عرفت مخالفات الصرف في الجزائر منحى تصاعديا، حيث بلغت الغرامات التي أصدرتها الجمارك ضد المستوردين الغشّاشين في إطار عمليات الرقابة اللاّحقة 3ر64 مليار دينار، وهو ما يمثّل 75 في المائة من المخالفات الجمركية المسجّلة على مستوى التجارة الخارجية. أفاد السيّد الرق بن عمر مدير الرقابة اللاحقة في الإدارة العامّة للجمارك في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية بأنه من بين 85 مليار دينار التي تمثّل مجموع الغرامات التي أصدرتها مصالح الجمارك 3ر64 مليار دينار منها مخالفات صرف أغلبها تضخيم فواتير الاستيراد من أجل تهريب العملة الصعبة، وهو التحايل الذي تواصل في 2011 رغم انكماش أسعار العديد من المواد المستوردة. ويتمّ تشديد الغرامات فيما يخص مخالفة قانون الصرف إذا ما تعلّق الأمر بشخصية معنوية، حيث تصل قيمتها إلى أربع مرّات قيمة المواد المصادرة من طرف الجمارك وتضاعف مرّتين إذا كان الغشّاش شخصية مدنية وذلك وفق قانون 1996 والمعدل في 2010 الخاص بمحاربة مخالفات الصرف وحركة الأموال من وإلى الخارج. وقدّم السيّد الرق تشخيصا (مقلقا) عن نزيف العملة الصعبة نحو الخارج، والذي شجعه تبييض الأموال والأموال الطائلة التي يتمّ تداولها في السوق الموازية خارج الدوائر البنكية. (هناك من ينشط في تبييض الأموال والتي توظّف في التجارة الخارجية.. لقد أصبح الأمر لعبة شيطانية)، على حدّ قوله. وللتصدّي لهذا التحايل الذي يستنزف مقدرات الجزائر من العملة الصعبة قامت الإدارة العامّة للجمارك بفرض رقابة دائمة استهدفت من خلالها كبار المستوردين والمتعاملين الاقتصاديين الذي يستوردون كمّيات كبيرة من مدخلات انتاجهم. وأضاف المتحدّث قائلا: (لقد شرعنا منذ فترة معيّنة في القيام بمراقبات أكثر دقّة، أصبحنا نركّز تدخّلاتنا خاصّة حول مخالفات الصرف لأننا لاحظنا أن الخسائر في هذا المجال أصبحت كبيرة)، وأضاف: (لقد حدّدت المديرية العامّة للجمارك هدفا وهو الحفاظ على احتياطات الجزائر من العملة الصعبة)، مؤكّدا أن الجزائر قادرة على كسب هذا الرّهان إذا ما قامت كلّ مؤسسات الدولة المكلّفة بمحاربة هذا الغش بالتنسيق فيما بينها. والأكثر خطورة في هذا الغشّ حسب المتحدّث هو لجوء هؤلاء المستوردين إلى مضاعفة فواتيرهم أحيانا بعشر مرات ليتسنّى لهم تهريب مبالغ كبيرة من العملة الصعبة نحو الخارج، واعترف قائلا: (حينما تكتشف أن سعر عتاد قد تمّت مضاعته عشر مرّات ما الذي ستقوم به، إن احسن ماركة لمنتوج ما لا يمكن أن يكون ثمنها عشر مرّات متوسط سعرها لكنه رفض في المقابل أن يدلي بأرقام عن تضخيم فواتير تمّ اكتشافها مؤخّرا من طرف مصالحه. إجماليا مثلت باقي المخالفات الجمركية التي سجّلت خلال السنتين الماضيتين 25 في المائة من المخالفات الإجمالية، كما عكست تنوّع الغشّ الجمركي الملاحظ حاليا على مستوى التجارة الخارجية. وخلال الفترة الممتدّة من سنة 2010 تاريخ بداية نشاط مديرية الرقابة اللاّحقة إلى غاية 2011 مثلت الجمركة بوثائق مزوّرة نحو 6ر6 في المائة من المخالفات الجمركية، حيث بلغت الغرامات المفروضة على الغشّاشين في هذا المجال 6ر5 في مليار دينار. وخلال السنتين الماضيتين بلغت الغرامات 8ر4 مليار دينار بالنّسبة للتحايل في استعمال المزايا الجبائية و9ر1 مليار دينار لتصريحات المزوّرة للقيمة و301 مليون دينار للتصريحات المزورة للمنشأ. ومثلت الغرامات المسجّلة في الأنظمة التفضيلية والإيقافية كالمنطقة العربية للتبادل الحرّ أو منطقة التبادل التجاري مع الاتحاد الأوروبي نسبة ضئيلة بلغت 29ر0 في المائة من المخالفات الاجمالية، وبالقيمة 1ر246 مليار دينار. وأرجع الرق هذه النّسبة الضئيلة إلى صعوبة إثبات المخالفات من طرف مصالح الجمارك، خاصّة في ما يتعلّق بالتصريحات المزوّرة للمنشأ التي عادة ما يستعملها المستوردون من المنطقة العربية للتبادل الحرّ. وحسب نفس المسؤول فإن شهادات إثبات المنشأ التي يقدّمها هؤلاء المستوردون على أساس أن بضاعتهم عربية الصنع تحوم حولها شكوك، لكن من دون أن تستطيع الجمارك الجزائرية إثبات العكس.