بقلم: عبد القادر حمداوي * قامت مجموعة من الفدائيين بتنفيذ عملية داخل مدينة تيبازة في نوفمبر 1960 بعدما تلقى المجاهدون معلومات كافية من مناضلي المدينة. كما قام المجاهدون بوضع خطة بأسلوب أحسن، الأمر الذي دفعهم إلى القيام بدراسة المواقع القريبة للمدينة حيث كانت المعلومات كافية حول تجمع ضباط الفرنسيين والمعمرين في مطعم المعمر المدعو، ميرلي، الواقع في مدينة تيبازة، وكلف قائد الفصيلة أحد المناضلين لمراقبة المطعم وجمع كل المعلومات الدقيقة حول المكان ووقت تجمع الضباط والمعمرين، وبعد أن تمت هذه العملية بنجاح تمركزت هذه الفصيلة قبيل المعركة استعدادا لتنفيذها، وكان المجاهدون في حالة جيدة من حيث التسلح وتوفير الذخيرة حيث كان بحوزتهم رشاشات ماط 49. تسللت مجموعة من الفدائيين متكونة من 7 مجاهدين إلى المطعم المذكور مرورا أمام رجال الجندرمة مرتدين اللباس العسكري المشبه بالغابة وأسلحتهم فوق أكتافهم وهم يمشون بخطوات ثابتة، وترك مسافة بينهم، وهذا ما جعل الجندرمة الفرنسية يظنون أنهم فرقة من الجنود الفرنسيين، ولما وصل الفدائيون إلى المكان وعلى رئسهم الدليل المناضل المسمى، حمدي محمد، الذي انسحب بعد أن أوصلهم إلى عين المكان، دخلوا المدينة واتجهوا نحو المطعم، وهنا تفرق المجاهدون وبواهم مسؤولهم في اتجاه المكان، وهكذا فاجأ جيش التحرير الوطني العدو ووقع الاصطدام بين الجانبين وبدأ الرصاص يدوى ويطفو في تلك البقعة، فقتل الحارس وغنم بندقيته وفر الحارس الثاني بعد إصابته بجروح خطيرة، ثم دخل الفدائيون المطعم ووقع اشتباك عنيف بين الطرفين، كما وقعت المجابهة بين الجانبين بالسلاح الأبيض وبدأت المواقع على الفور إلى أن كان كل من المجاهدين والعدو على قاب قوسين أو أدنى من بعضهم مما مكنهم من تبادل الطعنات، وما هي لحظات حتى اشتدت ضراوة القتال وحمى وطيس المعركة ونشطت حركة الحر والفر في الساحة، وفي هذه الأثناء اندلع صوت الرشاش من المجاهدين الباقين خارج المطعم الذين كانوا يحرسون، ملازمين المواقع دون محاولة الزحف نحو الجهة الأمامية للمطعم. وأسفر ذلك عن مقتل حوالي 15 فرنسي وإصابة العديد بجروح متفاوتة الخطورة، وغنموا رشاشة من نوع ماط 49 ومسدسات. أما في صفوف المجاهدين فقد استشهد الجيلالي بوفاريك وبالحيرش محمد.. وخلال انسحاب المجاهدين في اتجاه دوار بالجيلالي اصطدموا بقافلة من السيارات العسكرية آتية من مزرعة المعمر رينو التي يوجد بها مركز للجيش الفرنسي، وفي هذه الأثناء كانت المدينة خالية على عروشها بسبب الرعب الذي سادها، وفي ذلك اليوم راح العدو ينظم وحداته في صفوف متتالية وبدأ يقتحم المكان دون أن يدري ماذا، حدث لقد عم الرعب في نفوس العدو واكتفي بالتوجه إلى غابة جبل شنو واكتف بقنبلة المداشر والدواوير المجاورة على رقعة واسعة من المنطقة حتى أسدل ظلام الليل رداءه. إنها لحظة أحس فيها شعب تيبازة بانتصار الضعفاء على الأقوياء، انتصار الحق على الباطل، انتصار شهدائنا الأبرار، انتصار المجاهدين على العدو دائما في كل مكان وزمان، ولقد أعلن العدو حالة استنفار قصوى في كل مدن متيجة وذلك بمجرد أن انطلقت المعركة بعد اكتشاف قوة جيش التحرير في الميدان ونوعية السلاح المستعمل في الساحة القتالية. لقد كثف العدو من الأنشطة الأخرى استعداد لحراسة مزارع المعمرين بالمنطقة بقوات إضافية وبآليات مختلفة، وقام بإنشاء مراكز جديدة أخرى في بعض النقاط التي يراها استراتيجية وهامة مع تغطية المنطقة، أضف إلى ذلك التصعيد في أسلوب التجويع، والحصار في المحتشدات، والتضييق على حركات تنقل للمواطنين ولو من قرية إلى أخرى، محاولين بذلك إرغام سكان المنطقة التخلي عن مناصرة جيش التحرير الوطني، لقد شرع العدو في تطبيق سياسة الأرض المحروقة. فرحمة الله على شهداءنا الأبرار وأسكنهم فسيح جنانه.