تعد زيارة أضرحة الأولياء الصالحين من أهم العادات التي يحافظ عليها الكثير من الناس المتشبعين بالخرافات والدجل، وزيارة ضريح سيدي عبد الرحمان تقليد يميز الكثير من العاصميين، الذي يقرن دائما حكاية مزغنة بحارسها سيدي عبد الرحمان الثعالبي. ويعتبر الضريح أهم المعالم التاريخية التي تميز العاصمة وتردد الجزائريين عليه من كل أنحاء الوطن لا يتوقف على مدار السنة، وذلك طمعا في (نيل كرامته والتبرك بقضائه حاجاتهم) وكأنه ينفع ويضرّ وهو ميت في قبره. وتتميز هذه الزيارة بطقوس غريبة يبتدعها الزوار ويتمسكون بها من جيل إلى جيل. وفي زيارة قمنا بها إلى الضريح وقعنا على تلك الطقوس التي يشعر فيها المرء أنه عاد بقرون إلى الوراء، حيث تزول فيها قيمة الضريح الذي يضم بين جنباته رجلا كان متمسكا بدينه وعالما في أصوله، لكن اختلاف الخرافات وسيطرتها على صفات الشخصيات غيرت الحقيقة وأحاطت المكان بغموض يتأرجح فيه هؤلاء بين الحلال والحرام. ولعل شهر رمضان خير مناسبة لتكريس ذلك، حيث يصبح الأمر لا يقتصر على الزيارة فقط بل (الاعتكاف) في الضريح إلى غاية ساعات متأخرة من المساء. وخلال تواجدنا بعين المكان لاحظنا أفواج نساء معظمهن من العازبات على غرار ياسمين التي كانت رفقة خطيبها، اقتربنا منها بغية التعرف على سر تواجدها بهذا المكان فقالت: (أتردد على هذا المكان منذ عرفت خطيبي، كي ننال بركته ويسهل لنا أو يبارك في زواجنا إن شاء الله). أما السيدة العكري التي ترعرعت في حي القصبة العتيق فهي لا تخفي (إيمانها الصارخ) ب(بركات سيدي عبد الرحمان) وتقول إن (زيارة المقام لا نعتبرها عادة فقط بل هي واجب نؤديه في كل المناسبات وخاصة شهر رمضان، حيث يستجاب الدعاء). وعن سبب زيارتها للمقام تقول (أنا أرملة ولدي أولاد وبنات وفي سن الزواج، لذا الجأ إلى سيدي عبد الرحمان كي يفك ضائقتنا ويسرح البنات) حسب اعتقادها البالي!. وبمجرد ما تدخل الزائرة تقبل النسيج الحريري المغطي للضريح و(تطوف) حوله سبع مرات تردد فيها (دعاءها) لصاحب الضريح من دون الله، وتنثر على أرضيته الحناء وقد تعطره بالعطر وهي لا تتوقف عن (الدعاء)، هذا وتضع تحت غطائه شمعة دليلا على أنها (تحت جناحه وحمايته) مع أن صاحبه ميت عاجز حتى عن حماية رفاته، كما تقوم البنات العازبات بأخذ بعض الحناء المبعثرة على أرضية الضريح لاعتقادهن أنه (يسرّع في زواجهن)! وفي الجهة المقابلة يجلس بعض الرجال الذين لم ينقطعوا عن قراءة القرآن في غير موضعه. السيد فريد لجأ إلى (الدعاء) هناك فمنّ الله عليه بالشفاء فاعتقد أن صاحب الضريح هو الذي شفاه والعياذ بالله، يقول فريد: (أنا مريض منذ أعوام ولم أجد أي طبيب يشخص حالتي أو يخفف عني آلامي إلى أن لجأت إلى سيدي عبد الرحمان الذي كشف عني الضرر وأنا الآن أشعر بتحسن)؟! ولمعرفة موقف الإسلام في صحة الصلاة وقراءة القرآن في الضريح، اتصلنا بالشيخ زين الدين عضو في هيئة الافتاء، حيث أكد لنا أن زيارة الأولياء الصالحين (جائزة وهي مضبوطة بضوابط الشرع ولكن كيفية الزيارة يُختلف حولها)، أما فيما يخص الصلاة وقراءة القرآن فقط اختلف فيها العلماء فالمذهب الحنبلي يقضي بعدم جوازها، أما جمهور المالكية فيقولون بجواز القراءة والصلاة، واستدلوا بقبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر الصحابيين عمر وابن بكر في المسجد النبوي، وكذلك حجر إسماعيل في الحرم المكي. أما عن خرافات الكثيرين في التوجه بالدعاء إلى الولي الصالح دون الله تعالى، فيؤكد الشيخ أنها (خرافات باطلة وأن النفع والضر بيد الله عزو جل).