اندلعت الأحداث المأساوية في حقّ المسلمين في بورما عندما تعرّضت امرأة بوذية في شهر جوان الماضي لاغتصاب جماعي قبل قتلها، واتّهمت الشرطة البورمية 3 مسلمين في هذه الجريمة، الأمر الذي أثار غضب البوذيين في بورما فهاجموا منازل الروهينجا (الأراكان) وأحرقوا نحو 500 منزل وقتلوا المئات. تعدّ تلك أعنف اضطرابات طائفية تشهدها بورما (ميانمار) منذ أن حلّت حكومة ثين سين -رئيس دولة بورما الحالي- الإصلاحية العام الماضي محلّ المجلس العسكري الذي كان يحكم البلاد، وتعهّده بتحقيق الوحدة الوطنية في واحدة من أكثر دول آسيا تنوّعًا من الناحية العرقية. وقد تعرّضت الأقلّية المسلمة في بورما، التي يبلغ تعدادها 4 بالمائة من السكان، للعديد من حوادث العنف الطائفي من قبل الأغلبية البوذية. ورغم قلّة عدد المسلمين المنحدرين من أصول هندية إلاّ أنهم كانوا أكثر معاناة من الاضطهاد الديني، حيث تعاملت السلطات الحاكمة في بورما مع المسلمين وكأنهم (وباء) لابد من التخلّص منه بأسرع وقت. يتراوح عدد المسلمين في هذا البلد -البالغ تعداده نحو 55 مليون نسمة- بين 5 و8 ملايين نسمة، ويتركّزون في ولاية (أراكان) المتاخمة لدولة البنغلاديش وفي العاصمة رانجون وينتمون إلى شعب روهينجيا، بينما بلغت نسبة السكان البوذيين حوالي 89 بالمائة و4 بالمائة مسلمون، 4 بالمائة مسيحيون، 1 بالمائة وثنيون، 1 بالمائة ديانات أخرى تشمل الإحيائية والديانة الصينية الشعبية. دخل الإسلام بورما عن طريق إقليم (أراكان) بواسطة التجّار العرب في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد في القرن السابع الميلادي، حتى أصبحت دولة مستقلّة حكمها 48 ملكًا مسلمًا على التوالي وذلك لأكثر من ثلاثة قرون ونصف القرن، بين عامي 1430م و1784م، وقد تركوا آثارًا إسلامية من مساجد ومدارس. معظم رجال (الروهينجيا) -اسم أراكان القديم- يعملون في الزراعة والرعي وقليل منهم يشتغلون بالتجارة، أمّا نساؤهم فيعملن في الحقول وتربية الحيوانات. تقع بورما في جنوب شرق آسيا على امتاد خليج البنغال، ويحدّها من الشمال الشرقي الصين، والهند والبنغلاديش من الشمال الغربي، وفي عام 1989 غيّرت الحكومة البورمية العسكرية الترجمات الإنجليزية للكثير من أسماء المناطق شاملة اسم الدولة فتحوّل من (بورما) إلى (ميانمار). ونظرًا لتعدّد العناصر المكوّنة لدولة بورما، فنجد أن معظم سكانها يتحدّثون اللّغة البورمانية ويطلق على هؤلاء (البورمان)، أمّا باقي سكانها فيتحدّثون لغات متعدّدة. يسكن معظم البورميين في الريف، وتتكوّن منازلهم من الخيزران المسقوف بالقشّ وتكون مرتفعة عن أسطح الأرض لحمايتها من الفيضانات والحيوانات المفترسة. يختلف سكان بورما عن بعضهم البعض من حيث التركيب العرقي، فالبورميون هم سلالة شعوب مسلمة من العرب والفرس والأتراك والهنود ومسلمو البنغال والبشتون والصينيون. انفصلت بورما عن حكومة الهند البريطانية في أفريل 1937 بعد اقتراع بشأن بقائها تحت سيطرة مستعمرة الهند البريطانية أو استقلالها لتكون مستعمرة بريطانية منفصلة. ازداد عدد السكان من المسلمين خلال فترة الحكم البريطاني في بورما بسبب موجات جديدة من هجرة المسلمين الهنود، فضلا عن أن البريطانيين جلبوا العديد من المسلمين الهنود إلى بورما لمساعدتهم في الأعمال المكتبية والتجارة. وبسبب موجات الهجرة كان معظم المسلمين الذين وصلوا إلى بورما إمّا تجّارا أو مستوطنين أو عساكر أو أسرى حرب وضحايا العبودية، لكن بعد الاستقلال تمّ الإبقاء على الكثير من المسلمين في مواقعهم السابقة، وشغل الكثير منهم مناصب مهمّة في الدولة. وقد ساهمت الضغوط الاقتصادية في ظلّ الحكم البريطاني في زيادة التوتّر العنصري بين البورميين والمهاجرين الهنود من ناحية والسلطات البريطانية من ناحية أخرى، ممّا أدّى إلى ظهور ما سمّي ب (حملة بورما)، حيث نظّم البورميون مسيرة إلى بازار مملوك لأحد المسلمين بعد أن وقعت مشكلة بين صاحبه وأحد البوذيين وقامت الشرطة الهندية بتفريق تلك المظاهرات التي كانت عنيفة وتسبّبت في إصابة 3 رهبان، فاستغلّت الصحف البورمية صورًا للشرطة الهندية تهاجم الرهبان البوذيين للتحريض على زيادة انتشار أعمال العنف، فنهب البوذيون متاجر المسلمين ومنازلهم ومساجدهم التي تمّ تدميرها بالكامل وتعرّض المسلمون وقتها للاعتداءات والقتل. وسرعان ما انخفضت هذه الزيادة في أعداد السكان خلال فترة الحكم البريطاني بشكل حادّ وذلك بعد عام 1941 بسبب الاتّفاقية (الهندية-البورمية)"، ثمّ توقّفت تمامًا عند استقلال بورما (ميانمار) في 4 جانفي 1948.