حين ولدت ثورة 23 جويلية 1952 لم يكن أطفأ شمعته الأولى بعد. لهذا لا يذكر اللواء محمد نجيب والبيان الرقم واحد. حين ذهب إلى المدرسة كان اسم الرئيس جمال عبد الناصر. في سبعينات أنور السادات تفوق في الجامعة وتخرج وسلك طريق جماعة (الإخوان). وفي العهد المديد لحسني مبارك دخل مجلس الشعب ودخل السجن أيضا. لهذا يصعب تشبيه الرئيس الجديد لمصر بأي من أسلافه. لم يقرأ في الكتاب نفسه ولم يشرب من النبع نفسه. حصوله على دكتوراه في الهندسة من جامعة في أميركا وقيامه بالتدريس هناك لا يعني أبدا أن ثقافته غربية. لم يأت مرسي كأسلافه من الكلية الحربية. جاء من عباءة المرشد. رأينا البارحة ما لم يكن أحد يجرؤ على توقعه قبل عامين أو أقل. مرسي نفسه لم يكن يجرؤ على ارتكاب حلم بهذا الحجم. لم يكن أي إخواني يتصور أن يتقدم إخواني للجلوس على كرسي عبد الناصر وأن يحتل استراحة السادات أو مكتب مبارك في قصر العروبة. كان مرسي نائبا نشطا ومثابرا لكنه كان موعودا بالسجن لا بالقصر. ويمكن القول إنه رجل لا ينقصه الحظ. حرك شبان غاضبون رياح التغيير فتقدمت جماعة (الإخوان) لالتقاط الفرصة التاريخية. جذورها أعمق وإمكاناتها أكبر وتنظيمها عريق. وقعت الثورة في حضن الجماعة. تدخل الحظ. استبعد خيرت الشاطر فرمت الجماعة بثقلها دعما للاعب الاحتياطي. سيكمل الحظ رحلته معه. منافسه في دورة الإعادة أحمد شفيق. جنرال وآخر رئيس للوزراء في (العهد البائد). وقع كثر في الخيار المر. مرسي ليس الضمانة الذهبية للدولة المدنية لكن شفيق يذكر بما كان. ومن صناديق الاقتراع خرج مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة رئيسا لمصر ما بعد الثورة. لبست مصر عباءة (الإخوان) ولكن تحت رقابة العسكر. يفترض أن ينهي فوز مرسي مرحلة المليونيات والهتافات والقبضات. ذهبت أيام الأحلام وحانت ساعة الأرقام. على الرئيس الجديد أن يفكر الآن بإنعاش الاقتصاد المتدهور. عليه أن يطمئن المستثمر والسائح والحليف والصديق. وهذا يحتاج إلى سياسات جريئة وصعبة ومرونة وتنازلات. عليه أولا أن يطمئن مصر المنقسمة بحدة. عليه أن يطمئن الخائفين من الرأي الواحد والزي الموحد ومن احتمال التعامل مع السياسة والاقتصاد والأقليات والمرأة انطلاقا من قاموس لا تصلح وصفاته للحظة الحاضرة. عليه أن يواجه أيضا موضوع الدستور ومجلس الشعب وصلاحيات الرئيس خصوصا بعدما قلم المجلس العسكري أظافر الرئيس الجديد قبل إعلان اسمه. عليه أن يفكر أيضا بموقع مصر في الإقليم وعلاقاتها مع الدول المؤثرة وهواجس هذه الدول. وعليه أن يفكر أيضا بعلاقات مصر مع إسرائيل والولايات المتحدة والمقاييس الأوروبية. عليه أن يفكر بالمساعدات والقروض والهبات وأثمانها أيضا. لن تكون رحلة مرسي سهلة. ولا يكفي أن يجمد عضويته في الجماعة وأن يقترح إشراك الآخرين. عليه التحرك سريعا لإرساء مصالحة شاملة وجدية. قراءة الأصوات التي نالها تظهر أن التفويض الممنوح له ضيق ومشروط. وأن حزبه سيتحمل من الآن فصاعدا مسؤولية مطالب الناس وإلحاحهم وخيباتهم أيضا. الأحلام قابلة للمساحيق. الأرقام قاسية وعارية. وقد تظهر الأيام أن جماعة (الإخوان) جازفت كثيرا حين أصرت على الفوز بقصر الرئاسة. يبقى أن مصر ثارت واقترعت وحبست أنفاسها بانتظار معرفة اسم الرئيس. مشهد غير مسبوق في عهد الجمهورية المصرية. تدريبات صعبة على الديموقراطية وشجونها. انتخبت واختارت إسلاميا للرئاسة وكأنها تؤكد هوية الربيع والاتجاه الذي أشارت إليه تونس. لا مبالغة في القول أننا أمام مصر أخرى. يمكن القول أيضا أننا في الطريق إلى منطقة أخرى. الربيع الذي ألبس مصر عباءة (الإخوان) يغرق اليوم في سورية وسط بحر من الجنازات ومبارزة إقليمية ودولية. وقعت المنطقة في موسم الهزات والمفاجآت والانهيارات. الرجاء ربط الأحزمة.