أصبح اهتمام العديد من المواطنين في الآونة الأخيرة منصبا على استعمال الزيوت الطبيعية العطرية التي تتوفر بأنواع عديدة ولها استخدامات مختلفة باعتبارها مفيدة لعلاج كثير من الأمراض، كما أن الأطباء المتخصصون يصفونها للكثير من المرضى فهي تستخدم كعلاج جسدي ونفسي نتيجة استخراجها من مختلف أنواع الزروع والنباتات للعلاج بعيدا عن الأدوية الكيماوية، إذ توجد طرق كثيرة تستخدم للحصول على الزيوت الأساسية العطرية كطريقة الاستخراج بالمذيبات وطريقة الكبس التي تستخدم لاستخراج زيوت الموالح. ولعل أغلب الزيوت التي تعرف انتشارا لدى الكثير من الجزائريين والمتوارثة والتي تعرف إقبالا كبيرا على استعمالها حسب ما صرح لنا به العديد من المواطنين هي طريقة التقطير بالبخار التي تعود الى الزمن الماضي، ولمعرفة مدى انتشار ثقافة تقطير الزيوت بالجزائر أردنا أن نكون بمقربة من هؤلاء الذين تفننوا في هذا الميدان من أجل الحفاظ على هذه الحرفة. ونحن نجوب العاصمة لفت انتباهنا أحد المتاجر النادرة تابع لأحد المواطنين السيد (محمد) الذي صرح بقوله: (أعمل في تخصص التقطير بالبخار وصناعة العطور ومواد التجميل منذ عشر سنوات بعد تكوين أجريناه في فرنسا). وتتخذ معظم المحلات المتخصصة ببيع الزيوت الطبيعية ديكورا خاصا بها يغلب عليه طابع الاخضرار وانتشار النباتات والأزهار التي تزين زوايا المتاجر، هذا إلى جانب آلة الأنبيق المستخدمة في التقطير، وفي هذا السياق صرح لنا أحد الباعة عن البدايات الأولى لتاريخ التقطير وأرجع بدايته الأولى إلى الحضارات القديمة كالفرعونية والفارسية، حيث كانوا يستعملونها للزينة ثم تطورت بعد ذلك على أيدي العرب خاصة في الأندلس لتنتقل إلى الجزائر عن طريق المهاجرين من الأندلس الذين استقروا بشمال إفريقيا، إذ أحضروا معهم آلة الأنبيق المستخدمة في التقطير. وفي نفس السياق يضيف بائع آخر أن بعض المناطق والولايات بالوطن اختصت بهذه الثقافة واشتهرت بها على غرار القليعة والبليدة وقسنطينة وغيرها، إلا إنها اقتصرت على ماء الورد الدمشقي أو المسكي كما يدعى بالدارجة وماء الزهر المستخدم في تحضير الحلويات ويضاف للقهوة أو لتنظيف البشرة وتحضير أقنعة طبيعية خاصة بالوجه، ويضيف صاحب المحل: (أقوم ببيع حوالي ستة أنواع من مضمون ما يقارب 500 زيت أساسي عبر العالم تختص كل منطقة من مختلف الدول منها على سبيل المثال (البرغموت) القادم من إيطاليا ويباع هنا في الجزائر وهو من الحمضيات والخزامى المتوفرة وبكثرة في فرنسا، أما فيما يخص عملية التقطير التي نعمل عليها فتعتمد على البخار الذي يؤدي بدوره إلى تكسير الخلايا من النبات ليتحرر الزيت التي بخلاياه وتبخيره ليمر بالمكثف البارد ثم يتم فصل الماء المقطر الخاص بتلك النبتة وزيتها، والمشكل الذي نواجهه هو ندرة هذه المواد التي تتطلب كمية كبيرة من النبات ويتطلب منا استخراج لتر واحد من زيت النعناع الأساسي مائة كلغ من النعناع، الأمر الذي يستلزم علينا رفع تكلفة هذه الزيوت باعتبارها ذات نوعية لأنها طبيعية محضة وتتطلب هذا الكم الكبير من النباتات، كما أننا نقوم باستعمال الزيوت الأساسية لصناعة العطور الفاخرة ومستحضرات التجميل والدلك للاسترخاء). وللإشارة فإن هذه الزيوت ذات فوائد كبيرة لا تحصى إذ تعمل على تهدئة الأعصاب وتقلبات المزاج والأرق كزيت الخزامى وهي مضادة للالتهابات والفطريات وتساعد على الهضم، إذ تعيد التوازن للجهاز الهضمي، هذا إلى جانب دورها في ترطيب البشرة بإعطائها التوازن وتعمل على تجديد الخلايا مما يجعلها مضادة للتجاعيد باعتبارها علاجا تكميليا مساعدة على العلاج، ولا يعتمد عليها كدواء وبما أنها جد مركزة فلا بد من استشارة مختص لتفادي ظهور أعراض جانبية.