الفاتنة تعانق بجمالها عمق التاريخ. وعلى قارعة الطريق المسارح المفتوحة عبر الأحياء الأثرية والتي تكشف أسرارها. فهذه المدينة العريقة ازدهر عمرانها في عهد يوبا الثاني وفي العهد الأندلسي والعثماني. إن الفاتحين العرب استقوا هذا الاسم من هدير الأمواج المتلاطمة كما يوجد تفسير آخر، أن مسلمي الأندلس أعجبوا بجمال المدينة بعد نزوحهم إليها ، فقالوا شأنها شأن، فتحولت بمرور الأيام إلى شرشال. والبعض يقول : الحياة فيها لعدم تعرضها لتخريب شامل وبسبب موقعها الحيوي أيضا. والذي أهلها لتكون المدينة الثانية بعد قرطاجة في شمال إفريقيا قديما. فهي تقع على هضبة يحدها البحر شمالا ومرتفعات مناصر جنوبا ، وتمتاز بثرواتها الخشبية التي ساعدت السكان على بناء منازلها وسفن الصيد ، وتوفر المياه العذبة وتتوفر على سهول خصبة ومعادن متنوعة كالحديد والنحاس والرخام. وجد الفنيقيون في سواحلها الجزيرة الصغيرة مكانا مناسبا لبناء ميناء استعمل كمحطة ومركز تجاري سرعان ما تحول إلى نواة المدينة التي حملت اسم(يول) بدأت شرشال في استعادة حضارتها عند مجيء الاندلسيين سنة 1496م بفضل مهارتهم الصناعية والحرفية والزراعية: الحرير والبواخر... وتمكن الأتراك من صد هجوم الإسبان على المدينة سنة 1531م. تعرضت المدينة لعدة هجومات بحرية أروبية صليبية بحجة محاربة القرصنة. وكذلك أهم المعالم الحضارية المنجزة في شرشال في عهد الأتراك الجامع الكبير المشيد في القرن السادس عشر، ويتميز بجمال هندسته المعمارية. يقع المسجد الكبير في وسط المدينة وقد أسس في التاريخ المذكور. يشرف هذا المسجد على ساحة كبيرة تلتقي عندها شوارع ضيقة كالقصبة ، ومساكن متلاصقة تحيط به. وقاعة الصلاة لهذا المسجد مستطيلة الشكل وتحتوي على 100 عمود أو 100 عرصة كما يقال. وكان بمثابة قاعدة للتعليم والتدريس وتعليم القرآن الكريم ،ولقاعة الصلاة مداخل شرقا وجنوبا حيث المنارة شيدت فوقه بشكل مربع ويوجد فيها مدخل يؤدي إلى السطح للآذان. وإن كفاح هذا المسجد وصراعه ضد الاستعمار على مدى ما يقرب من قرن أو أكثر يبين مدى ما عاشته مساجد الجزائر كلها من الظلم والاضطهاد، والمسخ والتغريب وعمليات الطمس والتمسيح الصليبية المقيتة. قاومت شرشال الاحتلال الفرنسي الذي احتلها في ماي 1840م. فبني مناصر منطقة واسعة في ولاية تيبازة حاليا تشتمل من حجوط إلى بني حواء وقد كانت أسرة البركاني قد قادت حربا ضد فرنسا، والتي تمتاز بالشجاعة والإقدام والشهامة. وتتميز هذه المنطقة بطابعها الجبلي ودروبها الوعرة يسكنها قبائل أمازيغية حافظت على أصالتها ، وأدخلت في عدة معارك ومناوشات مع الجيش الفرنسي ، وكانت هذه المعارك في السنوات (من 1840 1846م) تحت قيادة مالك البركاني إلى أن استشهد في إحدى المعارك. قام الأميرعبد القادر بتنصيب مالك البركاني كقائد المقاومة في هذه المنطقة وذلك في اجتماع بالمسجد الكبير بشرشال بعد صلاة الظهر ، تمت مبايعة مالك البركاني حيث قاد المقاومة إلى أن استشهد يوم 2 أوت 1871م، كما تم تعيين عيسى البركاني على منطقة التيطري. رفض سكان بني مناصر الاندماج في الحالة المدنية الفرنسية وبقوا معتصمين بالجبال. وعند اندلاع الثورة التحريرية سنة 1954م، كانت جبال بوحرب وبومعد وسيدي سميان وبوسمام وجبل شنوة أولى الحصون الطبيعية التي احتضنت المجاهدين ولم تكن العمليات العسكرية مركزة على مدينة شرشال لأنها كانت شبه مغلقة بأسوارها مما صعب عمليات الثوار بداخلها، غير أن أبطال تلك المنطقة لم يستسلموا منهم: نوفي عبد الحق، بن ضيف الله ، بوشمع، سي جلول بن ميلود ، حبوش احمد، سي حمدان وغيرهم. تتألف حاليا المدينة من مناطق وأحياء، من أقدمها وأكثرها ازدحاما بالسكان في الوقت ذاته الحي الغربي وفي فصل الصيف حدث ولا حرج ،ترتفع درجة الحرارة وتنخفض وتجري الرياح القادمة من المحيط لتعصف البيوت بالنسيم العليل وتنعش الحياة ، وإذا سألت عن فصل الربيع قالوا لك إن المدينة لا تعرف هذا الفصل على الإطلاق. ففصل الخريف تكثر فيه الفواكه بجميع أنواعها الداخلية من قمم جبال المدينة وضواحيها، وفي ذاتها يمتد ساحلها عبر الشاطئ. وفي المولد النبوي الكل يتدافع داخل تلك الفتحات التي تشبه فتحات القصبة في مدينة الجزائر ، ممرات وأنفاق ، وتفتح الساحات وتمتلأ بالمارة وفي أيديهم كؤوس الشاي في المركب المنصب بالساحة متجهين إلى البحر حاملين معهم الشموع والمرفقعات.