أعلن بصفة رسمية، أمس، فوز مرشح حركة الإخوان المسلمين محمد مرسي بكرسي رئاسة مصر أمام منافسه الحر أحمد شفيق ليكون بذلك أول رئيس للجمهورية المصرية الثانية. وكشف فاروق سلطان رئيس اللجنة العليا للانتخابات عن اسم الفائز في جلسة حضرها أعضاء اللجنة ومئات الصحفيين بعد سرد مطول لحيثيات العملية الانتخابية والظروف التي جرت فيها عملية التأكد من الطعون والنتائج التي حصل عليها، خاصة المضايقات والانتقادات والحملة الإعلامية التي شككت في نزاهة اللجنة وأعضائها. وتابع المصريون في منازلهم والمرشحان في مداوماتهما ومئات آلاف المصريين في ميدان التحرير مداخلة سلطان بكثير من الترقب وبتدفق مزيد من “الأدرينالين” وأعينهم شاخصة تنظر إلى شفاه فاروق سلطان ترقبا لاسم الفائز بانتخابات أسالت الكثير من الحبر وشكلت محور موائد تلفزيونات عالمية ولكنها شكلت أيضا بواعث خوف لما يمكن أن يترتب عنها من أحداث. وتابع الملايين درجة الصخب التي صاحبت الإعلان عن فوز مرشح الإخوان بين مؤيد ورافض لنتيجة أول انتخابات رئاسية ديمقراطية تعرفها مصر في تاريخها في “فوضى” حالت دون تمكن فاروق سلطان من إتمام مداخلته التي ختمها بتهنئة المرشح المنتصر. وفي مشهد يكاد يكون مشابها اهتز مقر مداومة المرشح الإخواني فرحا وابتهاجا بعد أن مرت “عاصفة” الإعلان بردا وسلاما عليهم، لكنها لم تكن كذلك في مقر مداومة منافسه أحمد شفيق التي خيم عليها صمت جنائزي إلا من حشرجات أنصاره الذين لم يتمكنوا من إخفاء دموع الحسرة وهم يرون أملهم في تربع مرشحهم على كرسي مصر خلال الأربع سنوات القادمة يتبخر. لكن أنظار المصريين وكل العالم كانت موجهة إلى ميدان التحرير الذي تحول إلى “بارومتر” حقيقي لنبض الحياة السياسية في بلد لم يعرف الاستقرار منذ أول مسيرة احتجاجية ضد نظام الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك شهر جانفي من العام الماضي. وكان الكل ينتظر ماذا سيكون عليه رد فعل مئات آلاف المصريين الذين احتشدوا منذ أزيد من عشرة أيام في هذه الساحة احتجاجا على قرارات المجلس العسكري الأخيرة وأيضا للقول إن محمد مرسي سيكون رئيس مصر القادم. ولم تثن لا درجة الحرارة ولا الرطوبة العالية آلاف المصريين من الاعتكاف في هذه الساحة وهم يترقبون ساعة الحقيقة بكثير من الهواجس إلى غاية ظهور فاروق سلطان لإعلان اسم المنتصر وقد ساد الميدان صمت رهيب والكل ينتابه شعور واحد وهو أن يسرع هذا الأخير في الإعلان عن اسم الفائز وينهي حالة “السوسبانس” الذي تركه طول مداخلته. لكن فاروق سلطان أصر على إتمام مضمون تقريره ورقة،،، بورقة وبحيثيات دقيقة التي كلما تمعن فيها كلما زادت فيها نبضات قلوب الملايين تترقب إلى غاية نهاية التقرير ليرتفع صوت مدو علت فيه كلمة “الله أكبر” لمجرد سماع اسم المرشح محمد مرسي. والواقع أن هذا الإعلان وضع حدا لعدة أيام من الشحن الإعلامي والنفسي الذي شكل أكبر امتحان لشعب ينعت بكثرة صبره بعد أن تجاذب المرشحان أحقيتهما بكرسي رئاسة مصر وزاده ترقبا تأخر اللجنة العليا عن إعلان نتائج الفرز الرسمية بأربعة أيام كاملة في جو سياسي فتح الباب أمام سيل الإشاعات التي سارت جميعها إلى تأكيد فوز أحمد شفيق وأن التعزيزات الأمنية التي اتخذها المجلس العسكري إنما جاءت لاحتواء وضع غير محسوب العواقب. لكن الإعلان عن فوز مرشح حركة الإخوان أبطل كل تلك الشائعات وأكد ما سارع محمد مرسي إلى تأكيده منذ اليوم الموالي لانتخابات الدور الثاني أنه الفائز قبل أن يدحض أحمد شفيق في مزاعمه ويؤكد -من جهته- أنه هو من سيخلف الرئيس المخلوع حسني مبارك في رئاسة مصر. ويمكن القول إن الشحناء التي سبقت الإعلان الرسمي، أمس، كانت مبررة ومشروعة لكلا المرشحين إذا راعينا النتيجة النهائية التي أكدت تقارب نتيجة المرشحين، حيث لم يفز مرسي سوى بفارق مليون صوت وهو الذي كان مرشحا لأن يفوز منذ الدور الأول لهذه الانتخابات التي ستكون حدثا تاريخيا بنفس أهمية الإطاحة بنظام الرئيس مبارك. ويكون الإخوان المسلمون في مصر بهذه النتيجة قد حققوا -من جانبهم- نصرا تاريخيا في مسيرة نضال سياسي عرفت هزات كثيرة في ظل الأنظمة المصرية المتعاقبة منذ عهد الراحل جمال عبد الناصر وإلى غاية عهد الرئيس المخلوع مرورا بنظام أنور السادات والتي عرفت بجمهورية مصر الأولى. ولأن الحدث بالغ الأهمية فإن يوم 24 جوان 2012 تاريخ مرجعي في مصر تماما كما الحال بالنسبة لثورة الضباط الأحرار في 23 جويلية 1952 أو حرب 6 أكتوبر 1973 وصولا إلى ثورة 25 جانفي 2011. وهو أيضا تتويج لنضال إحدى أقدم الحركات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي والتي عرفت النور في سياق طغيان الفكر القومي-العربي وتكريسا لمبدأ المطالبة التي تبناها مؤسسو هذا التنظيم من حسن البنا وسيد قطب إلى اليوم. لكن هذا التتويج بقدر ما هو قطف لثمرة هذا النضال السياسي الذي امتد على مدار ستة عقود كاملة سيكون أيضا بمثابة امتحان عسير لمحمد مرسي الوافد الجديد على قصر الرئاسة المصرية الذي سيكون مطالبا بأن يؤكد أنه وحركته أهل لأن يضطلعا بقيادة أكبر دولة عربية وعلى اعتبار أن النموذج الإسلامي سيكون على محك الملاحظة والتقييم وهو لأجل ذلك مطالب بأن يكون عند حسن ظن الذين صوتوا له، وليؤكد أيضا للرافضين أنه جامع للكل والأكثر من ذلك قادر على إدارة شؤون بلد يعاني سيلا من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية والطائفية. فهل سيكون محمد مرسي أهلا لمسؤولية ضخمة وثقيلة وهو يدرك دون شك صعوبة الإيفاء بها، والأكثر من ذلك هل سيجد الظروف المواتية للقيام بها في محيط يمكن القول إنه لن يكون مزروعا بالورود وذلك هو السؤال.