لأنّهما مهنتان مثمرتان والاستثمار فيهما مضمون المكسب، ارتأى العديد من الشباب في جهات متعددة من العاصمة ممارسة مهنتي استخلاص الأعشاب وصناعة الزيوت، ورغم أنّ هاتين المهنتين لا تزالان في مهدهما، إلاّ أنّهما صارتا تستهويان كثيرا من الباحثين على الخوض في المهن الجديدة. في جولة قادت «السلام» إلى عدد من الورشات، برزت تجارب كثير من الشباب الذين انخرطوا في المهنتين المذكورتين مبرزين إرادة من فولاذ تحدوا بها هشاشة الإمكانات وبعبع البطالة. بهذا الشأن، يقول يحيى العامل في الأعشاب الطبية ببابا حسن أنّه بعد سنوات من تخبطه بين مهن عدة، اختار مهنة جمع الأعشاب الطبيبة وبيعها، وهي خطوة يراها أكثر من إيجابية وسمحت له بتحقيق عائدات يسيرة خلال 36 شهرا، بقدر سيسمح له بافتتاح محل واسع في مرحلة لاحقة. ويشير حمزة إلى أربعة من أقرانه ساروا على منواله، وباتوا يمارسون المهنة ذاتها، بعدما أعجبوا بهذا الميدان الذي يشهد اهتماما جماهيريا كبيرا، تعكسه قوافل المواطنين الذين يتهافتون على اقتناء الأعشاب ومستخلصاتها بحثا عن أمل الشفاء من أمراض استعصت على الأطباء والأدوية العادية. والزائر لمحل حمزة بحي العاشور، وباديس بالكاليتوس، وسعيد بضاحية الخرايسية، يلفت انتباهه الاكتظاظ الموجود هناك، والتجاوب الشعبي بمهنة لم يمض على بروزها فترة طويلة، ولعلّ ما يلّف التعاطي الطبي محليا مع بعض العلل، والثمن الباهظ الذي يدفعه المرضى لقاء العلاج، دفع هؤلاء إلى تفضيل مراودة محلات الأعشاب، بدل الرجوع إلى طبيب أخصائي أو القيام بالتحاليل اللازمة لمعرفة نوع الأمراض التي يشتكون منها. وبشأن العائدات، يؤكد يحيى أنّ الأعشاب رائجة اقتصاديا، ومكسبها مضمون وترتفع قيمتها بحسب درجة الكفاءة ومستوى التخصص والتفاني، ويجزم يحيى أنّ بائع الأعشاب العادي الذي يقتصر على بيع المستحضرات، يستطيع تأمين مدخول معقول يحفظ كرامته، بمقدار لا يقلّ عن 35 ألف دينار كل شهر، في حين أنّ بائع الأعشاب الذي يزاوج بين بيع سائر المواد العشبية وما يتصل بها من مستخلصات، إضافة إلى مداواة المرضى وممارسة الحجامة، يمكنه جني مائة ألف دينار كل عام، بينما تستطيع المؤسسات والمختبرات المختصة بإنتاج المستخلصات العشبية وتوابعها، أن تحقق أرباحا بحدود ثلاثمائة ألف دينار شهريا. وتبرز الجدوى الاقتصادية لمهنة طب الأعشاب التي لا تزال تفتقر إلى الاهتمام الكافي، رغم قدرتها على توفير آلاف مناصب الشغل، بما يمثل جرعة أمل لعديد العاطلين عن العمل ومنفذا لتحجيم ظاهرة البطالة في مجتمع محلي يعاني من احتباس القوى النشطة. في سياق متصل، يشرح يحيى شلالو أنّ الجزائر تزخر بثروة نباتية وغابية هائلة، وهي بمثابة استثمار ضخم لمن يريد الاستثمار في هذا الميدان الواعد، ويعدّد شلالو أنواع الزيوت المتوفرة في الجزائر، على غرار: زيت الزبوج، زيت الزيتون، زيت اللبان، زيت البابون، زيت النعناع، زيت الحبة السوداء، زيت المريمية، زيت الخزامة، زيت القرنفل، وغيرها، علما أنّه خلال الفترة السابقة ظلت زيوت شركة الكابتن المصرية وزيوت الهيماني البحرينية هي الرائجة، فيما بدأ مُختبر الوسيلة بمحافظة برج بوعريريج، وهو مختبر متخصص في المستحضرات العشبية التجميلية، في استغلال الزيوت الأساسية المستخلصة من الجنسنك، الكمكم والحبة السوداء. بدوره، يتحدث عثمان قويدر (43 عاما) المختص في استخراج الزيوت النباتية وعطور الأزهار بالسويدانية، بسعادة عن مهنته «صناعة الزيوت الأساسية» التي تعدّ قاعدة تتكئ عليها صناعة مواد التجميل والأدوية والعطور، ويشرح قويدر أنّها قائمة على استخراج مياه الزهور وتقطير النباتات الطبية، ويضيف عثمان الذي يملك دبلوما في الهندسة المدنية وصاحب عدة مؤلفات، أنّه دأب منذ العام 2003، على جمع النباتات من مختلف مناطق البلاد لتحضير منتجات يعتبرها نفعية لصحة الإنسان، مستخدما جهازا مصنوعا من الفولاذ المقاوم للصدأ وبه عدة أنابيب. ويوظف عثمان جهاز تقطير خاص به في استخراج مستخلصات النعناع البري وباقي الأعشاب، ويعتبر عثمان أنّ عملية استخراج مستخلصات النباتات «ليست عملية صعبة» مقارنة بعملية جنيها المرهونة بالظروف المناخية والفصول وكذا اليد العاملة، داعيا إلى تنظيم ملتقيات حول فضائل الانتفاع بمستخلصات الأعشاب. بدوره، يتطرق عيسى إلى صعوبة إيجاد اليد العاملة المؤهلّة خلال فترات جني النعناع البري والخزامي وإكليل الجبل، ومن بين الصعوبات التي تعيق السير الحسن لمهنة استخراج الزيوت النباتية وعطور الأزهار، ندرة القارورات المخصصة لهذا النوع من المواد الطبيعية. من جهتهم، يبدي قطاع واسع من العاصميين، إعجابهم بمهنة بيع الأعشاب الطبية واستخراج الزيوت، ويرى هؤلاء لدى استجوابهم من لدن مندوب «السلام»، في ذلك خطوة أسهمت في تخليصهم من الفواتير الباهظة المترتبة عن خدمات العيادات والصيدليات، في هذا السياق، يشير آكلي (33 عاما) ومحمد (56 عاما) إلى أنّهما يفضلان العلاج بواسطة هاته الأعشاب، التي تنطوي بحسبهما على بعدين صحي واقتصادي، ومن المستحيل بمنظارهما، أن تلحق أي ضرر بجسم الإنسان، كما أنها إن لم تنفع فلن تضر، على حد تعبيرهما، ويضيفان أنّ العاصميين الأوائل اعتادوا على استعمال هذه الأعشاب والزيوت في الماضي، بما أتاح لهم الاستمتاع بصحة جيدة إلى غاية سن متقدمة جدا. وتركّز الآنسة دلال (25 سنة) على أنّ هاته الوصفات أو الأعشاب ليست «غالية الثمن»، بما يحفّز أي مريض مهما كان مستواه المعيشي اقتنائها، على عكس الأدوية التي أصبحت باهظة الثمن، وتثقل كاهل المريض خاصة إذا كان غير مؤمن اجتماعيا، فضلا عن تأثيرها على صحة المريض إذا أكثر من استعمالها. أما الموظفة نصيرة (48 عاما) فتؤكد أنها زبونة «خاصة» لهذا النوع من المحلات كونها امتثلت للشفاء من أمراض عديدة كالقرحة المعدية والقولون وتزايد نسبة السكر في الدم، مشيرة إلى أنها تقوم بتحاليل دم على مستوى مراكز التحاليل المختصة وتعرضها على بائع الأعشاب الذي يقوم بدوره بوصف الأعشاب اللازمة لعلاج حالتها المرضية. وتشير إحصائيات مركز السجل التجاري، إلى كون الربع الأخير شهد تسجيل 1926 تاجر مختص في بيع الأعشاب الطبية، بينهم 1393 تاجر يملكون محلات تجارية قارة و533 تاجر متنقل عبر الأسواق والأرصفة، وتحتل الجزائر العاصمة الصدارة ب199 محل تليها سطيف ب107 محلات، بشار بمائة محل، وكذا الوادي ب60 محلا.