ارتبطت عطلة الأطفال الصيفية لهذه السنة بشهر رمضان، حيث أنهم لن يلتحقوا بمدارسهم لا في بدايته ولا حتى في نهايته، ما جعل كلا منهم يفكر فيما يشغل به وقته، خاصّة بالنسبة للذين ينوون صيامه كله، والذين لا يُحبذون بالتالي الذهاب إلى البحر. أغلب الأطفال وحتى المراهقين يفضلون إمضاء وقت فراغهم في قاعات الألعاب، وحتى مقاهي الانترنيت التي تقدم خدمة اللعب عن بعد لزبائنها، ويزداد بطبيعة الإقبال عليها خلال الشهر الفضيل، خاصّة في الأحياء التي لا تتوفر على دور شباب او ملاعب يتسلى فيها الأطفال، فيضطرون بالتالي إلى "قتل وقتهم" في تلك القاعات. اتجهنا إلى قاعة للألعاب بحي "طرولار" حيث تحدثنا إلى بعض الأطفال الذين بدوا لنا مولعين كثيرا باللعب، وأنهم وحتى في أيامهم العادية يقضون وقتا طويلا فيها، وقد صرح لنا اغلبهم أنّهم في السنة الدراسية، وبعد ساعات الدراسة مباشرة يتجهون إلى القاعة، عادة ما يحملون معهم دنانير قليلة يصرفونها كلها، قبل أن يعودوا إلى بيوتهم. يحكي لنا صالح عن يومياته في رمضان يقول:"السنة الماضية قضيتها كلها في اللعب، فكنت انهض صباحا، آتي مباشرة إلى هنا، وأبقى حتى ساعة الإفطار، وقد لا افعل إن كانت لي ارتباطات أخرى، كأن العب مباراة في كرة القدم، او أن اذهب مع عائلتي إلى مكان ما، او أي شيء آخر، لكن في العادة فانا لا ابرح قاعة الألعاب إلاّ وصوت المؤذن يرتفع معلنا ساعة الإفطار، وهو ما يفعله كل أصدقائي أو كل أبناء الحي، حيث أننا لا نكاد نعثر على مكان آخر نذهب إليه، فلا ملعب ولا مكان للتسلية، ولا شيء آخر، إلا قاعة العاب أخرى قريبة من هنا، نذهب إليها من حين لآخر، لأن فيها ألعاباً مختلفة قليلا، وهو الأمر الذي يجعلنا في رمضان وفي غير رمضان نأتي إلى هنا، خاصة وان أوامر الأولياء عادة ما تكون صارمة، إذ ينهوننا عن الابتعاد كثيرا عن البيت، فلا نستطيع حتى أن نذهب إلى أحياء أخرى، ربما نجد وسائل ترفيه غير هذه". قال لنا صالح هذا قبل أن يعود إلى لعبته المفضلة فيرمي فيها قطعة عشرة دنانير ليلعب، فاستغللنا الفرصة لنتحدث إلى الخاسر، والذي كان لتوّه يلعب وهو مراد، 12 سنة، فقال:"بالنسبة إلى أيامنا في رمضان ستكون كلها على هذه الشاكلة، فالقاعة هي ملاذنا الوحيد، خاصة وأنني شخصيا انوي أن أصوم هذا الشهر كل الأيام، ولن أضيع يوما واحدا مثلما فعلت السنة الماضية، ولذا فلن استطيع البقاء في البيت واشم رائحة المأكولات الشهية تنبعث من المطبخ، والتي لا بد أنني سأضعف أمامها، ورغم أنني قد لا آكل، إلاّ أنني سأنزعج وستزداد صعوبة اليوم والصيام علي، لذلك أفضل أن اخرج صباحا ولا أعود إلاّ في المساء، استمع إلى تلاوة القران قبل أن افطر مع أسرتي واخرج ثانية لأعود مجددا إلى قاعة الألعاب، ففي السهرة يأتي الكل إلى هنا، وتزداد المنافسة بيننا، خاصّة بالنسبة للألعاب القتالية التي أحبها والتي نتنافس فيها نهارا وليلا كاملا، بل أننا أحيانا نظم دورات بيننا، وكذا مع الحي المجاور، ونمنح الفائز منا جائزة نجتمع على شرائها، لكن عادة ما تكون جوائز رمزية، فأكلة معينة أو قارورة مشروب غازي أو غير ذلك، لكن نشوة الفوز والتفوق لا تضاهيها نشوة"، وعلى ذكر التفوق سألنا مراد عن دراسته، وعما إذا كان متفوقا فيها ومهتما به كاهتمامه بتلك الألعاب الالكترونية، فقال:"أيّ دراسة في الصيف وفي شهر رمضان كذلك؟ نحن بالكاد ندرس خلال السنة الدراسية والساعات المقررة، فكيف نفعل في الصيف؟ أما التفوق فشيء آخر، لقد ارتفع معدل النجاح في مدارسنا، وعندما أصل إلى الطور النهائي قد يكون بلغ المائة بالمائة، وبذلك لا حاجة لنا إلى أن نطيل التفكير فيما ينتظرنا، وفي الحقيقة لقد صارت قاعات الألعاب هذه أكثر من مجرد تسلية وتمضية للوقت، بل شيئاً لا بد منه، فأنا مثلا، وحتى عندما أكون منشغلا بأمر ما، إلاّ أنّ ذلك لا يمنعني من أن آتي إلى هنا ولو كان الوقت متأخرا لألعب على الأقل شوطا واحدا، ثمّ اذهب لشأني". فعلا، لقد صارت تك الألعاب أكثر من مجرد تسلية بالنسبة لهؤلاء الأطفال، وعلى غرار تلك القاعات، هناك مقاهي الانترنيت، والتي توفر بعضها تلك الألعاب، وقد دخلنا إلى إحداها على مستوى الجزائر وسط، فقال لنا صاحبها رفيق:"أحقق أرباحا غير عادية خلال شهر رمضان، ذلك أنّ الكثير من الزبائن يفضلون تمضية الوقت هنا، أمّا الأطفال فعادة ما يأتون لكي يلعبوا، حيث يحضرون جماعات جماعات، ويحتلون كلّ الأماكن، ولا يخرجون إلاّ قبل ساعة الإفطار بقليل، ورغم الضجيج الذي يحدثونه، إلاّ أنهم وعلى الأقل خلال شهر رمضان، لا يقومون بأشياء مسيئة مثلما هو حالهم أيام الإفطار او حتى في السهرة الرمضانية، حيث يجلب بعضهم السجائر ليدخنها، وآخرون يجلبون سجائر ملغمة، ورغم صغر سنهم، إلاّ أنني لا استطيع أحيانا التحكم فيهم واضطر إلى ضربهم او الصراخ في وجههم أو حتى طردهم من المحل إن استدعى الأمر ذلك". ونحن بالمكان تحدثنا إلى سهيل، 14 سنة، والذي قال:"ما أحبه في هذه الألعاب هو ما تمنحه لنا من متعة المنافسة فيما بيننا، وفي رمضان لا نحس بالوقت، فنمضي الساعات الطوال، وأحيانا النهار كله هنا، دون أن نشعر بذلك"، وعن مصدر النقود التي يستنزفها في المحل يصارحنا قائلا:"في الحقيقة لا اعثر دائما على ثمن اللعب، لكني أدبِّر الأمر، فعلى غرار مصروفي اليومي الذي آخذه من أبي، فانا احتال أحيانا كثيرة، إذ اصرف ما يعطيه لي لاشتري وجبة إفطار، او أتاجر أحيانا في الهواتف النقالة، او اقترض او أي شيء، المهم أن احضِّر ثمن اللعب، خاصة وأننا في فصل الصيف، لكن في رمضان، أي أننا غير قادرين على الذهاب إلى البحر، مثلما نفعل عادة في عطلنا الصيفية، وهو ما يجعل قاعة الألعاب المكان المفضل، او الوحيد لنا، ولا نستطيع بالتالي أن نتخلى عنها". فعلا إن تلك الألعاب ذات الطابع الترفيهي قد تكون فرصة ليروِّح الأطفال بها عن أنفسهم، لكن لا بد ألا ننسى انه يجب أن لا يفرطوا، وان ذلك قد يجعلهم يتعلقون بها إلى درجة لا يستطيعون معها أن يفارقوها، وهو الأمر الذي قد يؤثر على دراستهم وعلى مستقبلهم، لهذا فعلى الأولياء أن يحذروا خطر تلك الألعاب.