عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «إيّاكم ومحقرات الذنوب، فإنّما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وذا بعود حتى جمعوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه». رواه الإمام أحمد في مسنده. إنّ محقرات الذنوب هي ما لا يبالي المرء به من الذنوب ،ومحقرات الذنوب أي صغارها، لأن صغارها أسباب تؤدي إلى ارتكاب كبارها.. قال الغزالي: صغائر المعاصي يجر بعضها إلى بعض حتى تفوت أهل السعادة بهدم أصل الإيمان عند الخاتمة. ومعناه أن الصغائر إذا اجتمعت ولم تكفَّر أهلكت، ولم يذكر الكبائر لندرة وقوعها من الصدر الأول وشدة تحرزهم عنها، فأنذرهم مما قد لا يكترثون به، قال الإمام الغزالي: تصير الصغيرة كبيرة بأسباب منها الاستصغار والإصرار، فإن الذنب كلما استعظمه العبد صغر عند الله، وكلما استصغره عظم عند الله.. ولقد قال أنس رضي الله عنه لمن أدركهم من التابعين: إنكم لتعملون أعمالاً هي في أعينكم أدق من الشعر، إن كنا لنعدها على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الموبقات. وقال ابن عباس رضي الله عنه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار. وقال ابن القيم رحمه الله: وهاهنا أمر ينبغي التفطن له وهوان الكبيرة قد يقترن بها من الحياء والخوف والاستعظام لها ما يلحقها بالصغائر وقد يقترن بالصغيرة من قلة الحياء وعدم المبالاة وترك الخوف والاستهانة بها ما يلحقها بالكبائر بل يجعلها في أعلى رتبها. وانظر إلى السلف الصالح حيث كانوا لا ينسون ذنباً أذنبوه ولو صغيراً، قال ابن سيرين إني لأعرف الذنب الذي حُمل به عليّ من الدَّين. قيل ما هو؟ قال قلت لرجل منذ أربعين سنة يا مفلس. وقال بلال بن سعد لا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظر إلى من عصيت، أما الحسن البصرى عليه رحمة الله فقد قام ليلة من الليالي فزعاً من نومه فأخذ يبكي بكاءً شديداً حتى أبكى أهل الدار جميعاً، فلما هدأ قالوا ما لك يرحمك الله؟ قال ذكرتُ ذنباً لي فبكيت. فكذلك هذه السيئات الصغيرة تأتي من هنا واحدة ومن هناك ثانية وثالثة ورابعة وهلم جرًّا، حتى تجتمع على الإنسان فتهلكه، وهو متساهل بها ومتصاغر لها لا يظن أنها تبلغ ما بلغته. إنّها الذنوب التي يستصغرها الإنسان ولا يبالي بها الكثير منا فيقع فيها بغير حساب، بل ويصر عليها البعض فلا يتركها لأنّها كما يقال.. من صغائر الذنوب، ولو علم ذلك المستصغر لها مدى خطورتها، لما وقع فيها ولما أصر عليها، فالأمر جد خطير، ويستحق الوقوف عنده كثيراً والتفكير فيه طويلا. ومن هنا يصبح لمحقرات الذنوب جانبان ينبغي مراعاتهما: الأول: كثرتها التي قد تؤدي إلى الهلاك. الثاني: الاستهانة بها واحتقارها الذي يؤدي إلى كبرها وعظمها عند الله. وختاما أخي المؤمن لا تنظر إلى صغر المعصية.. ولكن انظر إلى عظمة من عصيت، واعلم أنّ أي معصية صغيرة كانت أو كبيرة، هي عظيمة في جانب الله تبارك وتعالى. ناصر الدين خالف إمام خطيب مسجد عرفات بن عكنون الجزائر