ما أحوجنا إلى الوقوف أمام هذه الصورة الرائعة التي يتصف بها المجاهد. فالجندي في أناقته، وتحفظه، وصرامته، ودقته وسخاءه وحبه للوطن. لازالت صورة المجاهد البطل النقيب سي حمدان في مخيلتي وهو يمشي بخطى الجندي المنضبط الذي ظل يجاهد في استماتة واستبسال حتى الاستقلال. ولد سي حمدان محمد بتاريخ : 28/09/1930 في دوار سيدي سميان ببلدية شرشال ( سابقا ) ابن محمد وأمه حبيش فاطمة، تربى وترعرع وسط عائلة محافظة تلقى تربية حسنة مع إخوته. كانت تقطن بأعالي جبال سيدي سميان وقبل بلوغه سن الرشد بدأت تحوم حوله أفكار الروح الوطنية، التي أهلته إلى معرفة الاستعمار الفرنسي، لم يسعفه الحظ في مواصلة مشواره الدراسي وحين اشتد عوده أينعت في كيانه، ثقافة رفض الواقع الاستعماري، فكانت نفسه الأبية تواقة للحرية. كان سي حمدان ينتقل إلى مدينة شرشال للبحث عن العمل لجلب قوت عائلته ومساعدة أبيه وفي هذه المدينة القريبة تعرف على مناضلي حزب الشعب الجزائري، أصبح مناضلا ومحنكا في صفوفه سنة 1948 مع الإخوة مقدم محمد، وحبيش وسي العربي وبورحلة، نشر النشاط النضالي للحزب بمسقط رأسه كان متصفا بالثبات على المبدأ في وقت الشدة والصبر أمام مصائب الدهر، وتقلبات الحياة، كان رجلا صارما، فلا يترك عاطفته تجره. استمر في النضال متحديا غطرسة الاستعمار كان رجلا يعتمد في مناقشته وحواره على العقل والمنطق. بعد التعب وضنك المعيشة انخرط في صفوف القوات الفرنسية، شارك في حرب الفيتنام وعند انتهاء الحرب رجع إلى الجزائر. وعندما كان موجودا في الجزائر برفقة المناضلين كانوا ينشرون الوعي الثوري في أوساط الشعب والذي فهم بأن الحرية تؤخذ ولا توهب، لكن العدو حاول تضليل الرأي العام العالمي ولم يغتر بالأقوال الجوفاء التي يرددها العدو. شاهد النظام الاستعماري الجائر ولما اندلعت ثورة نوفمبر 1954 اهتز الرجال لها وآن الأوان للانطلاق والمشاركة في الثورة. كان يتابع باهتمام تطور الثورة، كان يعيش ما يقوم به العدو من أعمال وحشية فظيعة. ندد واستنكر لهذه المواقف العنصري الحاقد وعلى إثر هذه المواقف سجن في لامبيز لمدة ثلاثة أشهر بباتنة. كانت هذه الفترة بالفعل مدرسة تعلم فيها الكثير، وقد ساعده ذلك على مطالعة أخبار الثورة مع مناضلي هذه المنطقة وسعت مداركه وكان يتمتع بالنظرة الثاقبة للأمور. ومنع عليه الخروج من الثكنة بسبب نشاطه المكثف مع بعض الإخوة في باتنة. ولقد زاد من اكتساب معلومات، قد عمقت بصورة واضحة وبلورت نظرته تجاه الأوضاع السياسية. وكم كان ينتظر بكل اعتزاز عندما يصحب الجنود إلى ميادين القتال والعمليات الحربية كان يحس بالقوة والشجاعة. كانت شجاعته لا تعرف الملل والضعف ولا التردد وكان يبحث عن رفقاء الدرب، كان يملك قدرة كبيرة على التكيف مع الوضع الجديد. وعلى إثر هذه العمليات نقل إلى البليدة فكانت فرحته كبيرة وتمكن من ربط الاتصال وكسب معلومات حول الأحداث بأساليبه الخاصة المنطقة الرابعة واتصل بمناضل فدائي بالبليدة وانضم الرجل الشجاع إلى الثورة التحريرية يوم 25/08/1956 وكان اتصاله بالأخ سي زوبير لذا يشهد له ذلك والذي سقط سي الزوبير في ساحة الشرف يوم 22/فيفري 1957 رفقة سبعة وعشرون من الطلبة بدوار سباعنية، لقد كلفته القيادة الولاية الرابعة سي الزوبير بالتوجه إلى دوار سباعنية في الصباح الباكر في انتظار أكثر من أربعمائة من الطلبة الجزائريين فروا من المدن بعد إضراب العام. وحمل سي حمدان معه 03 ماط ( 49 ) و10.000 رصاصة MP2 (38) 60.00 رصاصة واتصل بثورة بجبل موزاية بتمزقيدة ) وكان سريع الانتباه والتفطن لما يتطلبه الموقف العملي وكان يواجه المواقف ببرودة أعصابه دون قلق أو تدهور أو نرفزة لأنه شجاع وواثق من نفسه كل الثقة خاص سي حمدان المعارك العديدة في النضال العسكري بثبات وإصرار واصل سي حمدان هجوما ته عل ثكنات العدو لقد تميز سي حمدان عندما تولى قائد الكتيبة الحمدانية. تكونت الكتيبة الحمدانية في شهر أفريل عام 1957 في جبل بمناصر وكانت تضم في صفوفها حوالي 120 مجاهدا. سميت بالحمدانية تقديرا وتخليدا لبطولات الشهيد بن موسى المدعو حمدان الذي كان مسؤولا عسكريا في الناحية الثالثة للمنطقة الثانية والذي سقط في ميدان الشرف في 12 جانفي 1957 قرب بلدية العفرون. وسجل مجاهدو الكتيبة الحمدانية أروع البطولات في الفداء والتضحية. لقد كان سي حمدان القائد قوي الإيمان دامع الحجة وكان يحترم الجميع، كان لا يعطي السلاح إلا لمن يستحقه وخاضت الكتيبة الحمدانية معارك لا تحصى ولا تعد، لازال بعض المجاهدين الذين ينتمون إلى الكتيبة الحمدانية أحياء أطال الله في عمرهم. يشهدون على ذلك. أذكر بعض المعارك الكبرى التي خاضتها وهي أكبر معارك الولاية الرابعة، منها الداموس تيزي أفرانكو، بوحرب زكان، سيدي شارف. في بلدية العفرون في وادي شفة في عين الرمانة في بلدية مناصر قرب بلدية حجوط معركة سيدي مدني حمام ريغة جبل بوسمام قوراية بوقورنو بالمدية بلدية الشريعة بوغار المدية البليدة في الشريعة في أولاد عنتر. استطاعت الكتيبة الحمدانية أن تتسلح نفسها بنفسها وبسبب هجومات وكمائن على العدو والاشتباكات والمعارك. كنت أعرفه من قريب كان يحكى لنا عن كيفية تحضير الكمائن للعدو، وكيف كان يحضر ويدرس الخطة من جميع جوانبها، ثم كيف يعطي الأوامر للمجاهدين كل واحد في مكانه وكانت الأوامر تطبق بصرامة لا حراك ولا حركة إلا بأمر عند المعركة. في عام 1959 ركز سي حمدان العمليات الفدائية داخل المدن فأعلن المعمرون سخطهم على الحكومة الفرنسية وشكلوا أفواجا لمقابلة الجنرال السفاح ماسو لطرح القضية مطالبين الحماية وفي يوم 04 جانفي 1960 صادق أربعون معمرا من متيجة على بيان استنكروا فيه تهاون الحكومة الفرنسية وبعد ثلاثة أيام أي يوم 07 جانفي اجتمع أربعمائة معمرا قرروا الاستغاثة بالجنرال ماسو وأكدوا بما جاء في البيان الأول. أين ذهبت تلك الأفراح والآمال التي علقها الأوروبيون على برنامج (شال) وهجوماته على مناطق الجبال. وتعرضت الولاية الرابعة إلى ضغوطات حربية أفرزها فكر العدو الطائش كهجومات شال سنة 1959 بعملية الحزام الذي استعان بالحلف الأطلسي. وضاعف من عدد المحتشدات ومكاتب (لصاص) كمراقب سكان القرى واتبعت بعمليات (العصا) في مارس 1960 وكذلك عملية (فال) في أوت وسبتمبر 1960 تكبد خلالها جيش التحرير الوطني خسائر كبيرة كما أصيب المدنيون بالقتل والتشريد والتعذيب واصل سي حمدان جهاده كمسؤول عسكري في صفوف جيش التحرير الوطني. من بداية 01 جانفي 1957 قائد فوج 01/04/1957 نائب قائد فصيلة 05/06/1957 قائد فصيلة 03/04/1959 قائد كتيبة الحمدانية وتم تعيينه مسؤول عسكري في الناحية الثالثة المنطقة 4 . وفي 01/01/1960 عين نقيب ومسؤول عسكري في ناحية ثانية تنس. وفي 5/08/1960 مسؤول عسكري للمنطقة الثانية بالمدية من 01/01/1962 عين نقيب عسكري بالمنطقة السادسة ولاية 4 الساحل. من 05/08/1962 عين مؤقتا أمين صندوق عام للولاية الرابعة. فقال لي يوما : (في المنظمة الوطنية للمجاهدين بالبليدة لقد عملت أسرتي وعائلتي الكبيرة بكل ما أوتي من قوة لتدعيم الثورة والمجاهدين بكل الوسائل المتاحة لهم وخاصة الجيران الذين كانوا يساعدون عائلتي في كل شيء رغم الضيق الشديد الذي عانته بسبب عزلهم وحشرهم في محتشد محروس كما اتخذت هذه القرية مركزا عسكريا لكن رغم كل هذا بقي سكان المنطقة أوفياء للثورة والوطن فتعاونوا مع المجاهدين، مهما كانت الظروف. إن المأساة وحسرتي مازالت أذكرها بين عيني والغد للاستقلال لا أنسى ألاف الذكريات كانت كابوسا وأنتم اليوم تعلمون). لقد أبلى البلاء الحسن وخرج من العديد من العمليات الكبيرة سالما بأعجوبة، كان يندفع بكل قوة وإرادة وثقة دون تردد وهو مع كوكبة الأبطال ويقول لا أنسى أبطال ثورتنا خاصة الكتيبة الحمدانية قدمت ثورة أول نوفمبر 1954 عددا كبيرا من الشهداء مليون ونصف شهيد من نوفمبر 54 إلى 62 قدمت 557 شهيد يوميا قربانا لأجل الاستقلال دامت سبع سنوات ونصف وأربعة أشهر وتسعة وعشرون يوما وأن عدد اللترات من الدم سقت بها شجرة الحرية هي 2783 لترا يوميا وخلال أربعة وثمانين يوما إذا يعطينا المجموع سبعة ملايين وخمسمائة ألف لتر من الدماء سالت عبر الأودية والفيافي والجبال وكانت جبالا من الجثث وأنهارا من الدماء. تقلد عدة مسؤوليات في المنطقة الوطنية للمجاهدبن. عضو المجلس الوطني، ثم أمينا ولائيا للمنظمة المجاهدين لولاية البليدة، وبعد مرض عضال أقعده الفراش مدة طويلة إلى أن وافته المنية يوم 11 جوان 2002 بمدينة زرالدة كان يقطن بها رحم الله المجاهد واسكنه فسيح جنانه. بقلم: عبد القادر حمداوي *